المحتوى الرئيسى

«بابُ النون» لحسن نصّور.. استئناف الشعر

11/12 02:56

من الشعراء اللبنانيين الذين صدرت لهم مجموعات شعرية ـ في عزّ الإمساك عن النشر من قبل دور النشر، إلّا مدعومة أو منقودة ـ الشاعر حسن نصّور، وبعنوان «باب النون» (*)، وقد أردفه بعنوان فرعي، وبأحرف أصغر، يدلّ على طبيعة الشّعر الذي سيطالع القارئ، أي «غنائية». كما أصرّ أن يكون غلافُ الكتاب كناية عن أربعة مقاطع مستلّة من مخطوطات أربع نامية الى التراث العربي الفكري والديني (الإسلامي والمسيحي)، ومتجاورة للدلالة على صدور هذا الشعر، في الكتاب، من ذاك المعين.

وتحقيقا لهيئة الغنائية، أي المسرحية الشعرية، يعمد الشاعر حسن نصّور الى تخصيص كلّ مفصل أو مشهد شعري بجزئية من جزئيات هذه المسرحية (الغنائية)، على غرار مسرحيات يوريبيد أو آخيل اليونانية الشعرية، إذ تُستهلّ الغنائية بالكورس الذي ينطق بلسان «صوت جماعي مبهم»، ومفاده أنّ «سفهاً يشعبُ الأرضَ»، أي يقسمها اثنين، وأنّ «حذيفة» الشخصية الأسطورية المستمدة من التراث الإسلامي، ما دام (حذيفةُ) حافظَ أسرار النبي محمّد (صلعم)، قد صوّره الشاعر حسن نصّور «كاهنَ الأرض»، وذا ميلٍ الى النبوءة. وقد تبع الجوق مشهد شعريّ بصوت «الراوي» يبيّن هويّة حذيفة في أعين الناس؛ فإذا هو «حدّ القداسة» و»نار» و «قلبه مستحيل». وعلى هذا النحو، يروح الشاعر يؤسطِرُ حذيفة، ويسبغ عليه الكثير من الصفات التي تقربه من البطل الذي يسعه قراءة لغة التاريخ والأرض والصحراء، مثلما يســعه أن يتصعلك، ويمدح المدن العربية الإسلامية التي شهدت الدعوة (بدءاً بيثرب، ومكّة مسقط رأسه، ودمشق، والكوفة، وقرطبة، وانتهاءً بأريحا).

ماذا يطلب الشاعر حسن نصور من استخدامه شخصية حذيفة، ومن التضمينات الكثيرة التي انطوت عليها المشاهد الشعرية في «باب النون»، تيمّناً بما أطلقه النفّري في كتابه «المواقف والمخاطبات» وما ضمّنه فيه من «أبواب»؟ لا شكّ بأنّ الشاعر اللبناني يستأنف جهداً شعريا سابقا، في الشعر العربي الحديث، من عهد أدونيس (علي أحمد سعيد)، ويواصل إنطاق التراث العربي الديني والشعري ما ينمّ عن «الحرص على المطابقة مع الحياة والتغيّر» (الثابت والمتحوّل، ص:203). بيد أنّ الجديد في كتابة حسن نصّور هو هذه النزعة الى النفاذ في عناصر التراث الديني حتى الذوبان فيها، من أجل توليد لغة شعرية حمّالة رؤية أو رؤيا، تقوم على ثنائيات متكاملة وضدّية في آن معا: عجز اللغة/ قدرة القلب، الموت/ الحياة التسفّل/ التعالي، الخ.. ومهما تكن هذه الثنائيات التي انطوت عليها رؤية الشاعر نصور للزمن الحاضر ولأوّلية لغة الوحي («عمرها كفّ ذاك النّبي/ الذي شمّس القولَ» ص:1) على اللغة «الخامة»، وأولية القلب على «أخيلة هباء» وأوّلية الأرض منبتِ الوحي على ما عداها، وأوّلية الزهد على الإقامة، فإنّ للشاعر نصّور فضلاً بيّناً في كونه صاحب لغة شعرية متينة، تخوّله التلاعب بالصيغ والصور البيانية وحشد المعجم الصوفي مع محمولاته الدالّة على رؤية جنينية، يطمح فيها الشاعر الى استعادة ألق البدايات وشوقها ومثالياتها، ولكن بغنائية مقننة في خدمة الافتتان بالوحي ولغته ومدنه وشخوصه ولا سيّما حذيفة الصحابي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل