المحتوى الرئيسى

درس نتنياهو من ترامب

11/14 01:21

طوال عشر سنوات ونصف حكمه المتمدد على ثلاثة عقود من 1996 إلى ايامنا هذه، بالتتابع، كان لنتياهو حلم: العمل مع رئيس الحزب الجمهوري. وقد حلم بجمهوري في البيت الأبيض كما يحلم يهود الشتات بالقدس على مدى الأجيال، وكما يتخيل فقير في الهند الفوز بجائزة من يربح المليون في التلفزيون.

وقد كان ينظر بحسد إلى اسحق رابين، وشمعون بيريز وإيهود باراك، وهم يحظون بالمودة الشاملة، والدعم غير المستتر وأحيانا تجند بيل كلينتون في الانتخابات. وشاهد بغيظ وبأسنان تصر الصداقة والحميمية التي نشأت بين أرييل شارون وإيهود أولمرت مع جورج بوش الابن. فقط هو، لم ينل أبدا مثل هذه المودة. وساء حظ «السيناتور الجمهوري من القدس» عندما تلقى في ولايته الأولى (96-99) كلينتون في ولايته الثانية، وكوجبة أساسية باردة ومريرة كلعنة باراك أوباما، كرئيس لولايتين، سبع سنوات ونصف.

وها هو، عندما سلم، بمرارة مصيره، واستعد لأربع سنوات مثيرة للخيبة مع رئيسة ديموقراطية، زوجة ذلك السابق، وهي امرأة حادة، خبيرة وحكيمة وهي لا توده وتعرف عن قرب كل ألاعيبه ـ تحقق حلمه وربما أكثر مما كان يحلم.

فمن أتى لنتنياهو ليس مجرد جمهوري تقليدي. وهو ليس من التيار المركزي، مثل بوش الأب والابن، الذين يمكن أحيانا أن يخيبوا زبونا مثله (بوش الأب جر اسحق شامير إلى المؤتمر الدولي ومنع عن إسرائيل ضمانات قروض بقيمة 10 مليار دولار قدمت فورا لها مع تولي اسحق رابين الحكم عام 1992). لقد تلقى جمهوريا اجتاز حادثا كيماويا، وهو غودزيلا (وحش) جمهوري، على الأقل حسب تصريحاته في حملته يبدو كالرئيس الأكثر راحة الذي يمكن لصناديق الاقتراع أن تجلبه.

والسنوات العجاف، سنوات المناورات والخصومات والطعنات المتبادلة الكمائن من الجانبين، ستصل إلى نهايتها بعد 70 يوما. وهذا لا يعني أن لم تمر لحظات متعة قصيرة: بحكمته السياسية أفلح في تحويل أوباما إلى عدو لإسرائيل، وجعل الكثير من الجمهور يكرهه وفاز على ظهره بانتصارات انتخابية. أوباما كان عبئا سياسيا، لكنه ليس أقل من ذلك، ذخرا حزبيا. فعندما أراد صد ضغوط المستوطنين وأعضاء الجناح اليميني في حزبه استخدم «أوباما» كذريعة أو كمخرج لكل فعل أو إخفاق. وهو لم يتردد في دس يده في جراب السياسة لأميركية وعمل في المنطقة الفاصلة بين الحزبين على هواه. الآن، حيث كل شيء يهدد بأن يكون أسهل وأبسط، كما السكين في الزبدة، سيشعر بالضجر. سوف ينقصه العدو.

وابتداء من 20 كانون ثاني 2017، فإن هامش تنفس نتنياهو وعمله السياسي يفترض أن يتوسعا أن يغدو أكثر راحة. فعدوه، خصمه، الشخص الذي من أجل اسقاطه عمل من دون كلل في انتخابات العام 2012، سيترك البيت الأبيض وبدلا منه سيأتي في الغرفة البيضاوية شخص وفق كل المعطيات يفترض أن يكون الصديق الجديد الأفضل له.

وبدرجة معينة فإن دونالد ترامب يشكل لغزا. وهو غير متوقع، متقلب، وغير ملزم بأي شيء ولا تجاه أحد. وذاتيته كبيرة ولا تقل عن ذاتية نتنياهو، وهو لن يقبل «لا» كإجابة. والغرام الذي أداره مع بوتين في العام الأخير والثناء المتبادل بين الرجلين أقلق نتنياهو. فالتحالف بين الرئيسين قد ينزلق إلى ربوع غير مريحة له في الشرق الأوسط. وبعد لقائه مع ترامب قبل بضعة اسابيع في نيويورك، هدأ بعض الشيء، قدر الإمكان.

وليس مفاجئا أن الزعماء الذين يرتاح نتنياهو بينهم مجبولون بالضبط من الطينة نفسها: رجال، يمثلون الجيل القديم، دوغمائيون، محافظون، يكرهون الأجانب، أجلاف، متوحشون وفظّون في طريقة تصرفهم السياسي والشخصي. أي كل ما لم يكن أوباما وما لا تكون كلينتون.

وموقفهم من وسائل الإعلام ليس سوى أنموذج واحد، راهن: بوتين يخفي صحافيين ويعتقلهم وأحيانا أسوأ من ذلك. ترامب حرض في العام الفائت بوحشية ضد معظم وسائل الإعلام في بلاده وأهان من دون توقف ممثليها، فيما كان يستخدمهم على أفضل وجه لاحتياجاته. هل هذا يذكركم بأحد؟

ومنطقي الافتراض أن دونالد ترامب سيكون أكثر «موالاة لإسرائيل» من أوباما. أي، أكثر موالاة لنتنياهو وجبا لحكومته اليمينية. وليس متوقعا ـ إلا إذا غيّر جلده بسرعة ـ أن يتشاجر على أساس دائم مع رئيس الحكومة وأن يبعث الناطق باسمه كي يدين بشدة كل إعلان عن عشرات الوحدات الاستيطانية في المناطق. وتحت قيادة ترامب في هذه المعركة لانتخابية، تنصل حزبه من حل الدولتين الذي تبناه بوش الابن. وهو ليس مذكورا في البرنامج السياسي.

وبالنسبة لنتنياهو ليست هناك بشارة أفضل. إنها هدية كاملة حتى لو جاءت متأخرة، ليوم ميلاده وزوجته بعد الاحتفال به في الأسابيع الأخيرة، في ديوان رئاسة الحكومة وعلى مقعد خشبي في زقاق مجهول.

عندما يكفّ نتنياهو عن الفرح، ويأخذ لنفسه بضع دقائق ويفكر بما ينطوي عليه بالنسبة له بالضرورة انتخاب ترامب رئيسا لأميركا. الأميركيون انتخبوا زعيما لهم شخص عديم الخبرة في السياسة المحلية والدولية، مع أقل من صفر من الخبرة بالعلاقات الخارجية، مع شحنة هائلة من الجهل والضحالة والسطحية في كل شأن يستلزم العمق والفهم.

وقد توجوا على أنفسهم شخصا كذب بلا خجل طوال مسيرته إلى البيت الأبيض، وشوّه الوقائع وأطلق شعارات فارغة إلى الفضاء في مواضيع وجودية ومصيرية. وهم فضّلوه على المرشحة الأكثر نضجا، وصلابة وجدارة والتي هي النقيض التام له، فقط لأنها كانت خبرا قديما.

والحملة العدوانية، الحماسية، الانتحارية، لباراك أوباما لصالحها لم تفدها بشيء، رغم الشعبية الكبيرة التي يحظى بها في نهاية ولايته، لأن الناخبين ضجروا منه بعد ثمانية أعوام. ففي استطلاعت الرأي يعربون عن تقدير لأدائه وإنجازاته، لكن من المشكوك فيه أنهم كانوا سينتخبونه لولاية ثالثة، لو أن الدستور الأميركي يسمح بذلك.

لقد تدفق الناخبون الأميركيون على دونالد ترامب لأنهم تاقوا للتغيير. فهم لا يريدون أبدا حقنة أخرى من الشيء نفسه. وكلينتون رمزت لديهم بالركود، الاستمراران التعب والفقاعة «الواشنطنية» المعروفة والمتعفنة التي ملها كثيرون. أما ترامب بإحساس من واحد إلى مليار، استوعب ذلك. وبرأي واضح قرر أن يحرق النادي، وأن يغدو متوحشا، وشريرا، يطلق إلى الخارج كل الإهانات والشتائم التي تخطر بباله. وفي كل مرة حاول فيها المعلقون، هنا وهناك، القول أن الكيل طفح هذه المرة وأن مصيره تقرر ـ وهذا حدث عشرات المرات ـ كانت قوته تزداد. فهل أن نتنياهو يلحظ هنا شيئا ما؟ إن سلوكه تجاه لإعلام الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، هو يشبه تماماً النظرية الترامبية، فهو يحرض، يهاجم ويشوه ويكذب. وربما أنه يحاول ن يبلور صيغة فريدة، لم يسبق لها مثيل في السياسة: أن يكون ترامب نفسه. دكتور بيبي ومستر دونالد.

إن السيرورة التي مرت بها الولايات المتحدة ينبغي أن تشكل إشارة تحذير لنتنياهو. بعد عامين، في الموعد التقديري للانتخابات، سيكون مر عليه في منصبه عشر سنوات. وهي 13 عاما بالتراكم. وسيكون القديم. النخبة. المؤسسة القديمة. والطموح لشيء آخر جديد يبدآن للتغيير وللنقاهة، يمكن أن ينضج ليصل إلى حد تصويت احتجاجي مشابه لما رأينا هذا الأسبوع ويقود إلى استبداله.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل