المحتوى الرئيسى

رائد حسين يكتب: سِفر الأوراق

11/08 10:08

كان يُحدِّق فى ساعة رقمية على الجدار، كانت تُشير إلى وقت عجزت عيناه المثقلتان بالهموم واليأس تحديدهِ، كأن عليها ضباب الشتاء.

وكان قبل الشتاء ربيع، حلقة فى مسجد ونبع أخلاق ينهلُ منه الناهلون، وقِصص تُقصّ من مُعلم باسم الوجه مُشرقهُ، قصص ممتعة لأنه كنا يجهلها. سأل المُعلم: كيف عرفت هذهِ القصص؟

أخذه المُعلِّم تحت جناحهِ الحانى حتى شجرة كبيرة، رفع ذراعه وأمسك بورقة خضراء. قال: لولا الجذور فى الأرض ما كانت الورقة.

وأهداه كتاباُ عن جذوره، فعرف أنَّه سَليل عزّ مُهان، وأنّه مُكلّف لإزاحة الغبار عن معدنه الثمين، ليبرقّ بلونه البراّق، ليصمد فى وجه الخريف.

وكان قبل الخريف صيف، تظاهرات وشهداءٌ ونصر، وحلمٌ يكسر حواجز المستحيل ويستقر على عرشهِ، كأنه بيد الله مُساقا.

اختفى المُعلم، وترك له رسالة: إفعل ما تؤمر.

وكان فى الصيف جدل وتَفاخر وخِصَام، فقرأ أشجارًا أخرى خبأها عنه المُعلّم، وظن بحسن نيته وسذاجته ونُبل قِيَمِهِ أنه كان يجهلها، لمس أوراقها، ومَسَّ جذورها، فتأخرت فى قلبه نبضة.

وكان الخريف يحملُ السَموم بين طيات العاصِفة، فتساقطت أوراق شجرته، فإذ هى عجوزٌ عارية لا نهدين فى صدرها ولا نبضّ فى الوريد، وبقي وحده فى وجه الريح صامدًا، مرهقًا، غير مدركٍ لأسباب العاصفة، يراقب من فرعه العالى أَعمارًا توأد فى مَهْدها وحُلمًا يُنتزع عن عرشهِ إلى قعر هاوية، كأنه بيد الله مُساق.

وتذَّكره المُعلم الذى غارد الشجرة فى إصيصٍ صناعىّ، بعد طول نسيان، قال له: لا تختبئ خلف الغصن، إرفع عنقك لتقصمه العاصفة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل