المحتوى الرئيسى

عمر قاسم يكتب: تعدد الأكوان ولغز الاحتمالات الغامضة | ساسة بوست

11/17 13:05

منذ 1 دقيقة، 17 نوفمبر,2016

الأكوان المتوازية، تعدد العوالم، الأكوان المتعددة. كلُّها مصطلحات بدأت تظهر في عالم الفيزياء بشكل مثير وغامض مع بروز العديد من الظواهر غير القابلة للتفسير والفهم بالطرق التقليدية. على الرغم من أن فكرة تعدد الأكوان بدأت في الظهور منذ حوالي ستين عامًا إلا أنه وحتى يومنا هذا لا تزال هذه الفكرة محل تجاذب وأخذ ورد بين علماء الفيزياء و«الكوزمولوجيا» الذين ما انفكوا يبحثون عن أدلةٍ لتأكيد الفكرة أو نفيها فيما التزم بعضهم الصمت وآثروا الانتظار وكان موقفهم «لا أدريًا» في هذه القضية.

ظهرت فرضية الأكوان المتعددة للمرة الأولى في خمسينيات القرن الماضي على يد فيزيائي شاب يُدعى هيو إيفرت، في محاولة منه لحل معضلة مبدأ عدم التعيين والسلوك الغريب وغير المنضبط الذي تسلكه الجزيئات في ميكانيكا الكم. فلقد ثبت من خلال تجربة الشق المزدوج أن الإلكترون يسلك سلوك الجُسيم والموجة في نفس الوقت، وهذا ما يُعرف بالتراكب الكمي، وعندما نقوم برصد الإلكترون ومراقبته فستنهار دالته الموجية وسيتعين في مكان واحد. إذًا بالنسبة للعالم النمساوي نيلز بور وزملائه عملية القياس تؤثر في سلوك النظام الكمي وتجبر الجسيم على التخلي عن كل الأماكن المحتمل أن يكون فيها، وأن يختار مكانًا محددًا حيث ستجده وهذا ما يُعرف بتفسير كوبنهاغن.

لمقاربة الأمر حاول العالم الشهير «إرفين شرودنجر» شرح هذه الظواهر من خلال تجربة ذهنية تُدعى قطة شرودنجر. تخيل أنه قد تم وضع قطة داخل صندوق، ومعها جهاز يصل بين مادة مشعة وغاز السيانيد السام، عندما تتحلل المادة المشعة فسوف ينطلق الغاز السام ويقتل القطة علمًا أن احتمال تحلل المادة المشعة بعد ساعة هو خمسون بالمئة. الآن سنغلق الصندوق، وننتظر ساعة من الزمن وسنتساءل قبل فتح الصندوق هل القطة حية أم ميتة؟ في مجال الحس المشترك والمنطق السليم، فإن القطة إما أن تكون حية، وإما أن تكون ميتة، ونسبة الاحتمالين متساويةٌ تمامًا خمسون بالمئة لكل احتمال. أما في عالم الكم فإن القطة ستكون في حالة تراكب أي إنها حية وميتة في نفس الوقت من خلال تراكب بين دالتين موجتين: الأولى (الذرة لا تتحلل/ القطة حية)، والدالة الموجية للحالة الأخرى (الذرة تتحلل/ القطة ميتة). وعندما نفتح الصندوق ونشاهد ونرصد داخله، فإن الدالة الموجية ستنهار وستأخذ حالة واحدة إما حية وإما ميتة. هنا جاء الفيزيائي الشاب إيفرت ليتفق مع نظرية التراكب الكمي، لكنه اختلف مع تفسير كوبنهاغن حيث اعتبر أنه عند لحظة فتح الصندوق في تجربة شرودنجر الذهنية فإن الدالة الموجية لا تنهار وتأخذ احتمالًا واحدًا بل إن ما يحدث هو أن الكون سينقسم إلى كونين في لحظة الرصد والقياس، وبالتالي إن وجدنا أن القطة حية فستكون في كون موازٍ آخر ميتة.

تبدو هذه الفكرة مثيرة وتحمل في طياتها تضمينات كثيرة؛ فأي حدث يقع في الكون ينجم عنه نشوء أكوان أخرى متفرعة عددها يساوي عدد احتمالات نتائج الحدث الذي وقع بالفعل، وهذا يعني أن هذه الأكوان المتعددة تتكون في كل لحظة وأن عددها لا نهائي. لنفترض مثلًا أنك دخلت متجرًا لبيع الملابس لتشتري قميصًا جديدًا ثم وجدت ثلاثة قمصان مختلفة ألوانها: قميصًا أسود وآخر أبيض وثالثًا بُنّيًا. ثم بعد تفكير قررت شراء القميص الأبيض فعندها ستكون قد اشتريت القميص الأسود في كون موازٍ آخر والقميص البُني في كون موازٍ ثالث! بناءً عليه يمكن القول إنه مثلًا في كون موازٍ آخر قد تكون الديناصورات لا تزال حية والإنسان هو الذي تعرض للانقراض، أو قد يكون هتلر مثلًا لاعب كرة قدم أو شاعرًا أو طبيب أعصاب. هل هذا فعلًا علم إنه جزء من الميتافيزيقا والماورائيات أم أنه هرطقة أم هذيان أم دين وفلسفة؟

بالنسبة للعلماء في ذلك العصر لم تكن هذه النظرية سوى محض خرافات وخيالات لا تسمن في دنيا العلم ولا تغني من جوع. وانطوت صفحة الأكوان المتعددة وقتًا طويلًا حتى ظهرت نظرية جديدة دفعت العلماء إلى إعادة التفكير بروية في فرضية تعدد العوالم والأكوان ألا وهي نظرية الأوتار الفائقة.

كان الاعتقاد سابقًا أن أصغر جسيم داخل الذرة هو الكوارك الذي يعتبر أصغر حتى من البروتونات والنيوترونات. بعد ذلك اكتُشف أن الكواركات تتألف هي الأخرى من أوتار من الطاقة أحادية البعد ورفيعة جدًا تتذبذب وتهتز فتتحدد وفق هذه الاهتزازات طبيعة وخصائص الجسيمات الأكبر منها، مثل البروتون والنيوترون والإلكترون، وبالتالي تحدد طبيعة المواد وخصائصها. وكأن كل ما نراه في العالم من حولنا عبارة عن سمفونية فلكية كما أطلق عليها «براين غرين»، وكل شيء ناتج عن تذبذب الأوتار كما يَنتُج اللحن الموسيقي عن اهتزاز أوتار الآلات الموسيقية. لكن المشكلة في هذه النظرية برزت في الحسابات الرياضية التي لم تكن تعمل سوى بإضافة ستة أبعاد إلى الأبعاد الثلاثة المعروفة في الفضاء: الطول والعرض والارتفاع. فالاهتزازات تحدث إذًا في تسعة أبعاد لا ثلاثة. أين هي هذه الأبعاد الإضافية ولماذا لا نراها؟

حاولت المعادلات الرياضية التنبؤ بأشكال هذه الأبعاد لأن معرفتها ستساهم في تحديد الخواص الرئيسية في كوننا على اعتبار أن أشكال الأبعاد الإضافية ستؤثر في طريقة اهتزاز الأوتار، وبالتالي ستحدد خصائص العالم من حولنا. وجدت الحسابات أن هناك عددًا متناهيًا في الضخامة من الأشكال المحتملة لهذه الأبعاد (حوالي 10 مرفوعة على الأس 500 شكلٍ محتملٍ أي 10 وبجانبها 500 صفر). هذا العدد الكبير من الأشكال المحتملة للأبعاد الإضافية سيسمح كل شكل منها للأوتار بالاهتزاز بشكل مختلف وبالتالي سنحصل على خصائص مختلفة. بناءً على ذلك لن تتمكن نظرية الأوتار من إكمال طريقها ولن تتمكن من إعطاء نتائج قابلة للاختبار عن خصائص كوننا نظرًا للاحتمالات الكثيرة التي يمكن أن تأخذها أشكال الأبعاد الإضافية. إلا في حالة واحدة إذا سلمنا بوجود أكوان متوازية عندها سيكون لكل كون شكلٌ مختلف للأبعاد الإضافية.

تبقى فرضية تعدد الأكوان مجرد فرضية غير قابلة للتأكيد أو النفي حتى اللحظة. يقول بعض المسلمين إن هذه الفرضية ربما تعطي إشارة لقوله تعالى (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)، والبعض الآخر ربطها بقوله تعالى في سورة الفاتحة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، في حين ترفضها فئة أخرى من المسلمين على اعتبار أننا الخلق الوحيدون في هذا الوجود. كلها تبقى مجرد مقاربات وتكهنات تحتمل الصحة والخطأ. الثابت الوحيد بالنسبة لي أن الله خالق كل شيء وهو العلي القدير.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل