المحتوى الرئيسى

أمهات صغيرات في سوريا .. جريمة في غياب القانون!

11/14 13:52

تستلقي فاطمة على السرير تصرخ بأعلى صوتها عسى أن تخفف هذه الصرخات من حدة الآلام التي لا تبارحها منذ ساعات. آلام لا تتناسب مع جسمها النحيل والصغير. آلام كتبت على من يماثلنها في الجنس وليس بالعمر، فبينما تفرح مثيلاتها بالعمر عندما يحصلن على لعبة بهيئة طفل، ستحصل فاطمة بعد هذا الألم على طفل حقيقي يصغرها باثني عشر عاما فقط.

"ولديني الله يخليكي .. أنا صغيرة". عبارة ظلت ترددها فاطمة في وجه القابلة القانونية التي تشرف على توليدها. فعلى الرغم من سذاجة هذه العبارة وعفويتها إلا أنها تنم عن براءة فاطمة وطفولتها، علّ صغر سنها يشفع لها كما تظن ويخلصها من العذاب وآلام المخاض.

 فاطمة ليست غريبة عن قريناتها من الفتيات. فالكثيرات منهن يشاركنها الحال نفسه في المخيم الذي يقمن فيه في شمال اللاذقية -على الحدود التركية السورية - حسب قول القابلة فتون. وتضيف القابلة "تتجاوز نسبة الحوامل الصغيرات اللاتي يأتين إلى المركز الطبي بقصد المراجعة أو الولادة الخمسين في المائة بالنسبة لبقية الحوامل. وترتفع هذه النسبة في مخيمات أخرى؛ وفي بعض الحالات تأتي الأم في حالة مخاض بمولودها الثاني أو الثالث وهي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها بعد".

تتعدد الأسباب التي تدفع كلا من الأهل وحتى الفتيات ـ وإن كانت موافقتهن ليست بالأمر الضروري ـ للزواج المبكر. أم فاطمة (42 عاما) تبرر لـDW عربية لماذا زوجت ابنتها في سن مبكرة بالقول: "ما في فرصة تعليم لفاطمة .. تقدم لها عريس أوضاعه جيدة .. فقلنا نزوجها أفضل لنستر عليها". ليست أم فاطمة وحدها من تفكر بعقلية "نستر عليها"، بل بات هذا الأمر يؤرق أغلب الأهالي في ظل الأوضاع الحالية في سوريا، سواء في مناطق النزاع أو في مخيمات اللجوء.

حملة توعية بين الأطفال السوريين في أحد مخيمات اللجوء قرب الحدود التركية.

فـ "الاحتياط واجب" و"الزواج أفضل من العار" في ظل كثرة حوادث الاغتصاب في زمن لا يضمن حماية الفتاة حتى في حضن والديها، يقول بعض الأهالي. هذا بالإضافة إلى الفقر المدقع الذي يعاني منه هؤلاء نتيجة الحرب والنزوح والرغبة في تخفيف العبء المالي عن كاهل الأب أو المعيل علاوة على تدني مستوى التعليم.

تداعيات سلبية لا حصر لها

تشرح بنان الحلاق (44 عاما) الباحثة في علم الاجتماع لـDW  عربية النتائج والتداعيات السلبية من النواحي الاجتماعية والنفسية للزواج المبكر بالقول: "الزواج المبكر يساهم بولادة فئة كبيرة من المجتمع تعاني من أمراض تربوية واجتماعية جمة. فالأمهات غير قادرات على تربية أبنائهن بشكل سليم كون الأم أصلا بحاجة إلى رعاية وتربية. وسيزيد من ظواهر تعدد الزوجات والأمهات المطلقات بسبب عدم نجاح مثل هذه الزيجات في أحيان كثيرة".

ولا تقتصر النتائج السلبية على هذه الأمور فحسب بل تتعداها ليصبح الأمر أكثر تعقيدا كما في حالة الطفلة أماني (14 عاما) التي لم تمض تسعة أشهر على زواجها حتى أتاها نبأ مقتل زوجها في إحدى الاشتباكات على أطراف مدينة حلب لتصبح أرملة قبل أن يرى طفلها الذي في أحشائها النور.

تتحدث أماني لـDW  عربية وهي تكفكف دموعها "انضم زوجي إلى إحدى فصائل المعارضة التي تقاتل ضد النظام السوري بعد أن ضاقت به الحال من مسؤوليات الزواج، خاصة أن المقاتل له معاش شهري يمكن أن يسد رمقنا من الجوع، إلا أن الأمور ازدادت سوءا بوفاته".

إحدى حملات التوعية للرابطة الطبية للمغتربين السوريين (سيما).

أماني وأهلها الآن ينتظرون موافقة أخ زوجها ليتزوجها "فعم الطفل سيكون أحن من الغريب"، حسب رأي والد أماني. حيث يتجه الكثير من الأهالي إلى تزويج الأرملة بأحد أخوة المتوفي ظنا منهم أنه سيضمن حماية الأطفال، ولكن الأمور تتعقد أكثر فغالبا ما تتحول هذه الأرملة لاحقا إلى مطلقة مع أطفال من أخوين.

على صعيد آخر تشير الطبيبة هيام فرج، التي تعمل في أحد المراكز الطبية في ريف إدلب إلى الأخطار الصحية التي قد تصاب بها الأم الصغيرة بسبب الحمل والإنجاب في سن مبكرة. وتقول: "أثناء الحمل تزداد نسبة الخطورة على الأم الصغيرة والطفل مقارنة مع بقية الحوامل ونضطر إلى توليد الكثيرات منهن في وقت مبكر. ناهيك عن الولادات المتعسرة التي قد تؤدي إلى تمزقات واستئصال الرحم نتيجة عدم جهوزية الرحم بشكل كامل للحمل". 

حملات توعية بديلة عن القانون

مع وصول مئات الآلاف من اللاجئين إلى ألمانيا، تم تسجيل عدد كبير من حالات زواج القاصرين، ما وضع القضاء الألماني أمام مهمة صعبة ودفع وزير العدل الألماني إلى تشكيل فريق عمل للبحث عن حل شامل لكل الولايات الألمانية. (13.09.2016)

ظاهرة الزواج المبكر مشكلة تكرسها المعتقدات الخاطئة الموجودة تجاه المرأة داخل المجتمع، حيث ينظر إليها كعبء على الأسرة يحسن التخلص منه. مخاطر هذه الظاهرة ليست اجتماعية ونفسية فقط بل قد تؤدي إلى أضرار صحية تصل إلى حد الوفاة (26.04.2006)

في ظل عدم وجود قانون يحكم تصرفات الأفراد ويمنع من تزويج القاصرات يبرز هنا دور منظمات المجتمع المدني ومؤسساته التطوعية في التوعية من مخاطر الزواج المبكر والحد من انتشاره. الرابطة الطبية للمغتربين السوريين (سيما) هي إحدى هذه الهيئات.

وتقوم المؤسسة بحملات توعية في مخيمات اللجوء والمناطق التي تحت سيطرة المعارضة هدفها رفع الوعي العام ومعالجة المشكلات المجتمعية بالأخص تلك التي أفرزها النزاع المسلح في سوريا وساهم في انتشارها. وكانت آخرها حملة تضمنت عدة برامج توعوية للمرأة وأهمها الزواج والإنجاب المبكر.

الدكتور حسان مغربية يتحدث عن هذه الحملة لـ DW عربية "نقوم بعدة حملات ضمن برنامج كبير أطلقنا عليه اسم برنامج حماية، حيث نهدف هنا إلى توعية الأهل والفتيات بخطورة الزواج المبكر وقد لاقت صدى واستجابة كبيرة بين الأهالي".  ويردف قائلا" على الرغم من هزالة مثل هذه الحملات مقارنة مع الحجم الكبير لهذه المشكلة إلا أنها قد تساهم بالحد من هذه الجريمة الإنسانية التي يرتكبها الأهل بحق أطفالهم".

مروى الغفري ـ الحدود السورية التركية

رغم ظروف الحياة القاسية استقر الحال بحوالي 2000 من اللاجئين السوريين على حواف الحقول والمزارع في منطقة توربيل بإزمير، شرقي تركيا، حيث يكسبون قوتهم من العمل في الحصاد.

بعد أن فقد هؤلاء سبل العيش في بلادهم، سيما أولئك الذين أتوا من الأرياف حيث كانوا يعملون بالأجر اليومي، أصبحوا يعملون مقابل نصف الحد الأدنى من معدل الأجر اليومي المتبع في تركيا، كما أنهم عرضة للاستغلال بسبب حاجتهم وظروفهم.

الهمّ الأول لهؤلاء اللاجئين هو توفير إيجار مسكن يأوي عائلاتهم، والذي عادة ما يكون خرابة قديمة أو خيمة مهترئة، ويكون ذلك بطبيعة الحال على حساب توفير متطلبات المأكل والمشرب، حيث لا تتوفر للكثير منهم إمكانية الحصول على وجبات منتظمة.

"في ظل الحرب في بلادنا، ليس لدينا خيار آخر"، يقول ديهال النازح من الحسكة السورية، لذلك هو سيبقى هنا مع عائلته، مع أن إزمير الخيار الأفضل بالنسبة إليه. ورغم أن الأجور في هذا الميناء جيدة إلا أنه لا يعرف المدينة ولا يجد سوى العمل في الزراعة، ومع ذلك يقول "لا بأس".

يوجد في تركيا أكثر من مليونين ونصف المليون سوري، وفيما يجد البعض منهم موسم الحصاد فرصة للعمل وكسب الرزق، تتجه الغالبية العظمى منهم نحو المدن الكبيرة، على أمل الحصول على فرصة عمل أفضل هناك، أو مواصلة الرحلة نحو غرب أوروبا.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل