المحتوى الرئيسى

ترامب العربي

11/13 00:11

"أنتَ مطرود" هذه جُملة دونالد ترامب الشهيرة في مسلسله التلفزيوني "The Apprentice"، وهو الآن يتجرَّعُ طعمها ربما لأول مرة بعد 70 خريفاً عاشها فوق الأرض، قبل أن تكون له نجمة ذهبية على ممر الشُّهرة في هوليوود يتحاشاها المارة تقديراً واحتراماً للنجوم المنقوشة أسماؤهم هناك.

ما أَثار فُضولي في المشهد الانتخابي الأميركي هو الصراع المحتَدِم بين هيلاري وترامب في نهائي لا يمكن أن يُقارَن إلا بنهائي ريال مدريد وبرشلونة للظَّفَر بالكأس الإسبانية في موقعة 16 أبريل/نيسان؛ إذ إن لكل واحد من المرشحين ثِقلهُ، مادياً ترامب هو الملياردير صاحب المنتجعات والفنادق والشركات التي لا يُحصى مستخدَموها، ولا مجال لهيلاري أن تكون أدنى بثقلها السياسي، فهي وزيرة الخارجية الأميركية، والمحامية، الكاتبة والأستاذة الجامعية، ناهيك عن تخصصها في العلوم السياسية.

صراع بين المال والسلطة ضد الحنكة والسلطة أيضاً، وهنا يَغوصُ بي دماغي في المقارنة السرمدية التي ألِفها العقل العربي في محاولة لتبرير سُباتنا العتيق للتاريخ، بين واقعنا وواقع جيراننا الغربيين (لولا تدخل الطبيعة في إبعادهم عنا بمئات الكيلومترات)، وقلت في نفسي: ماذا لو كان ترامب عربياً وفي صراع مع سياسي مخضرم من المُعمرين في بلدٍ من بلداننا العربية؟

أخذني السؤال إلى أزِقَّةٍ ضَيّقة يمرُّ منها المنتخِبون في الوطن العربي، زُقاق يأخذك إلى صندوق يُقال إنه زجاجي شفَّاف -حتى يصير الغش شفافاً هو أيضاً-، وفي طريق المواطن لذلك الصندوق سيكون عليه أن يختار بين السياسي المخضرم وبين ترامب العربي، وهنا ستظهر علامات السكيزوفرينيا على ذلك المواطن البئيس، عكس نظيره الأميركي، الذي أبكتني مكاتب تصويتهم في أميركا ورَحابة الزُقاق الذي يمشي فيه المنتخِبون إلى الصندوق الشفاف...

المواطن العربي يعلم جيداً -وعن قناعة ورثها من أسلافنا المَيامين من المرشحين والمنتخبين ومن تبعهم من المعاصرين- أن كل الاختيارات ليست في صالحه، عكس الأميركي، فترامب الأميركي سيخدم بلاده وترامب العربي سيخدم مصالحه، هيلاري الأميركية أيضاً ستتفنن في خدمة وطنها (بِغَض النظر عن الوسيلة) والسياسي العربي سيحاول في الأول، لكن سيخدم مصالحه في الأخير... في ظَل سُلالة من خُدّام الدولة الذين حاولوا وإما ماتوا وهم يحاولون أو اكتفوا بخدمة أرصدتهم البنكية. المال الذي يملكه دونالد ترامب الأميركي خَلَقَ منه جنة فوق الأرض يعيشها كل من دخلها مستخدَماً أو مستفيداً، وهو بذلك يبني بلداً، وترامب العربي بنفس المال يبني كرسياً سياسياً (لا أدري السبب)، والكرسي فوق وطن يعيش جهنم أرضية في تعليمه وصحته وحياته اليومية! هنيئاً لأميركا بهيلاريها ودونالدها، في انتظار أن يصل المواطن العربي إلى صندوق الاقتراع دون سكيزوفرينيا في زقاق من الأزقة النيويوركية، وكل عام والوطن العربي يُصَفق للغرب.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل