المحتوى الرئيسى

المغرب لا يطلب الإذن من أحد

11/17 16:27

في خطاب غير معهود اتسم بلهجة مغايرة ولغة تقريرية مباشرة، خاطب الملك محمد السادس الشعب من قلب القارة الإفريقية، وبالضبط من دولة السنغال، وهي بالطبع خطوة تحمل من الرمزية والدلالة أكثر من رسالة لأكثر من طرف.

لم يكن اختيار هذا البلد الإفريقي بشكل اعتباطي، فالسنغال حليف تاريخي واستراتيجي للمغرب في القارة، وكانت من الدول التي ظلت تدافع بقوة عن الطرح المغربي في نزاعه حول الصحراء، ناهيك عن أن البلد تجمعه علاقات اقتصادية وثقافية جعلت له أهمية بالغة في سياسة الرباط نحو القارة، وهو ما يجعل الخطاب بمثابة نوع من العرفان ورد للجميل على الوقوف السنغالي الدائم مع المغرب في قضية الصحراء، خصوصاً في المنطقة الإفريقية.

جزء كبير من خطاب الملك انصبَّ حول الموضوع الأكثر أهمية للرباط في الوقت الحالي، وهو العودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، وذلك بعد سنوات من الانسحاب بعد اعتراف الأخيرة بجبهة بالبوليساريو كعضو داخل المنظمة، وبالتالي فأول رسالة يمكن قراءتها هي أن الخطاب كان من إفريقيا ولأجل إفريقيا.

ما ميز خطاب الملك هذه المرة أنه تخلَّى عن اللغة العمومية التي غالباً ما كانت تميز خطاباته، وعبَّر بشكل صريح ومباشر عن أن المغرب "لا يطلب الإذن للعودة ما دامت المنظمة هي مكانه الطبيعي"، وهو ما يعني أن المغرب يقدم أوراق اعتماده من موقف قوة، يتمثل خصوصاً في العلاقات الاقتصادية التي تجمعه ببلدان كثيرة في القارة، وكذلك الحصول على الضوء الأخضر من خلال دعم أكثر من 28 دولة للمغرب عبر رسالة للرئيس الحالي للاتحاد لدعم عودة الرباط للمنظمة.

الورقة الاقتصادية تبقى جواز المرور الأهم ونقطة القوة الأكبر لدى الرباط نحو العودة، وهو الأمر الذي تفطن له صانعو القرار في البلد بشكل مبكر؛ حيث بفضل السياسة الاقتصادية للبلد تمكنت شركات مغربية من الوجود في أكثر من بلد إفريقي، بما جعل منه المستثمر الثاني في القارة بعد جنوب إفريقيا، كما أن ورقة الإرهاب والهجرة واللجوء والمكانة الروحية والدينية لملك المغرب كلها عوامل مساعدة بشدة نحو مطلب الرباط، ويجعل حاجة القارة لخدماتها لا تقل عن حاجة الأولى لها وربما أكثر.

لكن طريق الرباط نحو العودة لمنظمة الاتحاد الإفريقي لن يكون حتماً مفروشاً بالورود، فالعالمون بخبايا الأمور على دراية تامة بحجم الإشكالات والتعقيدات السياسية والقانونية التي ستواجه الرباط؛ إذ حتى لو تمت الموافقة المبدئية على العودة المغربية، فالإشكال السياسي والتحدي الأكبر هو في الخريطة السياسية التي سيقدم بها المغرب طلبه، وهل ستشمل منطقة الصحراء؟ إذ في ظل عدم الحسم الأممي للمسألة وحتى مع الاعتراف بالإدارة المغربية له فهذا لا يحل المشكلة، فالرباط لن تقبل بأي حال من الأحوال عرض خريطته مبتورة من جزئه الجنوبي، كما أن المنظمة لا يمكن أن تعرض الخريطة مع الجزء الذي لم يتم الحسم فيه.

الملك محمد السادس كان واضحاً وحاسماً في المسألة، وهو أن طلب العودة "لا يغير شيئاً من مواقفنا الثابتة، بخصوص مغربية الصحراء، بل إن العودة ستمكننا من الدفاع عن حقوقنا المشروعة، وتصحيح المغالطات..."، كما جاء في خطابه، وهو الأمر الذي يجعل المسألة معقدة قانونياً وسياسياً بالنظر أولاً إلى أنه لن يقبل الانضمام في ظل بقاء جبهة البوليساريو، كما أن بلدان حليفة للأخيرة لن تقبل بهذا الشرط المغربي متذرعة بذلك بعدم وجود أي سند قانوني لطرد أي عضو من الأعضاء، اللهم صيغة "تجميد العضوية" كحل وسط، والتي تتم في حالات خاصة لا تنطبق على الحالة الحالية، وبالتالي فطلب المغرب نحو العودة للمنظمة ليس هو الإشكال بحد ذاته، وإنما عن الصيغة الملائمة والأنسب لذلك.

إفريقيا في حاجة للمغرب بقدر حاجة الثاني له؛ لذلك فمن منطق براغماتي فالمغرب أفيد وأهم بكثير لإفريقيا من البوليساريو، لكن الجزائر الخصم والمعارض الأكبر لطلب المغرب، على دراية تامة بأن المسألة تخصها أكثر من البوليساريو، على اعتبار أن المسألة بالنسبة لها قضية استقرار نظام برمَّته.

لذلك فالخطاب حمل رسالة مباشرة للأخيرة دون تسميتها بالحديث أن "المغرب، الذي لا يتدخل في السياسة الداخلية للدول، ولا ينهج سياسة التفرقة"، وهو ما يعني كذلك أن فصول مواجهة قوية ستندلع بين البلدين في الأيام القليلة المقبلة، فالمغرب على علم تام بأن العائق الأكبر لطموحه يتمثل بالخصوص في "الفيتو" الجزائري.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل