المحتوى الرئيسى

هاني محمود يكتب: وهَمْ (أعلم أهل الأرض)

11/06 10:16

تشعر أن المتدينين المسلمين بحالةٍ من الضعف الفكري والخواء الروحي تجعلهم يستمسكون بقشور الأمور دون جوهرها الثمين، وإذا اقتربت إلى علمائهم تجد هالةً من القداسة يُقيمها المتدينون حول شيوخهم بدون وعي أو معرفة، تجعلهم في حالة من الحيرة ما بين أن الإسلام لا كهنوت فيه وأن كُلًا يُأخذ منه ويُرد إلا صاحب هذا القبر وشيخهم المزعوم طبعًا.

أشدُ أوهام المتدينين قسوةً بعد -وهَمْ (أعداء الدين)- هو أنَّ الشيخ الفلاني (أعلم أهل الأرض) قاطبةً، قد يكون هذا الشيخ لا يفقه من أمره شيئًا غير بضع أفكارٍ بالية –عفا عليها الزمن– لها من القِدم مئات السنين، لم يقم بتجديد فكرة أو تأويل مُختلف للنصوص الدينية، أو حتى إنتاج رؤية مغايرة لما اعتدنا عليه، كل ذلك وهو ما زال أعلم أهل الأرض، المقياس مجهول هنا، للحكم بأن ذلك الشيخ أو العالم هو أعلم أهل الأرض، والمطلوب لاستخدام صيغة (أفعل / أعلم) هو مشاهدة الكل بهدوء وبدون تعصب وعمل فرز للأطروحات الفكرية لكل منهم ثم الخروج بتلك المقولة المزعومة التي ولله الحمد ثبت عكس صحتها.

حينما يبدأ ذلك الذي يُدعي بأنه أعلم أهل الأرض بالحديث، فتكتشف أنه أجهل أهل الأرض وأعظمهم غباء ودناءة روح وفقدان للرؤية، أحدهم يقال عنه –أعلم أهل الأرض بالحديث– هكذا يسمونه أتباعه، قال إن نكبتنا الحالية أننا توقفنا عن الغزو للأمم الأخرى والحصول على السبايا والغلمان، وأن حالنا سيكون أفضل لو غزونا الأمم الأخرى وقمنا ببيع نسائهم في أسواق العبيد، وطبعًا لن يكون الغزو إلا بالسيف وخلفية المشهد –موسيقية– عذرًا نسيت أن الموسيقى حرام، خلفية المشهد نشيد إسلامي عظيم (خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود)، ولا يعلم أننا ابتلينا بأقوام ظنوا أن الله لم يهد سواهم.

الزعم بأن فلان أعلم أهل الأرض قاطبة مقولة عامة، قد تصير أكثر خصوصية حينما يحددون أنه أعلم أهل الأرض بالحديث أو التفسير أو أي علم يقوم على أساس الدين، وبنسبة كبيرة هذا الزعم لا يقابله منهج فكري خطَّه الشيخُ لنفسه، أو رسالة دكتوراه أو كتاب مُؤَّلف جديدٌ في بابه، نفس الكتب التي يقرؤها حتما ستقود إلى نفس الفكرة والرؤية، نفس المقدمات تؤدي إلى نفس النتائج، ولا خروج مما نحن فيه إلا برفض القداسات والتعامل مع جميع البشر من منطلق أن لديه بضاعة يعرضها عليَّ، ومن حقي أن أرفض أو أقبل وأن أسأل ولا يُحجر عليَّ، تلك هي ألف باء (حقوق إنسان).

اللهم إني أسألك أن تكفينا شر صيغ المبالغة (أفعل وأخواتها) التي كانت نكبة علينا، وأن تكفينا شرَّ التأويل الخاطئ والحكم الزائف دون تبصرة لما خفي وراء السطور، وأعنَّا يا كريم على طرح السؤال دون خوف من سلطة تكفير أو تخوين.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل