المحتوى الرئيسى

دينا العزباوي تكتب: عالم بلا زمان ولا مكان

11/06 10:03

تلك اللحظات التى تكون فيها بين الوعى واللاوعى فى بداية نومك، وكأن شيئين يحاول كل منهما جذبك بإتجاه معاكس للآخر، بينما أنت فى حالة من الاستسلام التام، فقط تقف وتنتظر من منهما سيكون الأقوى والأقدر على حملك معه، ولكن دائما ما تتمنى أن تكون النهاية السعيدة لصالح اللاوعى الذى يأخذك طائرا إلى عالم آخر.. عالم له قوانينه الخاصة أو ربما ليس له أية قوانين، وهذا هو ما يميزه حقا، فالشئ الرائع فى اللاوعى هو أنك فيه لا تعرف كيف ولا أين ولا متى. لا تدرك غير أنك تشبه الريشة التى يحملها الهواء معه أينما شاء دون إرادة أو حسابات محددة، فإما أن يكون هذا الهواء نسيما رائعا يأخذك معه لأروع اللحظات والأحلام الوردية التى قد تكون فيها كل شئ أو تملك كل شئ أو لا تملك أي شىء ولكنك لا تكترث أبدا، ويأخذك للمعنى الحقيقى للحرية والانطلاق أو قد يكون هذا الهواء ما هو إلا عاصفة من الرياح والغبار يأخذك إلى عالم أيضا غير مقيد بقوانين، ولكن ممتلئا بأحداث مخيفة أو مغامرات مرعبة، وتجد نفسك فى كابوس، وتود لو أن يتحد العالم كله ليصفعك على وجهك لتستفيق منه، ولكن مهما حدث فما لا ينكر أن هذه اللحظات التى نتأرجح فيها بين الوعى واللاوعى هى لحظات ذات طبيعة خاصة جدا.

كم أتمنى لو أن أرى فيلما يوضح كل حركة وتفصيلة صغيرة تحدث فى خلايا المخ فى هذا الوقت، فهناك مشهد طفولى اتخيله منذ الصغر عن أنه فى هذا الوقت هناك مصابيح تنطفئ وأخرى تنير بإضاءة خافتة وأخرى تبدو وكأنها جهاز إنذار، فلابد أن جزءا ما في المخ يكون فى حالة تأهب تام ليتحمل مسئولية الجسد فى هذا الوقت؟ ويالها من مسئولية! حتى ينطلق فينا الشخص الآخر. الشخص الذى يكمن بداخلنا دون أن نعلم، والذى يعرف عنا أمورا قد لا ندرك حقا أننا ندركها.

ذلك الشخص الذى يهتم بكل تفصيلة نمر بها فى يومنا منذ أن ولدنا، والذى يفعل ما يشاء فى نومنا دون أن يكترث لأى شئ -فكما ذكرت سابقا عالم الأحلام لا يخضع لتلك القوانين السخيفة التى تحيط بنا- فى الأحلام يتمدد المكان والزمان لدرجة أن العالم كله قد يقبع فى حجرة نومك، وأن المحيط الأطلنطى قد يمر من فوق سريرك دون اندهاش، وأن أحداث مائة عام بكل تفاصيلها قد تمر فى ثانية واحدة، فما أثبته العلماء أن المدة التى يقع بها الحلم قد تستغرق 6 ثوانٍ فقط، وأنت تتخيل أنك ذهبت وتكلمت وتشاجرت وزرت أنحاء المدينة والمدن المجاورة، بل وركبت سفينة فضائية متجهة لكوكب المريخ وعدت مرة أخرى للأرض وتزوجت وانجبت.. كل هذا فى بضع ثوانٍ فى العالم الحقيقى، بينما في الأحلام لا مراعاة لزمان أو لمكان، فأنت فقط تنطلق وتحلق ويأخذك عقلك الباطن إلى أشياء لا تعرف حتى أنك تفكر بها أو يأخذك إلى أشياء تطمح إليها على أرض الواقع، ولكن لا تستطيع تحقيقها، وهذا ما أقره فرويد فى محاولته لتفسير كيفية حدوث الحلم، حيث أكد أن الأحلام مرتبطة بالرغبات المكبوتة لدى الإنسان والتى لا يستطيع تحقيقها فعليا، ولكن أيضا هناك أحلام لا ترتبط بأى دوافع أو رغبات أو حتى أشياء قد فكرت بها مسبقا، وهذا قد يفسره البعض من الناحية الروحانية على أنها رسائل من الله تخص المستقبل.

وهناك أحلام لا ترتبط برغبات ولا مستقبل ولا أى شى، فهى مجرد أحداث متسلسلة، وقد تكون حتى غير منطقية فى هذا التسلسل، ولا تستطيع أن تسأل عن كيفية أو موعد أو مكان حدوثها، وعليك فقط أن تعيشها حتى ينتهى الوقت.

فماذا لو تحرر عالمنا الحقيقى من قوانين الزمان والمكان هو الآخر؟ ماذا لو انتقلنا إلى أي مكان متى نشاء؟ ماذا لو انتهى الوقت حتى إننا لم نعد ندرك هل هذا الحدث يحتاج أعواما أم فقط ثانية أو حتى لا ندرك تلك المسميات التى تخص الوقت من عام ليوم أو ثانية؟ ماذا لو تلاشت القوانين؟ هل تنتهى العوائق أم أن عقلنا الواعى هو من يختلق العوائق ويصر على وجودها؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل