المحتوى الرئيسى

مع ترامب ستكون الأمور أكثر نضجا ووضوحا وسخونة

11/09 13:46

فاز الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون وسط ضجة إعلامية أمريكية وعالمية غير مسبوقة.

كل المؤشرات الداخلية الأمريكية والأوروبية كانت تؤكد فوز السيد ترامب: المؤشرات الداخلية والتحولات الدولية. وفي الحقيقة، كانت المعارك الإعلامية الأمريكية والعالمية، وعلى مستوى النخب السياسية الأجنبية (غير الأمريكية)، كانت تلعب في تقديرات غير دقيقة، وخاضعة لحسابات قصيرة النظر أو تسعى لإبراز ملفات معينة، منها الديني والقومي، ومنها المتعلق بالسلاح والطاقة.

السيد ترامب لن يجر العالم إلى نخب يمينية حاكمة لا في أوروبا ولا في أي مكان آخر، لأن هذه النخب تحكم أصلا بدرجات معينة، أو قريبة من مراكز القرار، أو تتمتع بنفوذ كبير وواسع حتى وإن كانت خارج السلطة. ترامب، في الحقيقة، لديه أجندات أخرى تماما، أكثر نضجا ووضوحا، بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معها ومعه. بالضبط مثلما كانت الأمور مع باراك أوباما وفريقه. مع العلم بأن الفارق ليس كبيرا بين أوباما وترامب، أو بين الأخير والسيدة كلينتون، إلا في بعض التفاصيل الدقيقة. إذ أن المصالح القومية الأمريكية هي التي تحكم حركة الحزبين وتوجهات سياساتهما.

بداية، نستطيع الآن أن نتحدث عن ابتعاد أحلام (أوهام) القوى اليمينية الدينية المتطرفة في الوصول إلى السلطة في دول الشرق الأوسط، لأن الصراعات والمنافسات ستنتقل إلى ساحات أخرى، وإن كان من الممكن أن تستخدم النخبة الأمريكية الحاكمة الجديدة تنظيمات إرهابية أو متطرفة لتصريف بعض الشؤون أو تصفية بعض الحسابات. وهذه أمور متوقعة، ولكنها لن تكون الأرضية الرئيسية التي تتحرك عليها السياسة الأمريكية.

أما الدول والأنظمة والشخصيات التي تبرعت لحملة هيلاري كلينتون، فقد كانت تعوِّل على دعم إضافي للتوجهات اليمينية الدينية المتطرفة والسعي إلى فرضها في دول ومناطق محددة، واستمرار سيناريوهات السنوات الخمس الأخيرة لصالح التيارات الدينية المتطرفة وتكريس الإرهاب كمعركة رئيسية. وهذا الأمر يتعلق أيضا بالأنظمة الحاكمة في دول الشرق الأوسط، والتي استغلت فرصة وجود الإرهاب للتضييق على الحريات، وتصفية الحسابات ليس فقط مع التيارات والقوى اليمينية الدينية المتطرفة، بل ومع القوى الليبرالية واليسارية والوطنية.

لا شك أن "معركة الإرهاب" ستبقى، ولكن بمعايير مختلفة نسبيا، وعلى أسس قد تتناقض مع الأسس التي وضعتها كلينتون في عهد أوباما وتمكنت من فرضها إلى أن أدت إلى استفحال الإرهاب وازدهاره، وانتشار نفوذ التيارات اليمينية الدينية المتطرفة. وهنا لا يمكن أن نتجاهل دول عربية معينة كانت تدعم كلينتون من أجل استمرار العمل على الملفات الدينية والطائفية وتمكين القوى اليمينية الدينية المتطرفة من السلطة أو في أسوأ الأحوال من المشاركة فيها.

في حقيقة الأمر، السياسات والتوجهات الأمريكية داخليا وخارجيا لا تعتمد على تلك التيارات والقوى اليمينية الدينية المتطرفة. كما أن هذه القوى والتيارات لا تشكل مساحة كبيرة من اهتمامات النخب الأمريكية الحاكمة إلا بالقدر الذي يمكن لواشنطن (جمهورية كانت أو ديمقراطية) أن تستفيد منه أو توظفه لصالح ملفات أخرى مع قوى كبرى وفي مناطق صراع أكثر جدوى وفائدة حسب أجندة هذه النخبة أو تلك.

لقد أردنا فقط أن نسلط الضوء في بداية المقال على أمور تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وصراعاتها وأزماتها الآنية. وأن نوجه الاهتمام إلى علاقة النخبة الأمريكية الجديدة بكل من القوى اليمينية الدينية المتطرفة من جهة، وبالأنظمة السياسية في تلك المنطقة من جهة أخرى. بمعنى أن هناك متغيرات جديدة على المعادلة ستدخل حتما على سياسات الجمهوريين في علاقتهم بالطرفين من جهة، وفي علاقاتهم بالقوى الكبرى المنافسة على تلك المنطقة من جهة أخرى.

إن الملفات الحقيقية التي تواجه ترامب تتضمن العلاقات مع الصين وروسيا، والدرع الصاروخية، والمنافسة في أسواق السلاح، والصراع على مصادر الطاقة وطرق نقلها، وتقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية، والملفين النوويين الإيراني والكوري الشمالي. هذا إضافة إلى أحد أهم الملفات الرئيسية، ألا وهو ملف تصريف الفوائض المالية للشركات والمؤسسات الأمريكية العابرة للقارات، والبحث عن مناطق جغرافية جديدة لتشغيل هذه الفوائض.

إن كل ما كان يقوله ترامب قبل ظهور نتائج الانتخابات سيبدو مختلفا، أو متناقضا بدرجات كبيرة، مع ما سيجري على أرض الواقع بعض وصوله إلى مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض، وبالذات في ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا التي ساهمت إدارة أوباما بنصيب وافر من تردي العلاقات معها. ولكن هذا لا يعني أن يتوجه ترامب إلى موسكو في زيارة رسمية من أجل رأب صدع العلاقات التي تقف على حافة المواجهة. كل ما في الأمر أن الرئيس الأمريكي الجديد سيكون محكوما بمصالح ومعادلات داخلية وخارجية، ولكنه سيتعامل بشكل أكثر نضجا ووضوحا من حيث تحقيق هذه المعادلات وإقرار تلك المصالح.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل