المحتوى الرئيسى

هل يشكل الوعي نوعاً جديداً من المادة؟

11/07 16:27

لا يحب العلماء التحدث كثيراً عن الوعي (Consciousness). إذ لا يمكنك رؤيته ولا لمسه، وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي يبذلها بعض الباحثين، لا يمكنك تحديد مقداره أيضاً. وفي العلم، إذا لم تتمكن من قياس شيء ما فإنك ستقضي وقتاً صعباً في محاولة شرحه.

لكن الوعي موجود، وهو أحد أكثر الجوانب الأساسية التي تجعل منا بشراً. ومثلما استخدمت المادة المظلمة (dark matter) والطاقة المظلمة (dark energy) لملء بعض الثغرات في النموذج القياسي للفيزياء، اقترح الباحثون أنه من الممكن النظر في الوعي كحالة جديدة للمادة.

لنوضح الأمر، لا يزال كل هذا مجرد فرضية يجب أن نأخذها بحذر شديد، لأننا نقف على عالم من الافتراضات وهناك مجال كبير لدحض الحقائق هنا. لكن هذا جزء من الحركة النامية بهدوء في الفيزياء النظرية وعلم الأعصاب في محاولة لربط بعض المبادئ الأساسية بالوعي لكي يكون أكثر قابلية للرصد.

وضع هذه الفرضية لأول مرة عام 2014 عالمُ  الكونيات والفيزياء النظرية ماكس تيغمارك Max Tegmark من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، الذي اقترح أن هناك حالة من المادة -مثل الحالة الصلبة والسائلة والغازية تماماً- تترتب فيها الذرات لمعالجة المعلومات وإثارة الذاتية (subjectivity)، والتي تعتبر جوهرياً الوعي. 

ما هو الاسم المقترح لهذه الحالة من المادة؟ بطبيعة الحال "الإدراكية" (Perceptronium)!

يشرح تيغمارك في ورقته العلمية المنشورة في مجلة Chaos, Solitons & Fractals: "درس أجيال من علماء الفيزياء والكيمياء ما يحدث عندما تجمع أعداد كبيرة من الذرات معاً، ليجدوا أن سلوكها الجماعي يعتمد على النمط الذي يتم ترتيبها وفقه: الفرق الرئيسي بين الحالة الصلبة والسائلة والغازية لا يكمن في أنواع الذرات، بل في ترتيبها.

في هذه الورقة، أظن أن الوعي يمكن أن يُفهم حتى الآن كنوع آخر من المادة. مثلما أن هناك عدة أنواع من السوائل، هناك عدة أنواع من الوعي. ومع ذلك، لا ينبغي أن يمنعنا هذا من تحديد وقياس ونمذجة وأخيراً فهم الخصائص المميزة المشتركة في جميع الأشكال السائلة للمادة (أو جميع أشكال الوعي للمادة)".

بشكل أوضح، لا يرشح تيغمارك فكرة أن هناك كتلاً مادية للإدراكية تقطن في مكان ما في الدماغ وتمر من خلال الأوردة لتضفي شعوراً من الوعي الذاتي. إنما يقترح أن الوعي يمكن أن يُفسر على أنه نمط رياضي (mathematical pattern)، وهو نتيجة لمجموعة معينة من الظروف الرياضية.

كما يضيف تيغمارك، بأنه كما هناك بعض الشروط التي بموجبها يمكن أن تنشأ حالات مختلفة من المادة -مثل البخار والماء والثلج-، فكذلك يمكن أن يحدث هذا لأشكال مختلفة من الوعي. ستساعدنا معرفة ما يلزم لإنتاج هذه الحالات المختلفة من الوعي تحت ظروف يمكن رصدها وقياسها في الحصول على جوهِره وماهيته بالضبط، وماذا يعني ذلك للإنسان، أو لقرد، أو لبرغوث، أو لحاسوب فائق (supercomputer)!

استلهمت الفكرة من خلال عمل عالم الأعصاب جوليو تونوني Giulio Tononi من جامعة ويسكونسن في ماديسون، الذي اقترح في عام 2008 أنه إذا أردت إثبات أن شيئاً ما يملك وعياً، عليك إثبات سمتين محددتين. والسمة الأولى وفقاً لنظريته حول المعلومات المتكاملة (integrated information theory, IIT) هي أن الكائن الواعي يجب أن يكون قادراً على تخزين ومعالجة وتذكر كميات كبيرة من المعلومات.

والسمة الثانية كما توضح مدونة arXiv.org: "يجب أن تُدمج هذه المعلومات في كائن موحد، بحيث إنه من المستحيل أن تقسم إلى أجزاء مستقلة. وهذا يعني أن الوعي يجب أن يؤخذ كاملاً، ولا يمكن تقسيمه إلى أجزاء منفصلة. يجب أن لا يكون أي كائن أو نظام واع قادراً على تخزين ومعالجة المعلومات فحسب، بل يجب عليه أن يفعل ذلك بطريقة تُشكِّل كلاً كاملاً لا يتجزأ".

إذا ظهر لك بأنه من المحتمل أن يمتلك حاسوب فائق هذه الصفات، فهذا مقارب لما يريد تونوني توضيحه. وكما كتب جورج جونسون George Johnson لصحيفة نيويورك تايمز: :توقعت فرضية تونوني بمقدار كبير من الرياضيات أن أجهزة بسيطة مثل منظم الحرارة أو الصمام الثنائي الضوئي قد تمتلك بصيصاً من الوعي، كشخصية ذاتية".

وفي حسابات تونوني، لا يعني ذلك "البصيص من الوعي" بأنه مساوٍ لنظام واعٍ، وحتى أنه جلب وحدة تدعى فاي أو Φ، يقول بأنه يمكن استخدامها لقياس مدى وعي كيان معين. بعد ست سنوات من ذلك، اقترح تيغمارك أن هناك نوعين من المواد التي يمكن النظر فيها وفقاً لنظرية المعلومات المتكاملة IIT.

والنوع الأول هو "الحاسوبية" (computronium)، الذي يلبي متطلبات السمة الأولى في القدرة على تخزين ومعالجة وتذكر كميات كبيرة من المعلومات. والثاني هو "الإدراكية" (perceptronium)، الذي يفعل كل ما سبق، ولكن بالطريقة التي وصفها توتوني ككل كامل لا يتجزأ.

يستكشف تيغمارك في ورقته عام 2014 ما يعرف باسم المبادئ الأساسية الخمسة التي يمكن استخدامها لتمييز الحالة الواعية من النظم الفيزيائية الأخرى مثل المواد الصلبة والسائلة والغازية -"المعلومات والتكامل والاستقلال، والديناميكية، ومبادئ المنفعة".

ثم أنفق ما يقارب الثلاثين صفحة في محاولة لشرح كيف أن طريقته الجديدة في التفكير بالوعي يمكن أن تفسر منظوراً إنسانياً فريداً من نوعه على الكون، ووفقاً لمدونة arXiv.org: "عندما ننظر إلى كوب من الماء المثلج، ننظر للسائل ومكعبات الثلج الصلبة كأشياء مستقلة على الرغم من أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً كجزء من النظام نفسه. كيف يحدث هذا؟ من جميع النتائج الممكنة لماذا ندرك هذا الحل؟".

إنها فكرة غير مكتملة، لأن تيغمارك لا يملك الحل. وكما قد تكون خمنت، إنها ليست من ضمن الأشياء التي يحرص أقرانه على التفكير بها ومحاولة حلها. ولكن يمكنك أن تقرأ أفكاره بنفسك في ورقته العلمية التي نشرت في مجلة Chaos, Solitons & Fractals. 

هذه هي المشكلة مع شيء كالوعي - إذا كان لا يمكنك قياس محاولاتك لقياسه، فكيف يمكنك أن تكون متأكداً من أنك قمت بقياسه أصلاً؟            

مؤخراً، حاول مجموعة من علماء الفيزياء الوصول لكيفية تحويل وعي الإنسان إلى جسم صناعي -الأمر جدّي هناك مبادرة ناشئة تحاول تحقيق ذلك- واقترح مجموعة من العلماء السويسريين بأن الوعي يحدث في "شرائح وقتية" (time slices) التي تبتعد عن بعضها مئات الميليات من الثواني.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل