المحتوى الرئيسى

حين يمسك ترامب بزمام وزارة العدل.. من حق الأميركيين الخوف!

11/11 23:55

عندما كان ترامب مرشحاً رئاسياً هدّد بمقاضاة كل من يعانده ويقف في طريقه من عشرات النساء اللواتي اتهمنه بالاعتداء الجنسي، والصحفيين الذين كتبوا عنه مقالات وأخباراً ناقدة، بل وحتى اللجنة الوطنية الجمهورية التي حنق عليها لطريقة اختيارها للنواب.

ومن المزمع دخول ترامب رسمياً إلى المكتب البيضاوي (مكتب الرئاسة في البيت الأبيض) في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، لكن لعله سيكون أكثر رؤساء أميركا دخولاً للمحاكم في تاريخ البلاد، حسب تقرير مجلة "فورين بوليسي" الذي نُشر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

والآن بات أمام ترامب كل المجال للتأثير في تشكيل وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالية FBI وكثير من أقوى السياسات التي تلت أحداث 11 سبتمبر/أيلول التي امتحنت نظام أميركا القضائي بوضعها مخاوف البلاد الأمنية في مواجهة تصادمية مع حرياتها المدنية.

لطالما افتخرت وزارة العدل الأميركية بنزاهة واستقلال مؤسستها إلى أقصى الحدود لدرجة أن العديد من كبار وأعتى أعضاء النيابة العامة والادعاء العام لهم تاريخ مهني وسنوات خدمة تفوق عمر أي إدارة رئاسية مرّت على البلد. لكن الآن فإن حتى أكبر متقاعدي القضاة المثيرين للجدل باتوا يخشون من تولي ترامب السيطرة على جهاز العدالة وفرض رؤيته عليه.

يقول البروفيسور جون يو، الأستاذ في القانون بجامعة بيركلي: "لديه كافة أنواع المعتقدات الجنونية تجاه قضايا المحاكم". يذكر أن البروفيسور يو حينما عمل مستشاراً في مكتب الاستشارات القانونية بالوزارة بين عامي 2002 و2003 كان قد ساعد في كتابة مسوغات قانونية لأساليب التحقيق الخشنة والقاسية التي يعدها النقاد في عداد التعذيب، يذكر أيضاً أن تلك المذكرات قد ألغيت وأبطلت.

يتابع يو حديثه إلى "فورين بوليسي" فيقول: "لا أراه ذا فهم جيدٍ لكيفية سير نظام القانون وفرضه".

فأثناء حملته الانتخابية تميز ترامب بمزاجية حادة وردود انتقامية راغبة دائماً في التصدي وضرب أعدائه، وهي صفات لعلها خدمته كثيراً في دنيا عالم عقارات نيويورك التنافسي القاسي.

لكن ما يخشاه النقاد هو أن يسخّر ترامب وزارة العدل لتسيير دعاوى قضائية ضد أعدائه وليدوس بقدميه على الحريات المدنية. سيدخل ترامب البيت الأبيض بعد 15 عاماً تعاقب عليه فيها رؤساء ديمقراطيون وجمهوريون استخدم كل منهم كامل سلطته التنفيذية اللامحدودة لإجراء التحقيقات وشن الحروب والإيعاز بتسيير عمليات سرية في الخفاء وأخرى رقابية لتعقب التحركات والسكنات.

يقول جميل جعفر، مدير معهد Knight First Amendment Institute بجامعة كولومبيا: "إننا أمام وضع سيرث فيه ترامب سلطات ونفوذاً واسعاً جداً لا يخضع لأي رقابة أو إشراف فاعل من السلطتين الأخريين".

فعندما قالت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في المناظرة الرئاسية المنعقدة في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "إنها لنعمة كبيرة أن شخصاً بمزاج وأطباع دونالد ترامب ليس هو رأس القانون في بلادنا"، ابتدرها ترامب بردّه السريع المفحم "لأنه سيلقي بك في السجن".

بالفعل إن العلامة الفارقة والسمة المميزة لحياة هذا الرئيس المنتخب المهنية هي تجاهله لسير العملية القضائية ونتائجها. يقول جوليان سانشيز، زميل معهد كاتو المناصر الليبرالي اللامع للحريات المدنية: "لقد استخدم ترامب نظام المقاضاة والدعاوى وسيلةً لمضايقة (أعدائه)؛ غرضه هنا أن يحول حياتهم إلى جحيم".

فطيلة حياته في مهنة التطوير العقاري وشخصيته الإعلامية لجأ ترامب عدة مرات إلى رفع الدعاوى القضائية حتى لأتفه الأسباب.

مثلاً عام 2006 حرّك دعوى قضائية ضد الصحفي تيموثي إل أوبرايان لأنه شكك بمقدار صافي ثروته في كتابه Trump Nation، وبعدما أنفق مليون دولار على هذه القضية خسر ترامب الدعوى وفشل في إثبات أن الصحفي أوبرايان أبدى "استخفافاً أرعن" بالإعلام.

كذلك أثناء حملته الانتخابية عام 2016 تعهّد ترامب بكل غضب بأن "يطوّع" قوانين التشهير والقدح الأميركية كي تلين ويسهل الفوز بالدعاوى القضائية المرفوعة ضد الإعلام بعد الانتقادات اللاذعة التي تلقاها هو من الصحفيين.

وفي حين أن إعادة النظر والتمحيص بقوانين التشهير والقدح يلزمها موافقة ومصادقة من الكونغرس، إلا أن مايكل جيرمان، الموظف السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI زميل مركز برينان للعدالة Brennan Center for Justice، قال إن ترامب سيتمتع بقوى وسلطات رئاسية واسعة النطاق تخوله تغيير طريقة الـFBI في إجراء تحقيقاتها وجعلها أكثر خشونة.

في السنوات الأخيرة أرخت وزارة العدل حبال بعض المعايير الصارمة التي على الـFBI تحقيقها قبل فتح واستكمال التحقيقات. بيد أن جيرمان يقول إن ترامب قد يرخي تلك المعايير "أكثر وأكثر مما هي عليه الآن".

وقال جيرمان: "من الممكن أن يوعز ترامب إلى الـFBI بالتحقيق مع أعدائه"، وكذلك قال إن الأمر قد لا يستدعي أوامر مباشرة من ترامب لفتح تحقيق "لا أظن أن الأمر سيستلزم توجيه ترامب أمراً رسمياً لذلك، فمجرد ذكر اسم مؤسسة أو منظمة سيحرّك موظفاً في مكتب ميداني كي يفتح تحقيقاً".

خطوة كهذه ستقوّض تقليداً متبعاً منذ عشرات السنين يقوم على عدم تدخل الرئيس بتحقيقات وزارة العدل. مع ذلك لا وجود لأي قوانين أو قيود منصوص عليها قانوناً تمنع ترامب من الإيعاز بتحريك الدعاوى القضائية.

في البلاد تُقترَفُ انتهاكات وخروقات للقانون الفيدرالي تفوق في أعدادها أعداد رجال الشرطة والتحقيقات أنفسهم، ولطالما اشتكت وتذمرت وزارة العدل من سهولة تحويل السرية القضائية إلى وسيلة قمعية.

كان المدعي العام روبرت جاكسون قد تحدث عام 1940 أمام جمعٍ من رجال النيابة العامة والادعاء العام الأميركان قائلاً "إن مجرى العدالة والقانون ليس أمراً أوتوماتيكياً ولا أعمى. من أحد أكبر صعوبات منصب المدعي العام أن عليه اختيار وغربلة قضاياه لأنه ما من مدعٍ عامٍ يمكنه التحقيق بكافة القضايا التي ترده شكاويها".

وأضاف "إذا كان المدعي العام مطالباً باختيار قضاياه، يعني هذا بالتالي أنه يستطيع اختيار متهميه، وهنا تكمن أخطر قوة يملكها المدعي العام: فهو سيختار الأناس الذين يعتقدهم يستحقون المقاضاة بدلاً من اختيار حالات وشكاوى قضائية يراها أهلاً للمقاضاة".

ويقول مسؤولون سابقون في وزارة العدل إن تحريك الدعوى القضائية المدفوعة بدافع سياسي قد يشعل فتيل الغضب بين كبار الادعاء العام المخضرمين وغيرهم من الموظفين المدنيين بالوزارة تماماً مثلما صار بعدما أقدمت إدارة بوش على طرد 9 من أعضاء الادعاء العام وعيّنت بدل البعض منهم بعضاً من أوليائها وتابعيها السياسيين.

وقتها أكدت هيئة الرقابة الداخلية في وزارة العدل أن حادثة طرد المدعين العامين هذه "مبنية على الخطأ من الأساس"؛ ما أدى عام 2007 إلى استقالة المدعي العام ألبرتو غونزاليس من منصبه.

ولعل هذا النوع من الرقابة الداخلية قد يفرض حدوداً وقيوداً على رغبة ترامب في رد الصاع صاعين لأعدائه. لكن مع ذلك فإن الكثير من استقلالية وزارة العدل يعتمد على المدعي العام، الذي سيعينه ترامب، ومدى صيانته لهذه الاستقلالية.

هناك اسمان قويان مرشحان لمنصب النائب العام هما العمدة السابق لمدينة نيويورك رودي جولياني وحاكم نيوجيرزي كريس كريستي، فكلاهما خدم سابقاً في هذا المنصب أثناء الإدارات الأميركية الرئاسية الجمهورية. وتقول كيري كورديرو، المسؤولة السابقة في وزارة العدل التي تعمل حالياً ضمن كادر كلية الحقوق بجامعة جورج تاون، إن كلا المرشحين أظهر استعداداً مقلقاً لاستغلال وزارة العدل لمصالح وغايات سياسية.

وفي مقابلة، يوم الخميس الماضي، ترك جولياني المجال مفتوحاً أمام احتمال تحريك تهم ضد كلينتون لتساهلها في تعريض معلومات سرية للانكشاف بإرسالها في رسائل إلكترونية عبر بوابة الإنترنت غير الآمنة لديها. إلا أن مدير الـFBI، جيمس كومي، رفض التوصية بتحريك دعوى وأغلق ملف القضية الأسبوع الماضي.

ويوم الخميس قال جولياني على شاشة "فوكس نيوز": "هناك أمر متعارف عليه في أميركا هو أننا حينما تنتهي الانتخابات ننسى أمرها وراءنا. لكن لدينا أمر آخر متعارف عليه هنا وهو "العدالة المتساوية تحت ظل القانون"، وهذه العدالة تعتمد على حجم وفداحة الذنب والخطأ المرتكب".

وكان كريستي أثناء المؤتمر الوطني الجمهوري المنعقد في كليفلاند يوليو/تموز الماضي قد عقد محاكمة تمثيلية لكلينتون على وقع هتاف الجمهور بصوت واحد "احبسوها".

وتقول كورديرو: "إن كان يريد التقليل من شأن مخاوف الناس حول طريقته في ممارسة سلطات وزارة العدل، إذاً حريٌّ به أن يختار مدعياً عاماً لا يمت بصلة لحملته الانتخابية الرئاسية".

ولا تنحصر المخاوف من استخدام ترامب السلطة التنفيذية في حدود وزارة العدل فحسب، بل إنه الآن بصفته رئيساً ستتاح أمامه قوة وسلطة هائلة لفرض الرقابة وتولي برامج عمليات سرية كان الرئيس الديمقراطي أوباما قد عززها أكثر بعدما ورثها عن إدارة بوش الجمهورية من قبله.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل