المحتوى الرئيسى

سبيل الحاجة «زكية» ملاذ الفقراء والمحتاجين

11/07 19:13

سكون مهيب يلف المكان في أحد صباحاته التي تغمرها أشعة الشمس الدافئة، لا يقطع الصمت سوى صرير بوابته الحديدية المطلية بلون أخضر بهيج، معلنة عن بداية يوم جديد في حضرة سبيل والوقف الخيري للحاجة «زكية» صاحبة السبيل القائم بنهاية درب الطبلاوي بمنطقة الجمالية والقريب من المشهد الحسيني، والتي غادرته هو والدنيا عام 1981 بعد ان تركت وراءها ثمانين سنة ويزيد عامرة  بحب آل بيت النبي وعترته.

مجاورة مولانا الإمام الحسين (رضي الله عنه وأرضاه)، وهى بنت الشيخ «الحسن الشاذلى» فى العهد سكنت الصحراء في الشهور الاخيرة من حياتها منقطعة للعبادة والتسبيح ورفضت العودة إلى القاهرة وأصرت على البقاء فى الصحراء بجوار مقام سيدنا «الحسن الشاذلى» ودخلت فى خلوة ورفضت كل توسلات الأقارب والمريدين وقالت: سيدنا «الشاذلى» جاءني بين غفوة وصحو وقال اجلس هنا، وظلت فى أيامها الأخيرة تدخل مقام مولانا «الحسن الشاذلى» من صلاة المغرب حتى بعد العشاء وفى يوم سكنت فى المقام حتى الساعات الأولى من الصباح وقالت: دنا الأجل وطلبت من مريدها الشيخ  محمد عبداللطيف  الذي رافقها فى الثماني سنوات الأخيرة فى حياتها أن يشترى 20 كرتونة شربات و20 جوال دقيق ويشترى كل الخرفان الموجودة عند الأهالى وأحضرت كفنها الذى غسلته فى ماء زمزم وأخبرت إمام المسجد أن يصلى عليها صلاة الجنازة فى المقام.

ماتت وحمل جنازتها 6 أفراد إلى داخل مقام سيدى «الحسن الشاذلى» فى تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً وصلى عليها الجنازة أمام المسجد الذى انهمر فى البكاء وحملوها إلى مثواها الأخير ليرتاد مقامها الآلاف من كل مكان فى مولدها العامر كل عام.

ويظل مقامها في السبيل الكائن بنهاية درب الطبلاوي بمنطقة الجمالية، فارغاً من جسدها الطاهر، عامرا بروحها الزاهدة ونيتها الخالصة لله ليكون السبيل ملاذ الفقراء والمحتاجين للونس الإلهي والرضا بقضائه ومحبة أوليائه.

فتح البوابة الخضراء دعوة للعابرين أمامها من أصحاب الحاجات ومريدي الشفاعة وطالبي السكينة للروح، ان يدخلوا السبيل في أمان، فالطعام متاح والشراب موجود والاصوات الرخيمة القارئة للقرآن الكريم في تهدج وخشوع لا تنقطع، أما رائحة المسك والبخور والعنبر فهي تنفذ الى مسام جسدك وحواسك طوال إقامتك في السبيل.

بمجرد صعودك درجات السلم المؤدية لعتبة السبيل، يتملكك فضول غريب لمعرفة قصة الست الحاجة «زكية» ودعاءها طوال خشوعها وتسبيحها: «اللهم اجعل طعامي لهم شفاء»، وطقوس حضرتها الربانية  يوم الجمعة من كل أسبوع بعد صلاة العشاء، والاهم من كل ما سبق كراماتها وقطها الذي لم يكن يفارقها آناء الليل وأطراف النهار، ولا يفعل كأفعال جنسه من الحيوانات فلا يتغوط ولا يأكل الا قليلاً وحينما ماتت الست الحاجة «زكية» وجدوه في اليوم التالى قد فارق الحياة بدون علة أو سبب.

الحاجة «نفيسة» هي ابنة الست الحاجة «زكية» والتي جاءتها بعد حرمان طال ثمانية عشر عاماً بعد أن أخبرتها في منام رأته السيدة «زينب» أخت سيدنا الحسين سبط نبينا الكريم «محمد عليه أفضل الصلاة والسلام » ان الفرج قادم والدعاء مستجاب وسوف ترزق بابنة واسمها «نفيسة» قبل ان تولد وتراها، ولكن الست الحاجة «زكية» فارقت ابنتها «نفيسة» بعد عام والنصف من ولادتها لتجاور أهل البيت ومقامات الأولياء الصالحين في قاهرة المحروسة قاطعة الطريق من بلدتها «ميت مرجرة» سلسيل بمحافظة الدقهلية في ساعات خمس ذهاباً وآياباّ، حتى جاءت لحظة الكشف الالهي والولوج الى عتبات القرب من مقام سيدنا الحسين المقرب للحبيب المصطفى «محمد» فباعت الست الحاجة «زكية» ورثها من والدها وقامت بشراء السبيل المكون من أربعة بيوت مجاورة لبعضها وهبت غرفهم الاربعين لله وفي خدمة عبادة وقضاء حوائجهم.

طلبت لقاء الحاجة  نفيسة  ابنة الست الحاجة «زكية» والتي تسكن في السبيل منذ سنوات بعيدة ويقيم حفيدها «محمد» الحضرة في السبيل يوم الجمعة من كل أسبوع بعد صلاة العشاء فيتلى القرآن وتطلق أعواد البخور وتقرأ دلائل الخيرات شعراً في آل البيت النبوي.

جاءتني الست «نفيسة» من فتحة أحد بيوت السبيل، خطواتها بطيئة متثاقلة تحمل سنواتها الثمانين، ولكن وجهها وضاء يشع بنور من أغتسل لتوه بالماء والثلج، كلماتها قليلة تقطعها مسافات صمت طويلة كمن يريد ان يتذكر ولا تسعفه قوة الذاكرة ووميضها تقول: لم أنادها يوماً بأمي، بل هي عندى في القلب الست الحاجة، من رباني زوجة والدي الشيخ «محمد المهدي» ابن خالة الحاجة «زكية» والذي اشفق عليها من سفرتها اليومية لتجاور آل البيت ومقام سيدنا الحسين، فوهبها لله مطلقاً حريتها لكي تقيم الوصل مع الله وتعيش في كنف المقام الحسيني، وأذكر انها أخبرتني ان ما بعته من ورث والدها لكي تقيم السبيل ولا تترك لي شيئاً يعينني على الحياة، في ان السر في اللقمة وما تأخذينه باليمين يرد بالشمال، لذلك لدي سلام داخلي ورضا تام بما فعلته الست الحاجة، ومنذ وفاتها وانا اسكن السبيل ولا أرد محتاجا، وعابر السبيل يقيم عندي ثلاثة ليال حتى يفرج الله عليه بمسكن او تأتيه من أهله معونة، واذا لم يستطع فيمكث في السبيل كيفما يشاء من ايام .

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل