المحتوى الرئيسى

مستقبل داعش وتشظِّي الإرهاب

11/05 14:25

كما هو معروف فإن الحرب على الإرهاب لن تقضي على الإرهاب بالضرورة، فالإرهاب يكاد يصبح منظمة عالمية، وإذا ما انتهى العراق من داعش فلن ينتهي منه العالم بالمقابل.

من خلال التعبئة الثقافية السابقة لداعش التي هيئ لها بشكل كبير خلال تواجدهم في الموصل والرقة ودير الزُّور، ما يُنبئ أن لا نهاية يمكن توقعها لهذا التنظيم، فيمكن أن يتحول إلى خلايا نائمة تتوزع على عموم العالم تحقق أهدافاً مختلفة في أماكن مختلفة في زمن واحد، ويمكن أن تبدأ بعض المفاهيم الإرهابية بالتغيُّر من خلال استحداث مفاهيم جديدة تخدم مرحلتهم الراهنة.

فكما هو معلوم، فإن مفهوم الجهاد لدى داعش قائم على فرض عين، وأخذ هذا المفهوم بالتحول من كونه كفاية إلى الواجب المقدس الذي يكفر كل مَن لا يسعى إلى تطبيقه، وهو منهج السلفية الجهادية في مقاتلة الأعداء من الغرب والعرب، في محاولة لنشر المنهج القويم حسب وجهة نظرهم، لكن ما يمكن أن يطرأ على هذا المفهوم من استحداث يناسب المرحلة الراهنة مرحلة التشظِّي الإرهابي، هو طريقة استخدامه، فالجهاد والجهاديون واقعون ضمن مؤسسة عسكرية شاملة لها شروطها وقواعدها، ويمارس وفق ما ينص عليه النص القرآني المؤول وفتاوى الخليفة ومعاونيه، لكن مرحلة ما بعد داعش ستجعل منه مع اختفاء تلك المركزية في شتات الجماعات الإرهابية، أن يصبح فعلاً ذاتياً خاصاً يمكن لأي إنسان متعصب تكفيري أن يمارسه في أي مكان من العالم.

مفهوم جهادي، وهذا ما أحاول توضيحه هو ليس المنتمي إلى الجهاد، بل هو من ينتمي الجهاد له، أي الجهادي هو من يتبنى الجهاد بشكل ذاتي، بمعنى أن أي شخص ممكن أن يتحول إلى جهادي بدون أن يكون ضمن المنظومة الإرهابية العامة وبدون حاجة إلى فتوى أو موافقة لممارسة الجهاد، وذلك ضمن تكاليف بسيطة ممكن الحصول عليها بسهولة، كأن يكون سلاحاً خفيفاً أو السلاح الأبيض، ومن كان متابعاً لإذاعات الدواعش وإعلامهم يعرف تركيزهم الكبير على توجيه نداءات متواصلة من خلال إذاعاتهم إلى كل من يؤمن بأفكارهم ومبادئهم في أن يجاهد في سبيل الله وسبيل الدولة الإسلامية، سواء بالانتماء للتنظيم أو من مكان تواجدهم، وخصوصية هذا النوع من الجهاد هي ما تخدم المرحلة الإرهابية القادمة، أي مرحلة التشظي والشتات.

يقول كيسنجر: "إن قرار العدو بشأن ما إذا كان يجب عليه مواصلة القتال لا يعكس فقط علاقات القوى، ولكن أيضاً العلاقة بين تكلفة استمرار المقاومة والأهداف المتنازع عليها، إن القوة العسكرية تقرر الصراع المادي، ولكن الأهداف السياسية تحدد الثمن الواجب دفعه وحدة الصراع"، علينا أن نفهم هنا أن تجريد داعش من جغرافيتها وقوتها المادية لن يشكل طريقة ناجحة في ردع استمرارهم؛ لأن هدفهم الأصولي السلفي الديني التاريخي أعم وأشمل، لا تشكل المادة وجغرافية المكان أي مشكلة، ما يتيح استمرار العمليات الإرهابية إلى ما لا نهاية.

ما يمكن توقعه في الفترة القادمة هو حالة تمرد من قبل داعش بعد انحسارهم في سوريا، بالتالي سيتعرض العالم إلى موجة من التفجيرات والعنف المختلفة بشكل عشوائي، في أزمان وأماكن مختلفة وبصور متنوعة، كما حدث بعد ضرب طالبان والقاعدة في أفغانستان وانحسارهم في الجبال، وهو أدى بهم إلى حرب عصابات وتمرد طال القوات الأميركية وقوات التحالف الشمالي المشتركة، بالتالي ستكون عملية التحشيد مختلفة تحت اسم لربما يكون مختلفاً أيضاً، ذات عمليات استباقية؛ لتبدأ السياسة الإرهابية مرحلة جديدة إذا لم يتهيأ لها مكان جديد.

وهذا ما سيمكن في المقابل أن يكون للمرأة الداعشية دور أكبر في هذه المرحلة بعد إعدادها في المرحلة السابقة من الدولة الإسلامية لتكون أكثر فاعلية في مرحلة التشظي؛ لسهولة تحركها ولدورها الكبير داخل التنظيم من إعداد أجيال تكفيرية تسهم في حفظ النوع الإرهابي من جهة، والتحشيد الذي تقوم به من خلال المواقع الإلكترونية، والتلقين المباشر في النواحي والقرى لجذب الجهاديين والجهاديات من جهة أخرى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل