المحتوى الرئيسى

ليلى كبة.. استعادة عراق الطفولة

11/03 13:38

على الطاولة المحاذية لمدخل صالة «آرت سبايس ـ حمرا»، حيث تعُرض أعمال الفنانة ليلى كبة، ثمة أوراق بلون أزرق باستيل وُضعت في تصرّف الزائرين، وعليها مقطوعة شعرية لمحمود درويش عنوانها «الحنين». السطر الأول من المقطوعة يقول: «الحنين استرجاع للفصل الأجمل في الحكاية»، ومن ثم في مقطع آخر: «الحنين ندبة في القلب وبصمة بلد على الجسد». هذا النص، بخلفيته التي تُذكّر بسماء لازوردية، يشير، مجازياً أو من طريق الرمز، إلى ما يمكن أن نراه في الأعمال التشكيلية، ولو من طريق الإشارات والرموز أيضاً، وبحسب الأسلوب الذي اتبعته الفنانة في أعمالها.

غادرت ليلى كبة، المولودة من أب عراقي وأم سويسرية ـ أميركية، وطنها العراق بعد إنهاء المرحلة الثانوية إلى إنكلترا، حيث درست الفن والتصميم في مدرسة «وانشستر» للفن والعمارة، ومن ثم تابعت دراسات فنيّة أخرى في «كونكوران كوليدج» بمدينة واشنطن. إذا ما نظرنا إلى موقع أمكنة هذه الدراسات، وما استتبعها من معارض فردية، أو مشاركة في معارض جماعية تمّت جميعها في بلدان مختلفة، يمكننا أن نستنتج أن الفنانة غابت ردحاً طويلاً عن موطنها الأصلي، وهذه الغيبة لا تزال مستمرة. اكتسبت ليلى كبة معرفة في الفن، وأحاطت، قدر المستطاع، بثقافات البلدان التي أقامت فيها أو زارتها، لكن مكانة العراق، كأرض المنشأ ومرتع الذكريات الأولى، بقيت كامنة في نفسها، شأنها شأن العديد من فناني أو شعراء أو كتاب الوطن العربي الذين تركوا أوطانهم، لسبب أو لآخر، وأقاموا في بلاد أخرى.

تحاول الفنانة، في معرضها المسمّى «بعيداً من الشاطئ»، استعادة بعض تلك الصور التي انطبعت في ذاكرتها، المرتبطة بمطارح عرفتها وعاشت بين أرجائها. لكن هذه المهمة لا تنطوي على منحىً توثيقي، بمعنى أنها لا تهدف إلى الإحاطة بأمكنة في عينها، وتسعى إلى تصويرها من وجهة نظر تمثيلية واقعية، وهو ما نستشفه من التسميات المطلقة على الأعمال: «مخطوطات»، «أقواس داكنة»، «ذكريات منزل»، «مدينة بعيدة» وسواها. وكأن هذه التسمية الأخيرة تشير إلى مكان صار بعيداً، وأصبحت الرغبة بالوصول إليه أشبه بمهمة خيالية، تسعى إليه الحواس، ولكن من دون بلوغه مسافة شاسعة، تحضر في الوعي بالتوازي مع حضور الخاطرة. هذا، في حين لا يغيب شجر النخيل عن أكثر من عمل كعنصر انتقائي يشي بهوية المكان وصفاته البصرية، ما يذكّرنا بعبارة مظفّر النواب، الشاعر العراقي المهاجر أبداً، القائل: «..فقد كنت عند نخيل العراق.. ولو كان حلماً».

وكما لا تكون الذكريات، دائماً، صافية في الذهن، بل يختلط بعضها بالبعض الآخر، كذلك جاء المتن في لوحة ليلى كبة عابقاً بمزيج من الصور والموتيفات، قد تتواصل في ما بينها، أو تنفصل كل منها عن الأخرى بواسطة خطوط هندسية مستقيمة ومائلة تخترق اللوحة. هذه الخطوط لا تفصل بين العناصر فقط، بل قد تؤدي إلى تبديل في انتظام العناصر ودفع جزء منها نحو إمكانات لونية مختلفة، بحيث يتم الانتقال من لون إلى آخر، ومن الحار إلى البارد أو بالعكس. إلى ذلك، قد تتخذ بعض الكتابات مكاناً لها ضمن البنية العامة، من دون أن يكون وجودها طاغياً، وكأن الحكاية التصويرية لا تكتمل من دون إيحاءات سردية، علماً أن هذه الكتابات ليست من الوضوح، بحيث تؤلّف نصاً، بقدر الدور المحدد لها في العمل، الذي لا يخرج أحياناً عن نطاق الزخرفة، أو منح اللوحة طابعاً محليّاً.

إضافة إلى ما تمّ ذكره، لاحظنا وجود بضعة أعمال ذات طابع تجريدي، ضمن أسلوب تنقيطي، تعمّدت الفنانة ان تضعها في نهاية المسار الذي من المفترض أن يسلكه المشاهد لدى اطلاعه على الأعمال المعروضة، وصولاً إلى عمل واحد تجهيزي هو عبارة عرض لشريط فيديو من وراء ستارة شفّافة معلّقة بشكل عفوي أمام الجدار. ربما شاءت ليلى كبة أن تقول، من خلال ذلك، إن الأمور، بكليّتها، تصبح تجريدية، لا في المعنى الفني فقط، بل في المسار الحياتي، أما ما يتبقّى في ذاكرتنا من وقائع ماضية فسنراه عبر ستارة ضبابية، بعد أن تكون الأيام والظروف قد فعلت فعلها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل