المحتوى الرئيسى

أفكار ترامب لها جمهور في أميركا والعالم

11/11 16:42

"الصوت الانتخابي مثل البندقية تكون نافعة أو ضارة على حسب الشخصية التي تمسك بالزناد" الرئيس الأميركي روزفلت.

هذا الشعار الخاص جداً الذي خاطب به ترامب أنصاره، دون غيرهم، فرغم أن ترامب خاطب شريحة بعينها، بأفكار عنصرية هدامة، لكن الحقيقة المؤلمة أن لها جمهورها العريض.

كيف تكون أميركا عظيمة؟ وما الذي جعلها غير عظيمة، فيتوجب إعادة العظمة إليها "مجددا"؟ أليس وجود شخص أسود في السلطة وتجرؤ امرأة على الترشح للرئاسة!

خاطب ترامب العرق الأبيض المسيحي الذكوري، المتعصب للقومية الأميركية، الراغب في السيطرة والتحكم في العالم، وإعادة الهيبة لأميركا مرة أخرى كدولة يخشاها الجميع.

وعليه فقد تمت الاستفادة من سباب أوباما من قِبل رئيس الفلبين، واستقباله المهين في الصين، وغيرها من المواقف التي كانت لا ترضي غرور الرجل الأميركي الأبيض المتعصب.

ربما لا يدرك ترامب الفارق بين إيران والعراق، كما قال أوباما، وربما لا يعرف مؤيدوه أن أميركا لم تعد قطباً واحداً في العالم كما كانت تظن، ربما لا يدركون قيمة ما فعله أوباما بتوريطه جميع خصومه في حرب ضروس في سوريا لسنوات، وتجنيب أميركا مخاطر جمة بامتناعه عن التدخل، عملاً مبدأ القيادة من الخلف، ومنح ملايين الضمان الاجتماعي المجاني "أوباما كير"، لكن ما يسيطر عليهم الآن الرغبة في المغامرة والمقامرة والاشتياق لكشف القناع الرقيق الزائف، والحنين لزمن البلطجة ورعاة البقر وآل كابون.

حتى التسريب الفاضح Vulgar الذي ظن الجميع أنه سيقضي على ترامب، ربما أعجب هذا القطاع الذكوري الذي خاطبه ترامب، بعنصرية الرجل الأبيض (الأشقر رغم السبعين)، فوجد من يصوت له؛ لأنه أبيض في بلد وصل به الحال أن يحكمه رجل أسود!

وجد ترامب من يصوت له؛ لأنه غني، فالبعض يصوت لأسباب كهذه، أو بسبب زوجته، عارضة الأزياء الجميلة، التي ظهرت على غلاف مجلات إباحية من قبل، فالبعض يصوت أيضاً لأسباب كتلك!

المفاجأة أن 58% من "النساء البيض" White Women أيضاً صوتن لترامب مقابل 38% صوتن لهيلاري، حسب صحيفة الإندبندنت (مع الأخذ في الاعتبار أن هيلاري كلينتون فازت فعلياً بغالبية أصوات النساء بواقع 54% مقابل 42% لترامب).

لقد فاز ترامب؛ لأنه خاطب العرق الأبيض الذكوري العنصري المتعصب، وهو فوز قسم البلاد، أو أظهر أنها كانت منقسمة.

لقد أظهر فوز ترامب كم كانت أميركا شديدة الانقسام، لكنها كانت تخفي ذلك خلف ابتسامات دبلوماسية أنيقة، وعبارات منمقة عتيقة، من هؤلاء المثقفين القابضين على السلطة في العاصمة دي سي، بينما هي منقسمة سياسياً بشكل غير مسبوق منذ الستينات، مهترئة اجتماعياً بشكل غير معهود منذ المساواة بين البيض والسود.

يرفض أنصار كلينتون لأول مرة القبول بفكرة نجاح ترامب، ويهرع بعضهم إلى محاولة الهجرة من البلد الذي تعد الهجرة إليه حلم الملايين، وينادي بعض أهالي كاليفورنيا، الولاية الأرقى على الساحل الغربي، حيث هوليوود ولوس أنجليس، إلى الخروج من الاتحاد الأميركي كما فعلت بريطانيا.

في المقابل، وقبل حتى أن تجرى الانتخابات، أعلن ترامب أنه لن يقبل بأي نتيجة سوى الفوز، في سابقة توضح الحال التي صارت عليها الولايات المتحدة من غياب الرضا المجتمعي.

ومن الصعب الحديث في الجغرافيا، دون الحديث عن التاريخ، فلقد دعمت الولايات المتحدة انقلابات عسكرية في جميع قارات العالم، دهست بها آمال الشعوب، وسحقت آمالهم في التغيير؛ لأن ثورات شعبية أو انتخابات ديمقراطية قد أتت بحكام لا ترضى أميركا عنهم ولا يعجبها لغة خطابهم، فكان الجزاء وفاقاً، بأن يأتي شخص إلى البيت الأبيض، وعبر انتخابات، لا يصدق أحد بمن فيهم قادة العالم أنفسهم أنه يصلح أصلاً لأن يكون رئيساً، بخطابه العنصري، وسلوكه الفوضوي، الفقير حد العدم، إلى أبجديات السياسة ومبادئ الفكر الاستراتيجي.

ولقد عمدت الولايات المتحدة في كل هذه الانقلابات إلى التواري خلف شعارات براقة، من أنها تطالب المنقلبين الجدد باحترام حقوق الإنسان، والحريات، أو تبرير الانقلاب بأن الرئيس القديم، ولو كان منتخباً كان سيضر بالحريات وحقوق الإنسان، فكان جزاؤهم رئيساً يكشف المستور، ويهتك القناع، ويعلن على العالم أجمع أنه ضد الإسلام وليس ضد الإرهاب، ومع التعذيب لا مع حقوق الإنسان، يفكر بالمال ولا يعبأ بالمهاجرين، ويهتم بالصفقات أكثر مما يهتم بالبيئة والتغير المناخي، وهذه الأمور التي تحجز مكاناً ثابتاً في خطابات الرؤساء الأميركيين.

ليس هذا انقلاباً في السياسات الأميركية، بقدر ما هو أن هذه السياسات صارت رسمية معلنة بعد أن كانت ضمنية زائفة، فهل هذا شر؟ شخصياً أراه خيراً كثيراً.

أميركا الآن، بوصفها زعيمة الفكر الليبرالي في العالم، أمامها خياران، أحلاهما مُر:

1- أن تقبل بوصول شخص مثل ترامب، بأفكاره التي لا تتفق مع الفكر الليبرالي الذي يحاول الاستناد ولو نظرياً إلى منظومة أخلاقية، بل ولا تتفق أفكاره تلك مع أي مبادئ إنسانية كذلك.

وعليه يكون السماح بوصول تيارات أكثر اعتدالاً بمراحل، ولا تقارن مطلقا بعنصرية ترامب، مثل جماعة الإخوان المسلمين، أمراً لا يمكن الاعتراض عليه، أو الوصاية عليهم بدروس عن الأقليات أو حقوق الإنسان، خصوصاً أنهم لم يظهر منهم إلا ما يبرهن على صدق نياتهم تجاه الآخرين خلال الفترة البسيطة التي حكموا فيها، بعكس ترامب الذي لم يخفِ حقده وعنصريته وعداءه للآخرين، ويحظى بدعم وتأييد أكثر الشخصيات العنصرية مثل الزعيم السابق لمنظمة KKK الإرهابية، التي كانت تقتل السود في القرن الماضي.

2- أن تقف أميركا ضد فوز ترامب، وتعترض عليه، سواء على المستوى الشعبي، بتظاهرات رافضة للديمقراطية، كالتي حدثت في 30 يونيو/حزيران (ودعمتها أميركا وقتها بغوغاء وبلطجية لتكبير العدد وترهيب الناس كما فعلت ضد د. مصدق في انقلاب 1953 في إيران).

هذه التظاهرات رأينا نواة لها مؤخراً برفض تظاهرات في نيويورك على الساحل الشرقي فوز ترامب، ومطالبة تظاهرات أخرى في كاليفورنيا على الساحل الغربي بالخروج من الاتحاد الأميركي.

قد يمتد الغضب أيضاً إلى المستوى الرسمي، بالطعن في أهلية ترامب، وربما اغتياله بشكل غير رسمي، كما حدث سابقاً مع رؤساء كانوا خارج السياق الأميركي العام، مثل إبراهام لينكولن، أو خارج المزاج العسكري والسياسي، مثل جون إف كينيدي.

اللهم إلا إذا كان فوز ترامب مقصوداً، ومخططاً له، وعليه يكون فتح بوتين زجاجات الفودكا ابتهاجاً، وفرح السيسي ونتنياهو وبشار بفوز ترامب مفهوماً أكثر.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل