المحتوى الرئيسى

مصطفى العباسي يكتب: الثورة المصرية ومعركة الجيوش الخمسة «الهوبيت» | ساسة بوست

11/11 16:35

منذ 1 دقيقة، 11 نوفمبر,2016

في فترة مراهقتي لم أشاهد فيلمًا أروع من فيلم ملك الخواتم المأخوذ من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب ج. ر. ر. تولكن، الفيلم تم تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء كالرواية، تم تقديمهم في السينما في 2001، 2002 و2003 بعنوان رفقة الخاتم، البرجان وعودة الملك، وحقق في ذلك الوقت أعلى مستويات المشاهدة والتوزيع في كل دول العالم، بعد هذا النجاح انتظرت أن يتم تحويل أعمال تولكن الأدبية إلى أعمال سينمائية، وهو ما تم بالفعل مع رواية الهوبيت، ومع أنها صغيرة نسبيًا إلا أنه ولأسباب تجارية تم تحويلها إلى ثلاثة أفلام ناجحة في 2012، 2013 و2014، الجزء الأخير بعنوان «معركة الجيوش الخمسة» كان ملحمة أسطورية يمثل صراع بين خمسة جيوش، كل منهم يبحث عن مصلحته الخاصة، الفيلم ليس فانتازيًا فقط، ولكنه فيلم فلسفي عبر بنجاح عن الصراع بين الخير والشر والصداقة والعداء، ويمكننا مشاهدة أحداثه في أي صراع على أرض الواقع في وقتنا الحالي.

سنحاول رصد أوجه التشابه بين معركة الجيوش الخمسة والثورة المصرية، وهذه رؤية شخصية من الممكن أن تتفق أو تختلف معها عزيزي القارئ.

أرى أن مصر «الأرض الوسطى» تضم خمسة أطياف تتناحر فيما بينها، كل منها له أهداف معينة، الخمسة أطياف تمثل تحالفين، التحالف الأول يضم العسكر «الأورك بقيادة أزوك الأسطورة» والفلول «أورك جوندباد»، أما التحالف الثاني فيضم الطبقة المطحونة «أهل بلدة البحيرة»، التيار المدني «الجان»، الإخوان «الأقزام».

تحت حكم العسكر يتم تشويه كل ما هو مصري؛ فالبلد بسبب السياسات الفاشلة تتراجع على كل المستويات؛ فالجنية المصري أصبح لا قيمة له «الدولار الأمريكي وصل إلى 15 جنية مصري قابلة للزيادة» والبلاد الكبرى بالإضافة إلى السعودية أوقفت تعاملاتها بالجنية المصري، أسعار السلع الأساسية تتضاعف بصورة مخيفة، وأصبح الحصول عليها يتم بصعوبة بالغة، فالمواطنون يتجمعون بالآلاف للحصول على أنبوبة غاز أو كيلو سكر أو علبة لبن أطفال، حتى إن الأمر وصل إلى عدم وجود الأدوية مما ينذر الأمر بثورة جياع ستأكل الأخضر واليابس، تحت تخطيط العسكر تم إنهاك الدولة بمشاريع لا طائل من ورائها، مثل مشروع تفريعة قناة السويس وغيرها، وتناسى العسكر أن الاستثمار الحقيقي يكون في التعليم والبحث العلمي والصحة لتأسيس قطاع صناعي قوي قادر على تلبية الاحتياج الوطني ومنافسة الخارج، العسكر ترك أزمة سد النهضة تتفاقم، فتأثير سياساتهم الفاشلة لن تؤثر في  حاضرنا فقط، ولكنها ستؤثر في مستقبل أولادنا، الذين سيرثون منا دولة مهلهلة وأمراض لا حصر لها، جهاز المخابرات الحربية تفرغ لصراعه مع جهاز المخابرات العامة، وترك أبناء الوطن من جنودها الغلابة وضباطها الصغار لقمة سائغة للجماعات الإرهابية، في الوقت الذي يتاجر فيه إعلام الدولة بدمائهم الذكية، أكمنة الجيش في سيناء بدون غطاء وتتواصل العمليات لاصطيادهم، بينما يهدد الرئيس أن الجيش يستطيع التواجد في كل مكان في ست ساعات فقط، يسيطر العسكريون على المناصب التنفيذية في الدولة من وزراء ومحافظين ورؤساء أحياء، وكالعادة يفتقدون الكفاءة والخيال، والغريب أنه وتحت حكم العسكر وفي بلد جميل مثل مصر لم يعد يوجد ما يسر الناظرين؛ فالقبح أصبح هو سمة هذه الفترة؛ فبالإضافة إلى الآثار التي يتم إهانتها أصبحت الميادين مليئة بتماثيل قبيحة عنوانًا لهذه الفترة العصيبة التي ستقضي على دولتنا.

نتكلم عن عصابة «منظومة» تعمل سويًا منذ عقود تحت حماية النظام، تنهش لحم هذا الوطن، وتترك للشعب الفتات، مجموعة من الأسر المتداخلة فيما بينها بصلات قرابة ونسب، سيطرت على مصر اقتصاديًا، كان من بينها الحرس القديم الذي حافظ على تماسك «ضمني» للدولة دستوريًا وأمنيًا كفتحي سرور وكمال الشاذلي ويوسف والي وحبيب العادلي وغيرهم. والحرس الجديد، رجال جمال مبارك من رشيد محمد رشيد وزهير جرانة ويوسف غالي وأحمد عز وغيرهم، عندما قامت الثورة قامت للقضاء على هؤلاء، ولو لم تسرق الثورة لقبع هؤلاء في السجون في محاكمات ثورية، هؤلاء هم الرؤوس الكبيرة، ولكن هناك نوعًا آخر من الفلول مثل الموظفين الكبار المتغلغلين في كل المؤسسات الحكومية والذين تحكموا في تلك المؤسسات بعد الثورة، كما يوجد أيضًا العائلات الكبيرة في الأرياف والصعيد، والتي كانت تتنافس فيما بينها في الانتخابات البرلمانية وإدخال أبنائها في الكليات العسكرية وكلية الشرطة والنيابة.

المواطنون المطحونون «أهل بلدة البحيرة»

أهل بلدة البحيرة في الفيلم لم يكونوا جزءًا من الصراع، يعيشون بهدوء على ما يقتاتون عليه من صيد الأسماك ويحكمهم ديكتاتور، كل ما يقلقه هو بارد المعارض الوحيد في البلدة والذي يحث الناس على الاحتجاج والاعتراض على سياسات الحاكم التي جعلت المجاعة على الأبواب. الوضع تغير عندما تم طرد التنين من الجبل وذهب لينتقم من أهل البلدة، وما كان من الحاكم إلا أن أمر جنوده بملء مركبه بكنز الشعب محاولًا الهروب، إلا أنه لم يستطع؛ فانتقام التنين كان فوريًا فأحرق البلدة وقتل كثيرين من شعبها، ولم ينقذ البقية إلا بارد الذي قتل التنين «تم تسمية بارد قاتل التنين»، وجد أهل البلدة أنفسهم بدون مأوى؛ فالقرية تم إحراقها بالكامل، وبدون مأكل وبدون غطاء في البرد القارس، كما أن بينهم الكثير من الجرحى، هنا تغيرت العقلية فلم يتبق لديهم ما يخسرونه وأصبحوا طرفـًا في الصراع واتجهوا نحو الجبل ينشدون ما ينقذهم من الموت، حتى النساء والعجائز أمسكوا بالسيوف واصطفوا للقتال على أرض المعركة، أرى أن هذه القصة تتكرر في مصر؛ فالشعب رضي دائمًا أن يعيش على القليل «خصوصًا الأرياف والصعيد» ولم يثر على مبارك، الشعب لا يهتم بالديموقراطية ولا يهتم بحقوق الإنسان ولا يهتم بمكانة مصر، كل ما يهم الشعب هو ملأ معدته، نظام السيسي قام بأسوأ ما يمكن أن يقوم به أي نظام وهو تجويع الشعب. سياسات السيسي أشبه ما تكون بالتنين الذي أحرق البلدة وجعل أهلها بدون خيارات، تأملوا معي الفيديو الشهير لخريج التوكتوك، وتأملوا كثيرًا من الفيديوهات المتشابهة، وهذه الفيديوهات لا تشبه فيديوهات التيار المدني الذي يركز على تبادل السلطة وحرية الأحزاب وحقوق الإنسان، ولا تشبه فيديوهات الإخوان التي تركز على أن ما حدث هو انقلاب عسكري، الطبقة المطحونة بدأت في التحرك وقد نفذ صبرها، وأرى أننا لا نستهين بالغضب الشعبي خصوصًا أن المستقبل القريب لا ينذر بأي تحسن في الحالة الاقتصادية، هذا الغضب سيتحول إلى رد فعل يشبه رد فعل أهل بلدة البحيرة على أرض المعركة.

التيار المدني «الجان»- الإخوان المسلمون «الأقزام»

العلاقة بين الجان والأقزام تتطابق مع العلاقة بين التيار المدني والإخوانـ تولكن أبدع في تصوير الخلاف أو العداء بينهما، علاقة مبنية على عدم الثقة والاختلاف في كل شيء، إلا أن اتحادهما في بعض الأوقات كان هو المفتاح والحل الوحيد لكل الصراعات.

بداية الأحداث كانت مع جنون ثور «ملك الأقزام» بسبب حبه للسلطة والسيطرة واعتبار أن حكمه حق إلهي وأبدي وأن على الجميع تقديم فروض الطاعة إليه، هذا الأسلوب جعل ثور يخسر حلفاءه الذين حذروه كثيرًا «حدث الشيء نفسه عندما أصبح مرسي رئيسًا ورفض الاستماع إلى شباب الثورة حتى خسر من كانوا حلفاء له في يوم من الأيام»، وعندما أحرق التنين مملكة الأقزام وأصبحوا مشردين بلا مأوى لم يسعفهم الجان بسبب أن ثور لم يستمع إليهم وكان هو السبب في التباعد «حدث الشيء نفسه للإخوان بعد مذبحة رابعة واتهامهم التيار المدني أنه تخلى عنهم وجعلهم عرضه للقتل والاعتقال».

مرت الأيام والهوة تزداد يومًا بعد يوم بين الجان والأقزام ودراما تولكن أصبحت أكثر متعة، فثرندويل «ملك الجان» عرض المساعدة على ثورين «ملك الأقزام» عندما عرف مبتغاه في استعادة الجبل مرة أخرى، ولكن ثورين رفض وقال له إنه لا يمكنه التحالف ولا الوثوق فيه مرة أخرى، و رد عليه ثرندويل «لقد حذرت جدك مما سيجلبه عليه الطمع ولكنه لم يستمع وإنك مثله تمامًا».

تولكن ركز على المرض العقلي لملك الأقزام «جنون الذهب»، فثورين رغب بالسيطرة على الجبل أكثر من رغبته بأي شيء آخر، وشعوره بالقوة غيره تمامًا، ومع أنه ملك إلا أنه خان العهد ولم يلتزم بكلمة الشرف، فعندما ذهب إليه قاتل التنين ليطلب منه تشريف كلمته وإعطاءهم المأوى والمأكل، تملص ثورين من وعوده وقال إن هذا الحق والثروة تنتمي إليه فقط، ملك الأقزام ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حتى إنه أعلن أنه على استعداد ليضحي بدم كل قزم من أجل الحفاظ على الذهب والجبل، وبالفعل تخلى ثورين عن الأقزام في المعركة وضحى بدمائهم.

الشباب الأقزام مثل كيلي وفيلي كان لهم رأي آخر؛ فلم يوافقا على سلوك الملك وقراراته، إلا أن هذا الرفض لم يدعهما إلى التمرد، واستمرا في مساندة الملك وتنفيذ قراراته، «أحداث الفيلم تبرز الاتهام التاريخي لجماعة الإخوان بنقضها للعهود، ونتذكر ما قاله البرادعي إنه كان يذهب ليتفق معهم على شيء وفي الصباح يجد شيئًا آخر غير الاتفاق المبرم بينهما، بالإضافة لاتهام قيادات الإخوان بالتضحية بدماء أبناء الجماعة من أجل مصلحتها، موقف شباب الأقزام مطابق لموقف شباب الجماعة؛ فالكلام الدائم بعد الثورة أن شباب الجماعة كان لا يوافق على كثير من قرارات مكتب الإرشاد، ومع ذلك لم يكن لهم موقف منها، واستمروا في دعم تلك القرارات وتنفيذها».

نصائح الحكماء ضاعت بين عناد التيار المدني وعدم ثقة الإخوان

في الوقت الذي كان يستعد فيه الجان والأقزام للمعركة ذهب جاندالف لملك الجان يخبره أن الدمار سيأتي على الجميع، وأن في الوقت الذي يستعر فيه الصراع بين الجان والأقزام فإن الأورك يستعدون لضربتهم القاضية، ولكنه لم يقتنع بكلامه، وهنا تعجب جاندالف: منذ متى ونصيحتي أصبحت لا قيمة لها! فرد عليه ملك الجان أن الغرض من نصائحه هي إنقاذ أصدقائه الأقزام، «هذا المشهد ذكرني باتهام أي شخص يقدم مبادرة للصلح بين التيار المدني والإخوان بالأخونة».

مستقبل العلاقات بين التيار المدني والإخوان

مع أنه تم تقديم سلسلة أفلام ملك الخواتم قبل سلسلة أفلام الهوبيت إلا أن أحداث الأولى مبنية على أحداث الثانية، حيث إنها زمنيًا تتبعها بستين سنة، وهنا سنغوص سويًا في رحلة شيقة في ملك الخواتم، مارين ببعض المشاهد والتي هي من أروع المشاهد التي تم تقديمها في السينما. سنبرز من خلالها ما آلت إليه العلاقات بين الجان والأقزام، وفي ضوئها سنحاول استنباط مستقبل العلاقات بين التيار المدني والإخوان.

شاهدنا في نهاية فيلم معركة الجيوش الخمسة تحالف كل من الجان والأقزام وأهل مدينة البحيرة، ولكن الثمن الذي دفعه الجميع كان غاليًا جدًا «ستستقر الدولة بعد خسارتنا لأثمن الأشياء مثل الشباب الذي مات في أحداث الثورة وما بعدها، والشباب الذي ضاع شبابه وصحته في المعتقلات، وانهيار التعليم والصحة، وأزمة الموارد المائية بعد مباركة السيسي لبناء السد الأثيوبي»، لكن العداء بين الجان والأقزام استمر.

فالأقزام استمروا في النظر إلى مصالحهم الخاصة فقط، وهو ما شهدناه في المشهد الذي جمع بين ألروند «ملك الجان» وجاندالف، عندما سأل الملك جاندالف: من ستجد عندما نرحل؟ الأقزام؟ إنهم يختبئون في الجبال بحثـًا عن الثروات، إنهم لا يهتمون بمتاعب الآخرين، في الوقت نفسه نجد كره الأقزام للجان، فعندما قال الملك ألروند إنه يجب تدمير الخاتم في النيران الملتهبة في قلب جبل الموت في موردور، رد جيملي قائلًا: «أفضل أن أكون ميتا قبل أن أرى الخاتم في أيدي واحد من الجان».

التيار المدني مستعد دائمًا للتضحية من أجل مستقبل أفضل

عندما يأس ثيودين «ملك روهان» وقال في مرارة: «أين الفرس والفارس؟ أين البوق الذي كان ينفخ؟ لقد مروا كالمطر على الجبال، كالرياح في الوادي، الأيام تنتهي في الغرب، خلف التلال، في الظلام، كيف انتهت إلى ذلك؟» جاء هالدير «قائد جيوش الجان» للدفاع عن روهان وهو يعلم أنها مهمة انتحارية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل