المحتوى الرئيسى

غموض الاستثمارات الخارجية لترامب يستنفر أوروبا عسكرياً

11/12 03:06

مرحلةٌ غير مسبوقة في العلاقات الدولية، فمَروحة قلق المسؤولين الاوروبيين تشملُ جميع عناوين السياسة الخارجية. لا أحد يعرف وجهةَ بوصلة الغرب. في عالم صار فيه دونالد ترامب رئيساً لأميركا، لا تكون تلك التقديرات هستيرية. إنها حساباتٌ عملية، خصوصاً أنه توعّد بما يهددُ الأمن الأوروبي إذ شكّك بمظلة الدفاع لـ «حلف الاطلسي»، قبل أن يزرع المجهول تجاه مستقبل الملفات الأخرى، على رأسها الملف الايراني والحرب السورية.

هل سيُنفِّذ ترامب وعيده «الاستثماري» كما داوم على طرحه، ليس خلال سنوات، بل خلال عقود، كما يفعل من لديه قناعة راسخة؟ محفوظات وسائل الإعلام الدولية تُذكِّر الآن برجل لطالما حمل مشاريعه الجامحة للاستثمار في العلاقات الدولية. قبل ثلاثة عقود، كان المُستثمِر الشاب ترامب يفاجئ النخبة الأميركية بإنفاق عشرات آلاف الدولارات في إعلانات ملأت الصحف، مضمونُها ببساطة بيانُه السياسي الشخصي: هذه الدول التي نغمرُها بحماية قوتنا العسكرية، مسميّا السعودية واليابان والكويت، يجب أن تدفع لنا كثيراً لقاء ذلك.

لم يتوقف لاحقاً عن تكرار تلك «الثوابت» الاستثمارية، ناقلاً إياها أخيراً لتطال النطاق الأوروبي. ليس فقط هواجس الحماية الأمنية، بعدما أعلن أن من يريد مظلّة «الأطلسي» عليه أن يدفع فواتيرها. كان الاوروبيون في الفترة السابقة يشكون من استفراد روسيا وأميركا بقرارات الملف السوري، رغم أنهم المعنيون الأكثر بتبعاته، سواء بالنسبة لموجات الهجرة أو لتسلل الارهاب «الداعشي». كانت واشنطن تحاول التخفيف من الانتقاد، عبر التزامها باطلاع الشركاء الاوروبيين سريعاً على فحوى التفاهمات مع موسكو. الآن الخشيةُ باتت أكبر من صفقات تامة في الكواليس، خصوصاً مع مؤشرات التناغم بين ترامب والكرملين.

ليست مجرد تكهنات، لمامة تصريحات، على ما بات واضحاً، فها هي الخارجية الروسية تعلن أنها كانت على تواصل مع فريق ترامب خلال حملته الانتخابية. خبرٌ سيئ جداً للأوروبيين، خصوصاً أن مسؤولين في الخارجية الأوروبية قالوا في بروكسل إنه «لم يكن هناك أي تواصل» مع فريق ترامب، بخلاف مواسم انتخابية سابقة كانوا يتواصلون فيها مع فريق كل من الحملتين الجمهورية والديموقراطية. قال ديبلوماسي أوروبي لـ «السفير» إنهم يعملون على تدارك هذا النقص الآن، عبر قنوات اتصالاتهم المفتوحة بالإدارة الأميركية خلال عملها كفريق انتقالي للسلطة، بما يعني محاولةً لمدّ الجسور عبرها، وإيصال الرسائل، لتجنب أي مفاجآت قادمة.

التهديد للاتفاق النووي الايراني لا يزال في القائمة القصيرة للتحولات الممكنة للوعيد الذي كرره ترامب بشراسة. المسؤولون الأوروبيون ليس لديهم ما يبدد تلك المخاوف. مصدر أوروبي رفيع المستوى، واكب لسنوات التفاوض مع إيران، يقول لـ «السفير» إنه «لا توجد ضمانات نهائية» تحمي الاتفاق. يوضح أنه من الناحية المبدئية «يمكن للولايات المتحدة الانسحاب أحادياً من الاتفاق، فهو ليس ملزماً من الناحية القانونية، كما يمكن للآخرين الاستمرار في تطبيقه مع ذلك»، قبل أن يضيف: «يمكن لإيران أيضاً الرد بالانسحاب، لكن ما نعرفه أن الجميع اعتبروا الاتفاق في مصلحتهم».

حديث المسؤول الاوروبي يجعل من الواضح أن ما يعيشونه هو بمثابة سابقة تاريخية. ليس من عادة أوروبا، على الأقل، أن يكون «المجهول الأكبر» بالنسبة لها هو كيف ستدير الولايات المتحدة سياستها الخارجية. يقول المصدر مؤكداً هذه النتيجة: «نحن لا نعرف ترامب، لا نعرف ماذا سيفعل مع إيران، لا نعرف ماذا سيفعل مع سوريا».

على كل حال، عيار القلق الأوروبي لا يحتاج التقصّي. وزراء الخارجية الاوروبيون سيعقدون اجتماعاً غير عادي، عشية لقائهم الاثنين في بروكسل، ليناقشوا نتائج الانتخابات الأميركية. هذه الاجتماعات تعقد عادة لمناقشة قضية طارئة، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو الانقلاب في مصر، ضمُّ روسيا للقرم، لكن لم يحدث أن دعي لها للتداول في نتائج انتخابات الديموقراطية «الاعظم» في العالم والشريك الأوثق للقارة الاوروبية.

البند الأهم على جدول أعمال التوجّس مناقشة تسريع خطط بناء مظلة دفاع عسكرية ذاتية لأوروبا، ليكون أفقها الاستغناء يوماً عن الحماية الأميركية. يأتي ذلك تحت عنوان «الاستقلال الاستراتيجي»، وفقا للاستراتيجية الدولية الجديدة التي اقترحتها الخارجية الأوروبية، جاعلةً إمكانية التحرك العسكري المستقل، في الجوار الاوروبي شرقاً وجنوباً وفي العالم، أحد موجباتها، باعتبار تنامي التهديدات الأمنية والحاجة لحماية المصالح الحيوية في المحيط الجغرافي القريب.

ما يجري الحديث عنه هو نواة «جيش أوروبي»، رغم الحذر هنا من التسمية. رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر وجد في فوز ترامب حافزاً كافياً ليعيد إطلاق تلك التسمية على المشروع «الطموح - الحاجة» المرتجى. ما فكّ عقدة الانطلاقة العسكرية الاوروبية كان مبادرة ألمانيا، وفرنسا بعد تحفظها تاريخياً، مطالبة في أيلول الماضي بدفاع أوروبي مشترك، إثر قرار بريطانيا الخروج من التكتل الأوروبي، على أساس العمل بموازاة «الناتو»، عبر البدء باستنهاض الصناعة العسكرية وانشاء مقر لقيادة عمليات أوروبية.

لا مجازفة في القول إن فوز ترامب أطلق حالة استنفار، تشمل أيضا المبادرة الدفاعية الاوروبية. وزراء الخارجية سيجتمعون الاثنين مع وزراء الدفاع لمناقشة أي أفق يجب وضعه، التطبيق وسرعته. بروكسل تقول إن «الطموح السياسي» الذي يجب أن يحدده الوزراء ليس أقل من بناء «قوى عظمى» عسكريا، قوة «جديدة» تحتاجها أوروبا والعالم. أحد المسؤولين الاوروبيين الذين يعملون على القضية قال لـ «السفير» حول تأثير فوز ترامب: «لا أعتقد أن أي أحد الآن يمكنه توقع ماذا سيحدث، وكيف سيلاحق قضايا العالم... ما نقوم به سيكون مهماً في أي حالة وفي أي سياق».

المشكلة ليس ترامب هو جذرها الوحيد هنا. المشكلة هي أن أميركا جديدة تقول للعالم بوضوح، منذ سنوات، عليكم الاعتياد على شيء مختلف. أكد ديبلوماسيون أوروبيون أن واشنطن تطالب الاوروبيين بتحمل مسؤولية دفاعهم بإلحاح منذ العام الماضي. تماما كما هي الحالة مع الجزع الخليجي، كما تبدى أيضاً في الاطلاق الارتجالي والكاريكاتوري لـ «التحالف العسكري الاسلامي»، بعدما صار الرئيس الاميركي باراك أوباما، وليس دونالد ترامب، ينتقد «الراكبين بالمجان»، في إشارة للدول التي توفر لها أميركا الحماية الأمنية بقوتها العسكرية. الفارق أن المستثمر ترامب يرى «فرصة كبيرة»، كما قال في خطاب الفوز، في الشركة الجديدة التي استلم الآن رئاستها، متعهداً أن يجعلها رابحة حتماً.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل