المحتوى الرئيسى

ألمانيا تسعى لحلّ أزمتها مع اللاجئين... بالكوميديا

11/03 20:10

صحيح أن أزمة اللاجئين أثرت سلباً على ألمانيا وزرعت الشقاق بين عائلاتها، لكنها قد تلعب دوراً محورياً في مساعدة هذا البلد على التصالح أكثر مع هويته الليبرالية الجديدة. هذه هي الفرضيّة التي انطلق بها الفيلم الكوميدي الألماني الجديد "أهلاً بك إلى عائلة هارتمان".

منذ بداية العام 2015، رفد وجود أكثر من مليون مهاجر في ألمانيا عالم صناعة الأفلام، لكن الأخيرة أتت بمعظمها في إطار تراجيدي. في فبراير الماضي، عرض التلفزيون الألماني مسلسلاً تحت عنوان "جريمة"، وفي إحدى حلقاته تناول مأساة اختناق مجموعة من المهاجرين في شاحنة، وهي قصة مقتبسة عن واقعة حقيقية حصلت على إحدى طرق النمسا.

وفي مطلع العام الحالي، فاز فيلم "نار في البحر" لمخرجه جيانفراكو روسي، بالجائزة الأولى في مهرجان برلين السينمائي، وهو وثائقي يعرض أزمة اللاجئين عبر روايات يسردها السكان المحليون في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.

غير أن فيلم "أهلاً بك إلى عائلة هارتمان" أتى بمقاربة جديدة. قرّر المخرج سايمون فرهوفن توظيف الكوميديا والسخرية لانتقاد تعامل الألمان مع القادمين الجدد، بينما استخدم بعض الأحداث التي طغت على نشرات الأخبار الألمانية لدعم السياق الدرامي لأحداث الفيلم، الذي افتتح في الصالات اليوم ويضم عدداً من أبرز النجوم الألمان.

وفقاً لصحيفة "الغارديان" البريطانية، بدأ المخرج تصوير مشاهد الفيلم قبل قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اعتماد سياسة الانفتاح على اللاجئين، والاستمرار باستقبال الآلاف المتجمعين في مدينة بودابست في سبتمبر الماضي.

ويأتي الفيلم وسط موجة الانتقادات التي تلقتها المستشارة الألمانية نتيجة هذه السياسة، بينما سرّع الجهاز المركزي الألماني للهجرة واللجوء إجراءات فحص الطلبات، بحسب رئيس الجهاز فرانك يورغن فايزا. وكان الأخير أوضح أن ألمانيا استقبلت خلال الأشهر الماضية التسعة 313 ألف طالب لجوء، مقارنة بـ577 ألف استقبلتهم في الفترة نفسها من العام الماضي. وكشف تقرير الجهاز المركزي أن من بين 660 ألف طلب لجوء بدأ بفحصها منذ بداية العام الحالي، جاء 250 ألف من سوريا و116 ألف من أفغانستان و89 ألف من  العراق و24 ألف من إيران.

وكانت العديد من أحداث الكراهية التي تعرض لها لاجئون في بعض مناطق البلاد شغلت الإعلام الألماني، بينما حاول البعض في المقابل التعبير عن احتفائهم باللاجئين، ومحاربة العنصرية التي يتم التعامل بها معهم. وفي هذا السياق، يأتي عدد من مشاهد "أهلاً بك إلى عائلة هارتمان" لعكس الصراع داخل المجتمع الألماني.

في إحدى المشاهد يعترض الأب ريتشارد على إحضار زوجته لاجئاً إلى المنزل برفقتها فيقول "يكفي أن ميركل دعت العالم الثالث بأكمله إلى بلادنا، لا داعي لأن يحصل الأمر نفسه في منزلنا" هازئاً بـ"متلازمة المساعدة" (الرغبة التي تقود الإنسان لجعل حياة الناس من حوله أفضل) لديها، لتردّ عليه ابنته صوفي قائلة "أفضل من امتلاك متلازمة الحماقة (الحقارة)". في مشهد آخر، تقول صوفي "نحن كألمان لم نتصالح بعد مع هويتنا الخاصة، على الرغم من أننا نعيش في بلد حر ومتسامح وعظيم"، مردفة "علينا الدفاع عن تلك القيم".

في الفيلم، يمثل ديالو (الممثل البلجيكي إيريك كابونغو) اللاجئين، فهو مهاجر نيجيري في ألمانيا يسعى للحصول على حق اللجوء، تستضيفه عائلة ألمانية ميسورة في ميونخ بعدما زارت الوالدة أنجليكا (سينتيا برغر) مخيماً للاجئين. والعائلة مؤلفة، إضافة إلى المدرسة المتقاعدة أنجليكا، من الأب ريتشارد الذي يواجه أزمة منتصف العمر، والابنة صوفيا (الممثلة النمساوية - التونسية الياس مبارك) التي فشلت في قصة حب حياتها، والابن فيليب المهووس بالعمل، والحفيد باستي غير الناجح مدرسياً.

شارك غردبعيداً عن التراجيديا التي يقارب بها الفن والإعلام اللجوء، فيلم يوظف الكوميديا والسخرية لانتقاد تعامل الألمان مع اللاجئين

وفي أحد مشاهد الفليم، يلاحق سائق التاكسي صوفي بعد أن ينقذها من تحرش جنسي، مذكراً بالواقعة التي حدثت في مدينة كولونيا عشية عيد الميلاد، عندما تم التحرش بأكثر من 1200 سيدة ألمانية، واتهم المهاجرون في ذلك، ليبيّن خطأ الاتهام لاحقاً.

في دعاية الفيلم، يقول ديالو إنه يحب ألمانيا بكاملها وإنه ممتنّ لها، ليكسر متلازمة نظرية المؤامرة النمطية التي تحيط باللاجئين، وفي أحد المشاهد التي تظهر توحد المخاوف بين الضيف والمضيف تقول أنجليكا إنها شاهدت كابوساً فيه تحتل الدولة الإسلامية البلاد، ليجيب ديالو "كان لديّ الكابوس نفسه... هذه هي حياتي".

يسلّط الفيلم أيضاً الضوء على شجار حصل أمام بيت هارتمان بين جماعة بيغيدا، المعادية للإسلام وهجرة المسلمين إلى أوروبا، وبين ناشطين يساريين. من جهة أخرى، يدخل في كواليس الحياة في مخيم ميونخ للاجئين، وأزمة الحصول على سرير ،والتعاطف مع "داعش" وغير ذلك.

أثار الفيلم جدلاً في ألمانيا، فتفاوتت ردّات الفعل. مدح مورتيز فون أوسلار، الكاتب في صحيفة "دي زيت"، بعض مشاهده الحادة لكنه اعتبر أنه يفتقر للحس الفكاهي اللاذع قائلاً، بحسب "الغارديان"، إن "الفيلم يتناول أكثر قضايا المجتمع حساسية وهشاشة واضطراباً، وعليه لا يكفي أن يكون جيداً فحسب بل مبدعاً وجامحاً ومحركاً وغير مراع بالمعنى الإيجابي للكلمة". في المقابل، اعتبر البعض أن شخصية البطل، وبدل أن تثير قضية اللاجئين، جُيّرت لإنقاذ مشاكل الدراما الألمانية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل