المحتوى الرئيسى

معركة السيسي الوحيدة

11/17 10:07

يقول ميكافيللي: "إن من أهم أدوات الحكم على القائد أن تنظر إلى الرجال الذين يحيط نفسه بهم"، لكني أضيف أن من أهم تلك الأدوات أيضاً أن تنظر إلى المعارك التي يخوضها هذا الحاكم.

لن أتحدث عن الرجال الذين كانوا حول مرسي، فلقد كانوا شرفاء أنقياء خرجوا من الحكم دون قضية فساد واحدة، مبدعين، وأنجزوا في ملفات دقيقة كرغيف الخبز والبوتاجاز والتموين ما شهد به القاصي والداني.. وبعد الانقلاب عليه، حاول الانقلابيون عبثاً إلصاق أي تهمة مالية بالرئيس فوجدوا أنه لم يتقاضَ حتى راتبه!

بينما أحاط السيسي نفسه بكل كذاب أشر، فاشل متربح، ممن يسكنون القصور ويسيرون في أفخم المواكب، ويجددون مكاتبهم بمئات الألوف، يسيرون معه على سجادة حمراء بالآلاف، ويركبون معه طائرة رئاسية جديدة باليورو، ويسافرون معه إلى ألمانيا وأميركا لالتقاط الصور واستقباله حيث لا يستقبله أحد.

أحاط الرئيس مرسي نفسه بأناس يفتشون عن رجال الأعمال المتهربين من الضرائب، وصوَّرت الكاميرات ساويرس وهو يدفع ضرائب بالمليارات لخزينة الدولة، بينما أحاط السيسي نفسه بمنفاقي السلطة، الذين يبررون له قرارات ذبح المواطن، ورفع الدعم وغلاء الأسعار، ويطالبون الشعب بالتقشف وأكل ورق الشجر، بينما هم منعمون، راغدون، يستغلون نفوذهم للحصول على مقدرات الوطن، ولا تمسهم أي من قرارات التقشف ورفع الدعم تقريباً.

ومنذ اليوم الأول أعلن الرئيس مرسي عن أهدافه الاستراتيجية، والمعارك التي يريد أن يخوضها، وهي معارك تولدت مع ثورة يناير/كانون الثاني: "ننتج دواءنا، وننتج غذاءنا، وننتج سلاحنا"، حتى يتحقق الاستقلال الكامل، وتخرج مصر من التبعية الأميركية المفروضة عليها سراً منذ انقلاب 52، وعلناً بعد كامب ديفيد 79، وحين طلب الأميركان من الوزير باسم عودة استيراد القمح الأميركي بأي ثمن مقابل وقف خطط زراعته، رفض، وقال إن زراعة القمح هدف في حد ذاتها.

في المقابل، كانت وعود السيسي قليلة، أهمها شبكة طرق تمسك مصر، وقناة سويس جديدة تدر على مصر 160 مليار دولار سنوياً، وعاصمة إدارية جديدة، ومليون شقة للشباب، وتعهد بعدم رفع الأسعار مهما تأثر الدولار، وكلام عام عن أن "مصر ستصبح أد الدنيا"، وهو ما تحطم على صخور الواقع الأليم، ورغبة في لم الفكّة، والثلاجة الفاضية!

كان الخلاف الأزلي بين مؤيدي الرئيس مرسي ومعارضيه هل التابلت "إينار" صُنع في مصر بنسبة 100% أم تم تجميعه في مصر فقط؟ بينما ثار جدال طويل مضحك لدرجة البكاء، في عهد السيسي، حول جهاز يعالج الإيدز بالكفتة، والوحش المصري الذي يستطيع السير في البر والبحر والجو، وطلاب الثانوية الذين يكتشفون علاجاً لكل شيء!

إن مرسي كان يمتاز بصفتين لم تجتمعا لا في السيسي ولا في حاكم من قبله، وكان يكفي رفض الانقلاب عليه لهذين السببين فقط:

أولاً: أنه أتى بانتخاب، وأراد أن يذهب بانتخاب، لا بانقلاب، لترسيخ مبدأ تداول السلطة سلمياً في مصر، بعد عقود وقرون من اللجوء للقوة.

ثانياً: أنه أن يكسر الطوق المفروض على مصر، بألا تظل تتسول قوتها ودواءها وسلاحها، وكم كانت فرصة عظيمة لمصر وللمصريين أضاعها الانقلاب العسكري المدعوم بشبكة متجذرة من المصالح الداخلية والإقليمية والخارجية تريد من مصر أن تظل راكعة.

لقد أنجبت الثورة الكثير من المطالب، لكن كان يجب حماية هذه المطالب الوليدة، لا الانقلاب عليها!

وبعد كل هذا، ورغم ضآلة المعارك التي خاضها السيسي هل حقق منها أي شيء؟ هل تحسن الاقتصاد على حساب السياسة، مما قد يعطي أي مبرر لأنصار الانقلاب في الوقوف معه؟ أم ساءت الأمور وانهارت العملة ورُفع الدعم واشتعلت الأسعار وشح الدولار ونقصت الأدوية وصارت مصر على حافة الهاوية كما يجمع كل المحللين تقريباً؟ (رغم كل الرشاوى التي حصل عليها من الخليج على شكل مساعدات بالمليارات).

لو أردنا الدقة والصراحة، فإن المعركة الوحيدة التي خاضها السيسي كانت ضد الثورة، وضد الجماعة الأكثر تنظيماً فيها، وهي جماعة الإخوان المسلمين، وضد المؤسسات التي أنتجتها هذه الثورة ممثلة في البرلمان الذي حله العسكر، والدستور الذي شطبه العسكر، والرئيس الذي أطاح به العسكر.

إن مؤيدي السيسي، فضلاً عن أن كثيراً منهم مستفيدون من ذلك، مالياً أو سياسياً، إلا أنهم في الواقع فرحون جداً لانتصاره حتى الآن في هذه المعركة، وسعداء للغاية بعودة مصر للحكم الديكتاتوري، قانعين بأنه يكفي السيسي أن أقصى الإخوان، أصحاب المشروع الإسلامي المقبول من قطاع عريض من الشعب، حتى لو كان الثمن خيرة شباب مصر، ودماراً للاقتصاد، وموتاً للحريات، ودعم أدوات الفتنة، وعملاء الاحتلال الجدد في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وفي الخلفية طبعاً إسرائيل التي تصلي يومياً كي يبقى لها السيسي.

لقد عبَّر السيسي عن ذلك بوضوح حين سُئل عن برنامجه الانتخابي بعد إعلان ترشحه للرئاسة، فأجاب باندهاش: "جايين دلوقتي تسألوني عن برنامج؟"، لقد كان برنامج السيسي الرئيسي ومعركته الوحيدة هي تثبيت الحكم العسكري المستبد، والحفاظ على مكاسبه ومكاسب الطبقة المستفيدة منه، وحمايته من تلك الهبَّة الثورية التي تدعو لمراقبة ميزانية الجيش، وإغلاق الباب أمام الفاسدين والمرتشين، وهو ما تضخم بعد الانقلاب، فرأينا الجيش يتدخل في جميع المشروعات، بما فيها لبن الأطفال، وصار يشكل 60% من اقتصاد مصر، كما تقول الواشنطن بوست (كان هذا في 2014).

لقد كانت معركة الرئيس مرسي هي ترسيخ مبدأ أن يختار الناس مَن يحكمهم، بينما معركة السيسي كانت، كما قال عبد الناصر: المهمة الأولى للقائد أن يظل قائداً.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل