المحتوى الرئيسى

رفقاء الكوكب الأزرق

11/11 08:53

كان للكاتب الصحفي والكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع تعبير بليغ عبّر به عن العلاقة التي جمعته ببعض الأصدقاء عبر الكتابة، حين كانوا يرسلون له الخطابات محملة بمشكلاتهم وشكواهم إلى بريد الجمعة، فسماهم: "أصدقاء على ورق"، ما أجمل هذا المسمى لما كانت الكتابة والمراسلة هي الجسر الذي انتقلت من خلاله خبرات وحكمة هذا الرجل العظيم إلى هؤلاء الأصدقاء الجدد.

وقد تجسّد في "هواة المراسلة" في المجلات الاجتماعية خلال فترة ثمانينات وتسعينات القرن الماضي نمط فريد في حب التواصل مع الغير دون سابقة تعارف، سوى فكرة الاتصال بالآخر دون شروط أو قيود، نوع من المحبة غير المشروطة، كانت فكرة غير مألوفة إلى حد في مفهوم التواصل مع الآخر المجهول، وهذا النوع من أنواع التعارف مع الغير سواء فئة "أصدقاء على ورق" أو فئة "هواة المراسلة" قد توارى في دائرة الزمن، أو ضاع في دوامة الحياة.

وتمر الأيام ويظهر أكبر "هايد بارك" اجتماعي وإنساني مفتوح ومتاح في أي وقت للتعبير عن خواطرنا، ومشاعرنا، وأنفسنا، وأفكارنا.... "الكوكب الأزرق" أو Face book، بوابتك لعالم كبير، عالم التواصل الاجتماعي مع الآخرين، منذ أن تدخل هذا الكوكب فعليك أن تعرف قانونه الأساسي، سيلح عليك تساؤل بمجرد عبورك لدخول هذا العالم: ما الذي يدور في ذهنك؟ وبمعنى آخر ما الذي ترغب في إظهاره للآخرين عن ذاتك؟! افعل ما شئت، فلك مساحة خاصة حرة لتعرض ما ترغب، وتخفي ما تشاء.. تظهر حقيقتك، أو تختلق عالماً خاصاً بك تعيش فيه حتى تصدقه.

ستجد كل ما تتمناه وأكثر، أخبار تنتقل فور حدوثها، فعاليات تُقام في مختلف المجالات، صور وظيفتها التباهي وللذكرى، تكوين شبكة علاقات مع أشخاص في مختلف المجالات، ساحة لعرض الأفكار وتسويق الذات، وأداة إعلام شخصية لا غبار عليها، حتى السعي على الرزق أصبح جزءاً من عالم الكوكب الأزرق.

غاية الأمر أنه أصبح جزءاً من عالمنا، قّرب الغرباء وأبعد المقّربين، الوسيلة المثالية لقراءة أفكار الآخرين وترجمة أمزجتهم وتفاصيل حياتهم، أسميه "برج المراقبة"؛ لأن دوره للبعض -وهم كُثر- وسيلة مثالية لوضعك تحت المجهر، والحكم عليك، وبناء رأي وحكم عنك من على "الأريكة المريحة".

ومن زاوية أخرى، فمن خلال هذا العالم ستتابع أصحاب الرأي أو المشاهير، وستكّون خبرات، وستتصل بدائرة مشتركة من أرباب المهنة أو العمل أو الهواية، وستتطلع على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية.

والمشكلة الحقيقية أنه منذ دخولك لهذا العالم وأنت لا تخرج أبداً كما دخلت، إن كنت محظوظاً ستنجز ما دلفت من أجله وتخرج في سلام، وإن كنت كالغالبية من الناس فستخرج منه محملاً بكمّ من الأحداث والأخبار والمناقشات والأفكار... ستحمل في عقلك حمولة ضخمة جراء هذا الكم الكبير من المعلومات والبيانات والأحداث التي تلقيها له، ستشعر معها بزخم وازدحام دون سبب معروف.. وكيف لا وقد امتلأت كأس العقل والروح لحافتها!

وسيلة تواصل فعالة لكن زائفة، مرعبة في إمكانياتها في اختراق هالة الحياة الشخصية للآخرين، المشكلة الحقيقية في إدمان هذه الوسيلة، توحدنا حد الالتصاق بهذا العالم الافتراضي على حساب وجودنا الفعلي والمؤثر في عوالمنا الحقيقية، بل، وهو الأهم، على حساب وجودنا مع أنفسنا حتى في تلك اللحظات التي نكون فيها وحدنا جسدياً، حين تستغرق في متابعة أحوال عالم الفيسبوك ويضيع الوقت، وتتبدد الرغبة في الإنجاز، يصير لزاماً اعتزال الناس ولو لحين قصير.. لكن هيهات!

كفراغ ما بعد منتصف الليل الذي يجعلك تزور الثلاجة كل ساعة متفقداً أي طعام جدير بإشباع النهم المفاجئ، تناديك فكرة أنك في قلب الحدث، شعور برغبة مُلحة لمعرفة ما يدور حولك، ومتابعة أخبار من اخترتهم واختاروك ليكونوا رفقاء هذا الكوكب الكبير، ناهيك عن الشعور بالونس الإنساني، الترحيب بمشاركتك ومنشوراتك، وإبداء مختلف الآراء حولها، السؤال عن صديق أو متابعة مَن كانوا يوماً في صدارة أهل عالم الفيسبوك السحري، ولم يعودوا.

شئنا أما أبينا، صار هذا العالم الافتراضي جزءاً هاماً من حياتنا وحاضرنا ومستقبلنا، ووسيلة للتذكرة بأفكارنا وخواطرنا الماضية، ولتسجيل لحظات نجاحنا أو انكساراتنا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل