المحتوى الرئيسى

2016 عام إحباط للأمريكيين

11/04 21:26

أود عزيزى القارئ أن أنقل لك جو الانتخابات الأمريكية والتى أطلقوا عليها «غير المسبوقة»؛ ذلك لأنهم تعودوا أن يكون عام الانتخابات عاما مليئا بالحركة الدءوبة والحوارات القوية والمناظرات الملهمة مع تفاؤل بمستقبل أفضل.

فالاختيار بين كوادر قوية مدربة من الحزبين الرئيسيين الجمهورى والديمقراطى اختيار بين الحسن والأحسن فى الفكر والسياسة والإدارة، مع التركيز على طهارة اليد والصدق... إلخ. لكن ما يحدث فى عامنا الانتخابى الحالى يختلف تماما عما تعودوا عليه من قبل، حيث يعيش الأمريكيون عكس هذه الأجواء تماما؛ فالمرشحان ليسا مصدر ثقة بالمرة بسبب تاريخ أحدهما الملوث ــ هيلارى كلينتون وعدم خبرة المرشح الآخر السياسية –ترامب. وهكذا جاء التعبير التلقائى نحن «بين نارين» وعلينا الاختيار بين السيئ والأسوأ.

سألت صديقا أمريكيا ماذا ترى؟ فأجاب بأن ترامب يبدو كالمجنون أو يتصرف كذلك كى يحدث اختراقا للحالة السياسية المميتة والراكدة التى تعيشها الولايات المتحدة منذ تولى أوباما السلطة. وأضاف أن «ترامب» يبدو أحمقا يصيبك بالتوتر وأنت تشاهده أو تستمع إليه ويستمر هذا التوتر يلاحقك حتى بعد أن ينهى حديثة بفترة. واضح أنه يتحرك بين العقل والجنون. إن ترامب هو الإجابة «رد الفعل التلقائى» للفراغ السياسى الذى أحدثه أوباما بقراراته المترددة وعدم اتخاذه قرارات حاسمة فى الوقت المناسب وأتوقع أن دائرة الحكم القادمة أيا كان على رأسها ستكون رد فعل لإدارة أوباما الخائبة. وعندما رأى صديقى اهتمامى بالأمر دعانى لجلسة تتكون من اثنى عشر مفكرا، ثلاثة منهم ديموقراطيين وستة جمهوريين وثلاثة مستقلين.

يقود الجلسة سياسى محنك محاولا تحليل الموقف من خلال أسئلة يطرحها عليهم. وقد بدأ الجلسة بالترحيب بى وبهم ثم طرح سؤالا على الحاضرين بصيغة المفرد قائلا: إن «كنت تثق ذهنيا أو موضوعيا فى أحد المرشحين ارفع يدك، فلم يرفع أحد يده». ابتسم وجال ببصره فى الحضور وقال: إن «كنت تحب أحدهما ارفع يدك لم يستجب أحد». تجهم وقال بمنتهى الجدية إن «كنت لا تثق أو تحب المرشحين الاثنين»، مشيرا بأصبعيه السبابة والوسطى ارفع يدك فرفع الاثنى عشر أيديهم. هنا انتقل إلى سؤال آخر قائلا: فى رأيكم ما الذى تحتاجه أمريكا اليوم؟ وزع عليهم أوراقا صغيرة لكتابة جملة أو اثنتين على الأكثر. جمع الأوراق وبدأ يقرأ: «نظام تعليمى قوى ومتكامل»، «عدم تدخل أمريكا فى أى حرب قادمة فى أى مكان فى العالم»، «أن يستمتع الناس بما يعملون ويجدون ما يقيم عملهم بعدالة»، «أن تقود أمريكا العالم فى كل المجالات وأهمها الأخلاقيات»، «فرص وإمكانيات متساوية للجميع»، «ألا يفقد أحد بيته الذى يعيش فيه»، «حضارة وثقافة تجعلنا ننمو كبشر وتعمق فى داخلنا إنسانيتنا».

لاحظت أن معظم الأوراق تتحدث عن هموم الوطن والمجتمع فى عمومه كوحدة واحدة وليست مطالب فئوية أو طائفية كما يحدث عندنا رغم أن لديهم جنسيات وأعراق وطوائف ومهاجرين من كل نوع بل وأكثر منا بكثير. قال أحدهم ليس لدينا أهم من المجتمع الأمريكى ككل حيث أن هذا المجتمع هو الذى حرص على صيانة الحرية الفردية تماما وكل فرد أعطاه هذا المجتمع وهذه الحضارة حريته الفردية عليه أن يقلق على المجتمع والحضارة الأمريكية اليوم وغدا وبعد الغد. ثم صمت وانفعل واغرورقت عيناه بالدموع وهو يقول «أمتنا الأمريكية تجتاز أزمة». بعد فترة صمت مقصودة من قائد الجلسة حتى تهدأ الانفعالات صاح هل الجيل الأمريكى القادم سيكون أفضل من الحالى؟ وأشار بيده إلى الحضور وصمت عاقدا ذراعيه على صدره وقبل أن يجيب أحد صاح ثانية من يجيب بنعم يرفع يده ولم يرفع أحد يده فالأمريكيون الحاليون لا يرون أن أطفالهم سيكونون أسعد حالا منهم أو حتى سيعيشوا فى مجتمع أفضل. حينئذ قال القائد إذا كان هذا رأيكم جميعا بدون استثناء فهذا يعنى أنكم تنظرون إلى المستقبل بيأس وإحباط.

بعد فترة صمت وحوارات جانبية قصدها قائد الجلسة سأل: «ما الذى ترى أن أمريكا قد فقدته؟ هنا جاءت الإجابة سريعة وحاسمة ومن عدة اتجاهات فى وقت واحد «الإحساس بالأمان، فالأطفال اليوم غير قادرين على الخروج للعب فى الحدائق بأمان كما كان يحدث معنا فى طفولتنا». بسرعة سأل القائد سؤالا مكملا: «إذن ما الذى ينقص أمريكا؟» أجاب رجل فى منتصف العمر: «الذى ينقص أمريكا هو جو الخمسينيات من القرن الماضى وحتى نهايته. صمت قليلا ثم تابع بحزن شديد هذا الجو لم يعد متاحا بعد أحداث سبتمبر 2001. وهنا سأل القائد هل أمريكا تسير فى الطريق الخطأ؟ هز الجميع رءوسهم بالموافقة. قالت إحدى السيدات «لا يمكنك اليوم أن تصلى فى المدارس كما كان من قبل»، وكانت تقصد تدريس العقائد الدينية المختلفة، فقد أصبح هذا الامر محظورا. قال واحد من الحضور يبدو أن الأمور تسير فى الطريق الخطأ منذ أحداث 11/9 وحتى اليوم فإن الشعب الأمريكى لم يُشف بعد من تأثير هذا الحدث عليه.

كان السؤال التالى: «كيف ترون عام 1916 من وجهة النظر التاريخية الأمريكية؟» أجاب رجل يبدو فى الثلاثين «عام 2016 يبدو كجندى أمريكى ذاهب إلى فيتنام»، بما يعنى أنه لا يوجد فيه شىء طيب أو جيد وليس هناك بديل أو اختيارات. علق آخر أنه يذكرنى بانقسام الأمة حول قرار حرب فيتنام. ولعلك عزيزى القارئ تتذكر حرب فيتنام التى كانت بمثابة مستنقع سقطت فيه أمريكا وكانت هزائمها ثقيلة وخروجها مخجلا. وفى ذلك تشبه سقوط مصر فى مستنقع اليمن عام 1961 والسعودية اليوم. صاح آخر إن عام 2016 يذكرنى بمونيكا لوينسكى المتدربة فى البيت الأبيض هذه الفتاة التى انبهرت بالرئيس كلينتون، فأصيبت بجروح نفسية ما زالت تعانى منها حتى اليوم. ومن خلالها وكلينتون سقطت أمريكا أخلاقيا بداية من القمة نزولا إلى السفح «من كلينتون حتى مونيكا» وما يمثلانه.

غَير القائد الموضوع بسرعة متسائلا «هل هناك نتيجة جيدة متوقعة من هذه السنة الانتخابية؟» خمسة منهم قالوا نعم وبرروا ذلك إن هذا العام سينتهى وقد أنقذنا من الانهيار الكامل، نحن نجتاز تجربة صعبة سوف تبقى فى أذهاننا وتاريخنا وسوف نتعلم منها الكثير. فى نفس الإطار جاء السؤال التالى: «بماذا يذكرك سلوك ترامب وهيلارى فى حملتهما الانتخابية 2016؟» جاءت الإجابة أنه بالنسبة لترامب «إنه يذكرنا بطفل مدرسى طفل ثرى» أما هيلارى «فتذكرنا بروبوت يابانى أو قمر صناعى، إنها تكذب بدم بارد».

جاء السؤال الأخير: «من الذى سوف تنتخبونه؟» قال أحدهم إنه «سينتخب ترامب بكل تأكيد». قال آخر إنه «كان سينتخب هيلارى لكن قرار المحكمة العليا للتحقيق معها فى أمر الإيميلات الأخيرة جعله يتجه إلى ترامب». قالت سيدة «ليس أمامى سوى ترامب مهما كانت عيوبه». قال رابع «إننى سوف انتخب هيلارى آسفا وقد كنت أتمنى أن أنتخب ترامب لكنه لا يعرف متى يصمت ومتى يتكلم! أنا لا أحب كلينتون لكنى سأنتخبها لأنها سياسية ومحنكة». قال خامس «من الصعب علىّ جدا أن أنتخب ترامب». وسادس لم يقرر بعد وسابع سيختار هيلارى لأنها أهون الشرين وثامن قال إن هيلارى تمتلك أدواتها السياسية والقيادة لكن قصة الإيميل وكذبها بهذا الشأن يجعلنى مترددا. «قال التاسع كبرياء ترامب يجعلنى أشمئز سأنتخب هيلارى لأنها تعرف ما الذى تفعله جيدا».

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل