المحتوى الرئيسى

ضربة استباقية

11/07 01:35

حاجج رئيس الأركان غادي آيزنكوت مؤخرا، بأنهم «يظلمون أفيف». وكان آيزنكوت يشير بذلك إلى مسودة تقرير شديد اللهجة لمراقب الدولة، والذي وجه انتقادات لأداء شعبة الاستخبارات برئاسة الجنرال أفيف كوخافي في مسألة الأنفاق في قطاع غزة. وآمن رئيس الأركان أن مراقب الدولة ورجاله يبالغون في معالجتهم المتصلبة لكوخافي، الذي يقود حاليا الجبهة الشمالية. وقد جاء الرد يوم الخميس ببلاغ مشترك من رئيس الأركان ووزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان: كوخافي سيعين في منصب ناب رئيس الأركان المقبل.

ونشر البلاغ، تحديدا في هذا التوقيت، يشكل دس اصبع في عين مراقب الدولة، القاضي المتقاعد يوسف شابيرا، من جانب الوزير ورئيس الأركان، حيث سينشر التقرير حول «الجرف الصامد» كما يبدو في نهاية الشهر المقبل. وحول مقاربة ليبرمان للتقرير كان يمكن أن نعرف في منتصف الأسبوع، حينما تحدث أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. وقد دعا ليبرمان هناك إلى عدم دحرجة المسؤولية عن أخطاء الحرب الأخيرة في غزة على الجيش الإسرائيلي. وقال إن «كل محاولة لجر الجيش لمواجهة حول الجرف الصامد ليست صائبة. الجيش نفذ القرارات التي بلورها المستوى السياسي. لا تحاولوا جرّنا إلى هذا السجال غير الضروري». وظاهريا قال الكلام لأعضاء الكنيست لكنه فعليا كان موجها لمراقب الدولة.

وكوخافي ابن 52 عاما، كما يبدو الأبرز بين جنرالات جيله، يعتبر منذ فترة طويلة مرشحا متفوقا للحلول مكان نائب رئيس الأركان الحالي، الجنرال يائير غولان (ونتيجة لذلك، أيضا كمرشح متفوق لمنصب رئيس الأركان المقبل، أيضا بسبب أنه في الأغلبية الساحقة من الحالات تم تعيين من خدم كنائب لرئيس الأركان في الفترة الأخيرة). ولكن برزت في الطريق في منتصف العام الأخير عقبتان محتملتان. الأولى، وزير الدفاع السابق، موشي يعلون، الذي يرى في كوخافي مقامرة مضمونة، استقال من منصبه وحل مكانه ليبرمان الذي لا يملك معرفة سابقة فعلية بالمرشحين. وثانيا، مسودة تقرير مراقب الدولة التي صاغها رئيس الدائرة الأمنية في مكتبه، العميد احتياط يوسي باينهورن، ووزعت على المعنيين.

وهناك أسباب عدة من أجلها يمكن توجيه انتقادات للاستخبارات في «الجرف الصامد». فقطاع غزة كان ضمن أولوية متدنية نسبيا في ميادين الاهتمام الاستخباري لإسرائيل قبل الحرب. وشعبة الاستخبارات العسكرية أخطأت في جانب من تكهناتها بشأن نيات حماس أثناء القتال وأيضا في تركيز الاهتمام على جمع المعلومات الاستخبارية عن الأهداف وإيصال هذه المعلومات للوحدات المقاتلة في الميدان (وهو تحسن يستحق بذاته الثناء) وهو مثار خلاف على خلفية الزعم بأن الأمر جاء بقدر ما على حساب جودة التحليل الاستراتيجي. ولكن في هيئة الأركان شعروا أن مسودة التقرير تلاحق بشكل مبالغ به كوخفي ورئيس وحدة أبحاث زمن الحرب العميد إيتي بارون. كل هذا في وقت لم تبرز فيه دور الشاباك، الذي كانت له أيضا مسؤولية عن تقييم خطر الأنفاق في قطاع غزة.

ونقطة اتهام إضافية تعلقت بتقاسم المسؤولية مع المستوى السياسي. فالتشديد على أخطاء الاستخبارات، كما يرون في هيئة الأركان، تساعد في تحرير الحكومة، وخصوصا رئيسها، من المسؤولية. والوزير يوفال شتاينتس، وهو أحد أبواق بنيامين نتنياهو، وجه الأنظار لذلك بشكل محدد عندما قال قبل أسبوعين إن وزير الدفاع يعلون ورئيس الأركان في زمن الحرب، بني غانتس، هما المسؤولان عن معالجة أمر الأنفاق. وليبرمان في الكنيست، وقبله الوزير نفتالي بينت، قالا ردا على ذلك أقوالا مناقضة. بينت دعا إلى عدم دحرجة المسؤولية على الجيش الإسرائيلي وزعم أن «المقاتلين يستحقون أن يتحسن المستوى السياسي». وقد التقى كوخافي مؤخرا في جلسة متوترة مع رجال مراقب الدولة بشأن المسودة، وكان برفقته المدعي العسكري العام، العميد شارون أفك، ومحام مدني.

وحتى بعد الإعلان عن ترفيع كوخافي، بقيت أسئلة عدة مفتوحة: هل أن مراقب الدولة سوف يغير صياغاته الحادة تجاه شعبة الاستخبارات؟ (من تبادل الاتهامات بين الطرفين في الشهور الأخيرة يتبين أنه قد يطرأ تلطيف في الصياغات) فهل سيبدي ملاحظة حول قرار ترفيع كوخافي؟ وهل في محيط نتنياهو ستفتح جبهة جديدة مع الجيش، استمرارا لكلام شتاينتس، عند نشر التقرير؟

والاستخبارات التي تنال إهتماما واسعا في المسودة، هي فقط جزء صغير من النقاش. وهناك قضيتان أشد مركزية ـ الإمكانية السياسية لمنع الحرب قبل نشوبها وجودة استعدادات الجيش العملياتية للمواجهة مع غزة، وفي الأساس معالجة الأنفاق. والقضية الأولى تقع تماما في دائرة مسؤولية المستوى السياسي، ولكن في الثانية ثمة غير قليل من المسؤولية على نتنياهو. فالتطورات تتعلق بصياغات مراقب الدولة، والشكل الذي ستغطى به في وسائل الإعلام (في هذا الشأن، على الأقل، يبدو أن رئيس الحكومة يبذل أقصى جهده للاستعداد سلفا)، وبمدى الخطر المتوقع من القضية على نتنياهو، وفق تقديره.

ورسالة ليبرمان وآيزنكوت للمراقب، في كل الأحوال، واضحة جدا. فطالما أنت تتردد طوال أكثر من عامين في صياغة التقرير النهائي حول المعركة في غزة، ـ الجيش الإسرائلي استخلص العبر المطلوبة واستعد للحرب المقبلة. وفي نظرنا، فإن ادعاءاتك ضد كوخافي لا تستند لأساس ـ وأيضا لهذا السبب نحن نستبق الأمور ونعلن قرار التعيين.

والبلاغ المشترك قد يشير أيضا إلى المزاج الحالي لدى ليبرمان. فسلوكه في الشهور الأولى بعد تعيينه للمنصب في أيار الفائت أثار لدى قسم من قادة هيئة الأركان ووزارة الدفاع الانطباع بأن الوزير جاء للمنصب فقط لفترة محدودة، لأنه يتوقع انهيار الائتلاف والذهاب إلى انتخابات جديدة بسرعة نسبيا. وجزء من هذا الانطباع ينبع من فوارق الأسلوب بينه وبين سلفه يعلون. وليبرمان يقضي ساعات أقل في وزارة الدفاع، والاجتماعات التي يعقدها في الغالب قصيرة جدا (وقلة صبره معروفة من مناصبه السابقة) وهو أقل تعلقا بالتفاصيل. ومع ذلك، تبين أن هذا التقدير كان خاطئا. وحاليا يبدو أن ليبرمان يبني على البقاء في المنصب لفترة طويلة. ومنطقي أنه يدرك مزايا الشعبية الكبيرة لمنصب وزير الدفاع، طالما لا توجد حرب فاشلة. فكل إعلان من جانبه يحظى دوما بتغطية إعلامية بارزة وتقريبا كل ظهور له في التلفزيون تصاحبة مرافقة حربية من ضباط وجنود حوله، ويستقبله الجمهور جيدا. وهذه نقطة انطلاق سياسية جيدة بالتأكيد يهتم ليبرمان باستغلالها. ووفقا لذلك، يبدو أنه جرت محاولة لإيجاد نقطة توازن آيزنكوت، والذي معه منظومة العلاقات في بداية الطريق بدت غير مبشرة. وفي قرارهما المشترك حول جولة التعيينات الحالية، التي تبلورت خلال وقت قصير نسبيا، يمكن رؤية إشارات حول محاولة تنسيق محسنة بين الوزير ورئيس الأركان.

وفي الحيرة التي سبقت القرار ظهرت أسماء مرشحين آخرين لمنصب نائب رئيس الأركان. والمركزيين بينهم كانوا قائد الجبهة الجنوبية في زمن الحرب الأخيرة، سامي ترجمان وقائد سلاح الجو، الجنرال أمير إيشل. ترجمان الذي هو الآن في إجازة تعليمية، سوف يخرج من الجيش قريبا. أما إيل فسيترك الجيش بعد حوالي عام، بعدما ينقل القيادة عن سلاح الجو للجنرال عميكام نوركين، الذي أعلن أمس أيضا أمر تعيينه. وكان لترشيح إيشل لمنصب نائب رئيس الأركان مؤيدون كثر، ولكن لم يسعده وجود سابقة، تحولت إلى عقبة يصعب اجتيازها. وهي فشل دان حلوتس كرئيس للأركان، في الولاية القصيرة التي قطعت باستقالته السريعة إثر حرب لبنان الثانية، وهذا ما سد طريق الترفيع أمام طيارين لرئاسة الأركان على الأقل لعقد أو عقدين مقبلين.

Comments

عاجل