المحتوى الرئيسى

ممدوح رزق يكتب: حياة اللاعب إدواردو غاليانو

11/09 10:11

(كرة القدم بين الشمس والظل) هي وثيقة ولع وغرام بكرة القدم أصدرتها دار (طوى)، وترجمها (صالح علماني)، وأراد (إدواردو غاليانو) من خلالها أن يترك بصمته الذاتية داخل الرحلة الحزينة من المتعة إلى الواجب، أو داخل تاريخ كرة القدم.

سيرة الاستبعاد التدريجي للجمال، التي أهداها متسول كرة القدم الجيدة إلى الأطفال الذين يتغنون بالمتعة التي لن تتبدل في الربح والخسارة، عوضًا عن اللاعب الذي لم يقدر أن يكونه (كنت أشعر أنني بكتابتي سأحقق بيدي ما لم أستطع أن أحققه مطلقًا بقدمي، فأنا مجرد أخرق لا خلاص له، ووصمة عار في الملاعب، ولهذا لم أجد وسيلة سوى أن أطلب من الكلمات ما رغبت فيه كثيرًا وأنكرته عليّ الكرة).

يبدأ (إدواردو غاليانو) بصوغ خاص لتعريف عناصر السحر المتحوّل إلى صناعة الحرمان من السحر: كرة القدم (لقد راحت تكنوقراطية الرياضة الاحترافية تفرض كرة قدم، تعتمد السرعة المحضة والقوة الكبيرة، وتستبعد الفرح، وتستأصل المخيلة، وتمنع الجسارة). اللاعب (يظهر في الصحف وفي التلفزيون، وتردد الإذاعات اسمه، والنساء يتنهدن من أجله، والأطفال يريدون تقليده. أما هو الذي بدأ يلعب من أجل متعة اللعب، في الشوارع الترابية للأحياء الهامشية، فقد صار يلعب الآن في الاستادات الكبرى من أجل واجب العمل، وهو مجبر على الربح أو الربح)

حارس المرمى (يتركونه هناك، وحيدًا أمام جلاده، في اتساع المرمى الخاوي. وعندما يتعرض الفريق لسوء حظ، يكون عليه هو أن يدفع الثمن تحت وابل من الكرات، ليكفر عن ذنوب الآخرين)

المعبود: (الكرة تضحك مشرقة في الهواء. فينزلها هو، ينوّمها، يغازلها، يراقصها، وحين يرى محبوه هذه الأشياء التي لم يُرَ لها مثيل، يشفقون على أحفادهم الذين لم يولدوا بعد لأنهم لم يروها)

المشجع: (يأكل قبعته، يهمس بصلوات ولعنات، ثم يمزق حنجرته فجأة بهتاف مدوٍ ويقفز مثل برغوث معانقًا المجهول الذي يصرخ معلنًا الهدف بجانبه. وعلى امتداد الصلاة الوثنية، يكون المشجع كثيرين. فهو يشاطر آلاف الورعين من أمثاله القناعة بأننا الأفضل، وبأن جميع الحكام مرتشين، وجميع الخصوم مخادعين)

المتعصب: (القوة الكلية في يوم الأحد تخالف حياة الإذعان في بقية الأسبوع، والفراش دون رغبة، والوظيفة دون ميل أو اللاوظيفة: فيكون لدى المتعصب الكثير من الثأرات حين يتحرر يومًا كل أسبوع)

الجول: (الحماسة التي تنفلت كلما هزت القذيفة البيضاء الشبكة، يمكن لها أن تبدو سرًا غامضًا أو جنونًا، ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن المعجزات نادرة الوقوع. والهدف، حتى وإن كان غولا صغيرًا، يتحوّل إلى غووووووول في حنجرة معلقي الإذاعة)

الحكم: (وعندما تمس الطابة جسده، بصورة عرضية، يتذكر الجمهور كله أمه. ومع ذلك بالرغم من أنه هناك، في الفسحة الخضراء المقدسة التي تكرج فيها الكرة وتطير، فإنه يتحمل الشتائم، وصفير الاستنكار، والرجم بالحجارة واللعنات)

المدير الفني: (فالرحلة من الجرأة إلى الخوف، وهي تاريخ كرة القدم في القرن العشرين، إنما هي الانتقال من 2 ـ 3 ـ 5 إلى 5 ـ 4 ـ 1، مرورًا بـ 4 ـ 4 ـ 2. إن بإمكان أي إنسان غير مضطلع أن يترجم هذا مع قليل من المساعدة. ولكن فيما بعد، لم يعد هناك من يستطيع فهم أي شيء. لأن المدير الفني صار يطوّر صيغًا سرية غامضة مثل المفهوم القدسي ليسوع، ويضع معها خططًا تكتيكية عصية على الفهم أكثر من الثالوث المقدس)

المسرح: (وهناك لاعبون لا يُعلى عليهم في إضاعة الوقت: يضع اللاعب منهم قناع الشهيد الذي صُلب للتو، وعندئذ يتدحرج محتضرًا، ممسكًا بركبته أو برأسه، ويبقى مطروحًا على العشب. تمر الدقائق. ويأتي المدلك بخطوات سلحفاة، إنه اليد المباركة، بدين متعرق، تفوح منه رائحة المراهم، يأتي واضعًا منشفة حول عنقه، وحاملا زمزمية في إحدى يديه، وفي اليد الأخرى شراب طبي مؤكد المفعول. وتمر الساعات والسنون إلى أن يأمر الحكم بإخراج هذه الجثة من الملعب. عندئذ يقفز اللاعب فجأة، بلوب، وتحدث معجزة الانبعاث)

الاختصاصيون: (ذلك أن معلمي الحيرة هؤلاء يركضون أكثر من اللاعبين وأكثر من الكرة نفسها، ويروون يإيقاع دواري وقائع مباراة لا تكون لها في العادة علاقة كبيرة بما يراه أحدنا في الملعب)

الاستاد: (وفي ميلان، يهز شبح جوزيب ميازا وهو يسجل الأهداف جنبات الاستاد الذي يحمل اسمه. ونهائي مونديال 74 الذي كسبته ألمانيا يُلعب يومًا بعد يوم، وليلة إثر ليلة في استاد ميونخ الأولمبي)

الكرة: (لقد قبّلها بيليه في استاد ماراكانا عندما سجل هدفه رقم ألف، وديستيفانو أقام لها نصبًا عند مدخل بيته، وهو عبارة عن كرة من البرونز مع لوحة حجرية نقش عليها عبارة: شكرًا أيتها العجوز)

يسافر (إدواردو غاليانو) في ذاكرة القداس مدفوع الأجر، القادر على التكلم بكل هذه اللغات، وعلى إطلاق عواطف وأهواء كونية، بداية من الأصول وتطور القواعد مرورًا بالغزو الإنجليزي الكروي لأمريكا اللاتينية، وميلاد الكرة المعزوفة في ملاعب بوينس آيرس ومونتيفيديو، وقصص المباريات، واحتقار المثقفين المحافظين للعبة، وعلاقة كرة القدم بالسياسة والحروب والدين، وأعظم اللاعبين، وأروع الأهداف، واللحظات التاريخية، وأحداث البطولة الأمريكية الجنوبية، والأولمبياد، وكأس العالم، وما تعلّمه (ألبير كامو) من ممارسته لحراسة المرمى، والاحتراف، والطلاسم والتمائم، والإعلانات، والفوضى الهولندية المنظمة، والفيفا، وتحوّل الأندية إلى شركات، والهوليغانز، وبيع الاستعراضات، والاحتكار، والعقاقير، واللعب القذر، والعنصرية، وانتهاء مونديال 1994 حيث أُطلق اسم (روماريو) على جميع الأطفال الذين ولدوا في البرازيل.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل