المحتوى الرئيسى

صور| «النازحون».. جُرح شمال سيناء الذى لا يندمل

11/12 10:29

"راجع يا رفح" عبارة كُتبت بمزيج من الرغبة في البقاء والآم الفراق وآمال العودة، كتبها أحد النازحين على أحد الجدران داخل مدينة تحولت إلى أطلال، آملًا أن يعود إلى مسقط رأسه فى يوم من الأيام، بعد أن اضطرته آلة الحرب إلى الاتجاه غربًا حيث المستقبل المجهول.

"النازحون" فصل فى قصة شمال سيناء التى أنهكتها الحرب، ولكنهم الفصل المؤلم والأشد تضررًا، بعد أن تركوا قراهم وديارهم وملاعب صباهم، وقتلت أغنامهم وهجت عنهم طيرورهم، لتدفعهم ضراوة الحرب ووطأتها الى النزوح والهجرة، ليفترش البعض منهم الصحاري ويلتحف بالسماء ويقرر البعض الآخر الرحيل إلى أقصى الغرب إلى ما بعد قناة السويس.

بدأت موجات النزوح الأولى تخرج من مدينة رفح المصرية على الحدود الشرقية أواخر عام 2014، وعقب تنفيذ تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى آنذاك هجومًا على حاجز كرم القواديس العسكرى ما أسفر عن استشهاد 30 جنديًّا مصريًّا، بعد الحادث تدهورت الأوضاع الأمنية فى المناطق الحدودية خاصة الشيخ زويد ورفح إثر تصاعد وتيرة المواجهات بين القوات المسلحة والتنظيم المسلح الذى بايع تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف "بداعش"، وإعلان الحكومة المصرية عن إنشاء منطقة "آمنة" على الحدود بعمق 500 مترًا تم توسيعها بعد ذلك بـ1000 متر إضافى فى عمق الأراضى المصرية، ومن حينها بدأت موجات النزوح تنهال فى الاتجاه غربًا.

ليس كل النازحين من أهالى المنطقة العازلة الذين أخلوا منازلهم بعمق 1500 كيلو متر فى عمق الأراضى المصرية، ولكن هناك أسرًا بالكامل جنوب مدينة رفح وفى مدينة الشيخ زويد وجنوبها وغربها هجروا منازلهم ومزارعهم، بعد أن أصبح العيش فى تلك المناطق مستحيلًا بعد أن تحولت إلى مسرح عمليات حربى يومى بين القوات المسلحة وتنظيم ولاية سيناء الإرهابى، ما دفعهم إلى الفرار من قراهم وتوجههم إلى صحاري العريش وبئرالعبد وترك كل ما يمكلون خلفهم.

 وتجدر الإشارة إلى أن نازحى المنطقة العازلة تم تعويضعهم عن إخلاء منازلهم، ولكن نازحى القرى خارج نطاق المنطقة العازلة تركوا بدون تعويضات.

وأسفل شجرة داخل نُزل شباب العريش جلست "أم محمد" ومن حولها أطفالها تتذكر قريتها وتبكى على ما آل إليه الحال، قائلة "سيبنا دارنا وبلادنا كلها ورانا" جملة لخصت بها "أم محمد" قصتها بعد أن تركت قريتها فى الشيخ زويد ورحلت عنها.

وأضافت السيدة التى تظهر على وجهها التجاعيد الشاهدة على مرور السنين ومرارتها، "أن الحرب دفعتهم لترك منزلهم المكون من طابقين تاركين فيه أمتعتهم وملابسهم التى لم يتمكنوا من حملها معهم إلى مدينة العريش، والتى قضت فيها ثلاثة أشهر "تشحت" - على حد تعبيرها - لكى تتمكن من إطعام أبنائها، قائلة "أنا معايا ولايا وين بدى أسيبهم".

وأكدت أنها حاولت مرارًا مقابلة محافظ شمال سيناء ولكنها فشلت، وعلى حسب روايتها فإنه تم طردها من ديوان المحافظة أكثر من مرة، ولكنها نجحت فى النهاية فى مقابلة اللواء المحافظ الذى وعدها بتوفير شقة سكنية لها ولأسرتها وصرف معاش شهرى لها، ولكنها تؤكد أنها منذ أكثر من عام مازالت تعيش فى غرفة صغيرة داخل نزل شباب العريش بدون أى مقومات وحتى المعاش الشهرى لم يصرف لها حتى اللحظة.

وعن حياتها داخل الغرفة تقول إن فى الشتاء مياه الأمطار تتسلل إلى الغرفة من السقف، وأن بعض المفروشات التى كانت فى الغرفة أصبحت متهالكة تمامًا.

"بيضحكوا علينا بزجاجة زيت وكيس سكر"، هكذا تصف الإعانات التى تقوم مديرية التضامن الاجتماعى بصرفها للأسر المحتاجة، لافتة إلى أنها تركت خلفها منزلًا مكونًا من طابقين ومزرعة، ولكن بعد أن فقدتهم أصبحت تلك الإعانات لها ولأسرتها هى كل شىء بعد انقطاع مصادر الرزق.

داخل "عشة" صغيرة على أطراف مدينة العريش فى الاتجاه الغربي، تجلس "أم أحمد" داخلها تحاول أن تستعيد بعضًا من لحظات الحياة داخل قريتها جنوب الشيخ زويد، حيث تقوم بخبز بعض الخبز والفطائر لأحفادها الصغار ممن بقوا معها فى شمال سيناء بعد أن تشتت الأسرة داخل وخارج المحافظة المكلومة، "كنا بنستخبى ورا شجر الزيتون من شدة الاشتباكات" هكذا بدأت السيدة العجوز حديثها معنا واصفة الأيام الأخيرة لها قبل الرحيل عن قريتها.

 وأضافت أن الرصاص كانت يتطاير من كل ناحية بشكل شبه يومى بمجرد أن تشتبك الحملات الأمنية مع العناصر المسلحة، وتقول "كنا بنطلع من البيت وبنستخبى ورا شجر الزيتون اللى جمبينا" لحظات صمت مرة عليها وكأنها تتذكر لحظات بعينها، وتابعت أن ذلك كان منذ عامين وبعدها هاجر ثلاثة من أبنائى الذكور إلى محافظة الشرقية، وبقى أربعة فى شمال سيناء رحلوا إلى العريش.

 وأردفت: أنها كانت ترفض القدوم إلى العريش ولكن أحد أبنائها دبر حيلة لكى يجىء بها، فتقول إن أحد أحفادها توفى فى العريش، ووعدها أحد أبنائها بأنه سيأخذها لتحضر العزاء فى العريش ومن ثم سوف يرجعها مرة أخرى إلى قريتها ولكنه رفض إرجاعها مرة أخرى لتكمل حياتها فى عشة صغيرة أو كما يسميها أهل سيناء "الخوص"، مؤكدة أن المحافظة وعدتها بصرف 1000 جنيه إعانة لبناء عشة أفضل من التى تسكن بها ولكن حتى الآن لم يتم صرف شىء.

 وحسب بيانات رسمية من ديوان محافظة شمال سيناء، بلغ عدد النازحين من مناطق العمليات الحربية فى الشيخ زويد ورفح 5324 أسرة باجمالى 21 ألفًا و861 فردًا يقيمون في 68 تجمعًا، موزعين كالآتى 3994 أسرة في 29 تجمعًا في العريش، 1268 أسرة في 36 تجمعًا في بئر العبد، 62 أسرة في 3 تجمعات في الحسنة بوسط سيناء.

وتتولى مديرية التضامن الاجتماعى رعاية تلك الأسر وتوزيع إعانات مالية وغذائية عليها بشكل دورى، بالإضافة إلى مساهمات أهل الخير.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك عددًا كبيرًا من الأسر لم يتم إدراجهم فى تلك الحصر للنازحين، وذلك بسبب هجرتهم خارج المحافظة إلى محافظات ما بعد قناة السويس.

يجلس "خالد.ج" فى منطقة سوق الخميس بمدينة العريش وبجانبه ثلاثة أغنام يحاول أن يبتاعها لتدبير قوت يومه له ولأطفاله الصغار، يؤكد خالد الرجل الأربعينى أنه فقد كل شىء المال وحتى كرامته بعد أن ترك بيته ومزرعته فى قرية الجورة ورحل منها ليعيش هو وزوجته وأطفاله داخل عشة صغيرة فى الكيلو 17 غرب مدينة العريش، مشددًا على أن حياته تبدلت كليًّا فأصبح همه توفير المال من بيع الأغنام لكى يتمكن من تدبير مصاريف أسرته، مشيرًا إلى أن ابناءه خرجوا من مدارسهم وأصبحوا بدون تعليم.

داخل ملعب كرة القدم الخماسى على ساحل بحر العريش، يبدأ "سليمان.س" يومه بعد أذان المغرب بعد أن يفترش جزءًا من الحرم الخارجى خلف الواح الحديد والأسلاك التى تحد الملعب وبجانبه كرتونة زجاجات المياه المبردة وترمس الشاي الساخن، يجلس سليمان حتى الساعة 12 مساء وقت إغلاق الملعب وإطفاء أنواره، يحاول خلال تلك الساعات أن يبيع بعضًا من زجاجات المياه المثلجة وأكواب الشاى للشباب مرتادى المعلب، ليرحل بعدها إلى غرفته المتواضعه داخل نزل شباب العريش.

يقول سليمان إنه رحل عن قريته بعد أن تهدم منزله جزئيًّا بسبب الاشتباكات بين الجيش وعناصر إرهابية، مؤكدًا أن العيش هناك اصبح مستحيلًا خاصة فى وجود أطفال لأنهم معرضون للخطر على مدار اليوم بسبب الرصاص المتطاير، مشيرًا إلى أن مصادر الرزق انقطعت تمامًا وأصبح يعيش هو وأسرته على إعانات التضامن الاجتماعى ومساهمات أهل الخير.

اشتدت حدة المواجهات المسلحة بين القوات المسلحة وأفراد تنظيم ولاية سيناء الإرهابى بعد هجوم الأخير على ارتكاز زقدان العسكرى، واستشهاد 14 مجندًا فى الرابع عشر من شهر أكتوبر المنصرم.

وشهدت مدنتى رفح والشيخ زويد جُل تلك الاشتباكات ما اسفر عن نزوح عدد كبير من الاسر خارج قراها الى قرى اخرى والى مدينة العريش.

وحسب مصادر محلية، فإن أهالى مناطق الحسينات والمطلة وبلعا وقوزغانم والرسم والخرافين فى مدينة رفح تركوا ديارهم ونزحوا إلى مناطق أخرى، ومنهم من رحل إلى مناطق ساحل بحر رفح مثل أبو شنار وياميت وحى الصفا، وآخرون رحلوا إلى العريش.

يقول "محمد.ع" من قرية المطلة إن الحياة فى القرية الفترة الأخيرة أصبحت صعبة للغاية، فلم تعد تأمن على روحك من شدة الاشتباكات اليومية، ويضيف أن الأهالى استمروا فترة منتصف الشهر الماضى يوميًّا فى الصباح فى ترك ديارهم والرحيل إلى مناطق أخرى بعيدة عن القرية، والعودة مع آخر النهار عند توقف حدة الاشتباكات، مؤكدًا أن مناطق مثل بلعا والرسم وقوزغانم رحل جميع أهلها، أما المطلة والحسينات فلم يتبق فيها إلا القليل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل