المحتوى الرئيسى

ليالى الأنس في الأزبكية (2) | المصري اليوم

11/13 05:38

اكتملت عمارة الأزبكية على أجمل وجه فى سنة 889هـ، ومن سنتها أصبح يقام فيها احتفال رسمى وشعبى كبير فى وقت فيضان النيل، بمناسبة كسر السد «فتحه» على الخليج الذى يمد البركة بالماء، وسمى هذا الخليج بخليج بركة الأزبكية، وكان الأمراء والقادة يجتمعون بقصر الأمير «أزبك» ويشرفون معه على الاحتفال الذى يأتى إليه الناس أفواجاً، وأصبح هذا اليوم المشهود عادة سنوية، وها هى نماذج مما كان يحدث به من الأشكال الاحتفالية: كانوا يضرمون نيراناً عظيمة بداخل البركة باستخدام النفط على شكل أهِلّة مفتوحة تسمى «الوقدة» فتدخل إليها المراكب والقوارب وعليها المحتفلون حاملين المشاعل والبيارق وقاذفات اللهب الملون ويغنون أهازيجهم الجميلة وهم يرقصون أسفل الأضواء المختلفة (اللون الأسود المتصاعد من النفط، والدخان الأبيض المتخلف من المشاعل، والأزرق والأحمر والأصفر نتاج الصواريخ النارية الصغيرة)، وكانت تُضرب حول البركة عدة خيام، من خلالها يتابع الأغنياء والأشراف الاحتفالات، بينما الدهماء والسوقة والعامة يقفون على تخوم البركة يشاركون بما تيسر من وسائل البهجة فى الاحتفال، وكانت تنفق فى تلك الليالى أموالٌ كثيرة، ويتذكرها الناس كثيراً حتى حلول موسم كسر السد التالى. وللعلم كان «كسر سد البركة» يحل كل عام بعد أيام قليلة من «كسر سد الخليج» فيما يعرف بمنطقة «فم الخليج» الحالية.

وكان بجانب هذا الاحتفال الرئيسى الكبير ببركة الأزبكية تقام حفلات وولائم عظيمة فى أيام أُخر، تُعقد فيها أيضاً «وقدات حافلة» وإحراقات نفط هائلة، لأن الأزبكية حينها صارت مقراً للأتابكية، الذين كانت لهم أيام مشهودة بها، ومن ثم شهدت لهم هذه المنطقة حفلات زواج مهمة وكبيرة، منها: زواج الأمير «قانصوه» على ابنة «أزبك الأتابكى» فى شهر رجب عام 829هـ الموافق 1487م، وزواج السيدة «أصلباى» أرملة السلطان «قايتباى» من السيد «جانبلاط» الذى تولى السلطنة، وتَسمى باسم السلطان العادل فى 19 شعبان عام 905هـ، الموافق 1500م، وشهد هذا الحفل الأسطورى ما يخلب العقول من الأمتعة التى ليس لها مثيل، وكذلك من التحف ما يعجز عنه الواصفون، ولِمَ لا وهى زوجة سلطان سابق وزوجة سلطان حالى.

وها هو وصف لبركة الأزبكية للرحَّالة الملقب بـ«ليو الأفريقى»، أحد أهم هؤلاء الرحَّالة والمؤرخين أجمعين فى ذلك الزمان! فهو رحالة ومؤرخ سار على خطى ابن بطوطة، وابن خلدون، وابن جبير: (هى عبارة عن سهل يقع فى تجويف على شكل صدفة بحرية، تحيط بها من كل مكان المنازل الفاخرة، ومع أن المنازل زادت من جمال الموقع، فإن المكان ذاته يكوِّن منظراً متنوعاً خلاباً، فليس هناك منظر أكثر جمالاً من هذه الأرض التى تكون حوضاً كبيراً يمتلئ بالماء مدة ثمانية أشهر، ويصبح حديقة مشرقة طوال الأشهر الأربعة الأخرى، ففى شهر سبتمبر يستطيع المرء أن يركب قارباً فيها، وفى شهر إبريل تتحول إلى أرض خضراء تغطيها الأزهار.

وعندما تغطيها مياه الفيضان تسير فيها قوارب شراعية مذهبة، يركبها أفراد من علية القوم فى المساء، وعلى شواطئ البركة يزدحم نظارة كثيرون يلتمسون الهواء العليل والراحة من حرارة الشمس. وعندما ينحسر الماء تتزين الأرض بجمالها الطبيعى، فنرى بها أشجار النخيل والتمر حنة وأنواعاً شتى من الخضر والفواكه التى تكوِّن جميعاً أجمل منظر متصور.

هذه حدائق مسحورة حقاً، فهى تنبت فى المكان ذاته الذى كانت تسير فيه القوارب قبل ذلك بأشهر قليلة.

وكان من عادة سكان القاهرة أن يحتشدوا فى ساحة الأزبكية كل يوم جمعة بعد الخطبة والصلاة، لأنه كانت فى هذه الضاحية بعض مظاهر اللهو غير البريئة!!!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل