المحتوى الرئيسى

"أبو ذكري".. القلب المقام على صورة بشر!

11/05 14:25

في عاداتنا الشرقية، حرامٌ أن تُحب، والحرام الأشنع أن تبوح بكونك محبِّاً أو محبوباً، لكن الحرام البالغ الذي ترتاب منه العقول على الدوام هو أن يحب المرء صديقاً حباً بالغاً لا قعر له ولا ساحل، ثم يبوح بهذا الحب كتابةً وتعبيراً ونشراً.

نعم، أنا هنا أقترف هذا الحرام في شرع العادات، الحلال المصفّى الزلال في شرع أولي الألباب.

المكتوب في رحم هذه الصحيفة لا يبدو - وإن كان على هيئتها - كلمات، وإنما هو خفقات تغمرها خفقات، وتباريح تتعاقب عليها تسابيح ومواجيد تنثر بذور الحب فتنبت سنابل قائمة على أصول الشوق تعجب المحبين لتغيظ بها الغلاظ.

وأما الدليل، فقيسوا مسافة ما بين القلب واللسان في هذه الصحيفة، فلا بُدّ أن تجدوها مسافة القصر، والقصر في شريعة المحبين من الكبائر لا من الرخص. وأنا إذ أتأفف من لَمَم الحب وذنوبه، فهل أجترح كبيرة تردني في شقاء الهجر؟! اللهم لا.

أحمد أبو ذكري قلب خلقه الله لكنه في صورة البشر، وروحٌ برَأها الرب لكنها في هيئة الإنسان. ومولانا القدوس لا يُسأل عما يفعل؛ فهو خالق الذرة الصغرى وهو رب الشعرى، وهو فاطر الجنين من رحم ظلمات الأم، وهو الباعث للرميم من رحم الأرض، وخلق ما نعلم وما لا نعلم، ثم هو خالق أبو ذكري في هذه البشرية.

ووجود قلب قائم منير في هذا الديجور الحالك يبعث في النفوس المعتمة من ظلمات الحياة أنواراً تملؤ جنبات الأرض ومعارج السماء، ثم تظل تصّعد فيها إلى معارج لا نطالها حتى تبقى بين أجنحة الملائكة فيطيب لهم فيها الحديث والكلام!

ما بيني وبين أبو ذكري - وهو لقبي المحبب لي وله - لم تتعاقب عليه ليالٍ طوال ولا أيامٌ خوالٍ، ولم تمضِ عليه سنون عاتية تبقى عند عوام المحبين حتى تتوطد بها العلائق وتترابط بها العُرى، وإنما هي شهور تحسبها اليد الواحدة وأيام تحصيها في غير ما مشقة ولا عنت. أما الضنى كله، والعناء الذي دونه خرط القتاد، أن تحاول حين أمر مريجٍ إحصاء ما أنبتت تيك الأيام والليالي من حب بهيج.

وجه صبوح دائم البسمات التي تُنسي كل عبوس، وناصية حينما تطْلع عليك كأنما خرجت لتوّها من لقاء كان معقوداً مع الملائكة، وصوت رقراق حين يتهادى إليّ عبر الأثير مفتتحاً كلامه: (حبيبي.. هشوفك امتى؟ )، فتنسى ما أنت فيه من كدر. ثم حين تطرح القضايا للحديث، نظر إليك بعين مفتوحة وثغر مبتسم، ثم يتكلم بكلمات بسيطة معبرة، ويظل يرسل ضحكات بريئات تجعل من الحديث ألفة ولو كان حديثاً جافاً جفاف الصيف اللاهب.

هذا ليس من أمانيّ المجنونة، وإنما حقيقة أنا مؤمن بها ومصدّق لها، وتابع لما أتت به. وأبو ذكري يحب من كلامي كلامَيْن: ما درجنا في شوارع القاهرة، أو عرجنا إلى جبل المقطم، أو دلفنا إلى مطعم قزاز الشهير وسط البلد، أو مشينا إلى أحد الناس نزورهم، أو جلسنا في حضرة فعالية شبابية - إلا أحب أن يكون مثارَ الحديث ومثار الأشجان؛ أولهما العاطفة والحب، وهو يعشق العاطفة إلى حد التقديس، ويهوى أن يسمع ما يرقق القلب منها ويحنن الفؤاد إليها، وهو إذ يكون في مزاج كمزاج العنب الراقي يغمزني ويلكزني أن أرتل عليه شيئاً من أبيات الحب منثورة أو منظومة.. ثم يضحك الضحكات العالية البريئة في جذل ما وجدت على الدنيا مثله.

وأما الكلام الثاني، فهو الذي يحب أن يسمع عنه ولا يتكلم فيه؛ وهو حديث الفلسفة والعقائد.. وهو يعرف مذهبي فيها، فإذا كنا في حضرة قوم جلوس ظل يغمزني ويقول: "ادينا حتة كفر يا بلال". فأضحك حتى الثمالة وأقول تحبُّباً له: يا بني، اسكت، خلينا نلقى الله ونحن نؤمن به!

أحب في أحمد أنه إنسان، يحمل الإنسانية في قلبه ثم يوزع منها من كفه، سخي العطاء في الحب وفي المال، يهوى صنع العلاقات، ويحب أن يصل لقلوب الناس على اختلاف دينهم ولونهم ومذاهبهم دونما عَنَت، والقلوب له مُفضية دوماً بغير مشقة. وحين تقترب منه تجده ليّن الطباع، مخموم القلب، نقيّ السريرة، ينظر إلى هذه الدنيا نظرة عميقة غير ما ينظر إليها كثير من الناس ويؤمن بالإبداع ويكفر كفراً بواحاً بالعادة، ويظل يطيل الفكر في ما ألفه الناس دونما تفكير ثم يخرج عليك بفهوم صفيّة عميقة في معناها رقيقة في مبناها!

ثم هو في عمله مجيد متقن وغير من هو مقرب إليه يتنبأ أن يكون يوماً من الأيام رجل أعمال شهيراً يتدفق عليه الرزق غدقاً ثم هو يشكر - بحول الله - ولا يكفر.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل