المحتوى الرئيسى

"بن قنة" والحكام والجزيرة.. حكايتها مع مرسي وأردوغان والقذافي وخطتها لو أدارت القناة لمدة يوم

11/02 21:39

لم يمض وقت طويل في حديثنا، حتى تعزَّز لدي شعور قوي بأنني جالس في حضرة أخت كبرى، وزميلة مهنةٍ من طراز رفيع، لا في حضرة نجمة تلفزيونية، يعرفها العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، بفضل ظهورها الممتد على الشاشة عقدين من الزمان.

هي أبرز الوجوه التي ارتبط اسمها بقناة الجزيرة، وارتبط اسم القناة بها، فَشَكَّلا معاً اثنين في واحد، فما إن تذكر خديجة بن قنة حتى تذكر الجزيرة، والعكسُ بالعكس.

هي التي كتبت بتجربة مهنية متميزة، فصلاً مهماً في فصول معركة الإعلام العربي المرئي مع الحجاب، فانتقلت بفضلها فكرة ارتداء المذيعات له، إلى خانة الممكن بعد أن كان في خانة المستحيل.

وإذ تطفئ الجزيرة شمعتها العشرين، إيذاناً بمرور عَقدين على تأسيسها، سَعينا للقائها، فساعدتنا بساطتها الشديدة وتواضعها الجم في إنجاز المهمة بسهولة، فخديجة تتحدث بلا حساب، إلا من ضميرها المهني، وانحيازها الإنساني.

ذهبنا نقلب في دفترها الممتد عشرين عاماً مع الجزيرة، نسأل عن ماضي المؤسسة وحاضرها ومستقبلها، وعن إنجازاتها وإخفاقاتها، ففتحت لنا قلبها، في تلك اللحظة التي كانت تفتح فيه باب النادي الذي استقبلتنا فيه، بالمجمع السكني، الذي تقطنه بالعاصمة القطرية الدوحة.

ولئن كان عشرون عاماً عمراً يراه البعض مديداً، إذا اقترن بمؤسسة إعلامية، وكفيلاً -وفق ما يقولون- بتسلل أمراض الشيخوخة إليها، فإنها لا تتفق مع ذلك بتاتاً، وحين سألناها عن مدى قناعتها بدبيب أمراض الشيخوخة للجزيرة أجابت ضاحكة:

"شيخوخة لا، لا.. العام العشرون، هو أجمل سنوات العمر، سواء في حياة الإنسان، أو في حياة المؤسسات، هذا عام اشتداد العود، الآن تقف الجزيرة على قدمين راسختين، وتفخر بأن جعلت من نفسها رقما صعباً في المعادلة الإعلامية والسياسية العربية. قناة الجزيرة الإخبارية العربية الآن هي (الأم) التي أنجبت مؤسسات إعلامية عدة، تجدد بفضلهم شبابها، وتضخ من خلالها دماء جديدة في عروقها، وأنا الآن أهنئ نفسي وزملائي بهذه المناسبة، هنيئاً لمن فكر في تأسيسها، عام ستة وتسعين، صاحب الفكرة يستحق التهنئة بعشرينية القناة التي تحمل من أجلها غضب الغاضبين وكيد الكائدين."

مع الأمير تميم بن حمد

حديثنا الذي امتد معها لنحو ساعة أو يزيد، غَلب عليه ما يمكن وصفه "بالنوستالجيا"، فثمة شعور ظاهر لا تخفيه المذيعة الجزائرية، بالحنين الجارف لسنيّ الجزيرة الأولى، حين كان مولد القناة، إيذاناً بوضع حد فاصل بين تاريخين في إعلام العالم العربي، إعلام ما قبل الجزيرة، وإعلام ما بعدها، وفيما ينتمي الأول للسلطة والحكومات، ينتمي الثاني للإنسان والشعوب.

تأخذ خديجة تنهيدة عميقة، تمد بصرها لأعلى، كأنما حبيب يسترجع ذكريات أيام خوالٍ مع محبوبته ثم تضيف:

"الجزيرة بحساب الزمن الآن لها عشرون عاماً، لكن بحساب الإنجازات تتخطى الأربعين. في السنوات الخمس الأولى، خرجت الجزيرة كمولود من رحم أمه، فتعلم المشي والجري، في زمن قياسي، تَمكنا في فترة وجيزة من تحقيق إنجازات مهمة، كتغطيتنا للانتفاضة الفلسطينية الثانية، وحرب أفغانستان، التي غطيناها بمراسل واحد "تيسير علوني"، واعتمدت "سي إن إن" علينا في نقل مشاهد الحرب، وكذلك حرب العراق، كل ذلك راكم لدينا إنجازات، وحجز لنا -مبكراً- مقعداً مع الكبار في نادي الإعلام الدولي".

نسألها عن القرار الذي سيكون على رأس أولوياتها، إذا ما أتيحت لها فرصة تولي إدارة شبكة الجزيرة ليوم واحد فقط، فتأتي إجابتها عزفاً موسيقياً جديداً على سيمفونية "النوستالجيا"، الحنين للماضي، وتقول:

"عندي رغبة وحنين، إني أجيب كل الناس اللي طلعوا زمان في القناة، كلهم، عدا اللي اتوفوا -الله يرحمهم- أجيبهم وأعمل بيهم يوم إخباري في الجزيرة."

على النقيض من هذا الحنين الجارف للسنوات الخمس الأولى، ثمة نظرة أخرى، أقرب إلى نقد الذات بصوت مسموع، للسنوات الخمس الأخيرة من عمر القناة، تسميها هي "سنوات الاستثناء"، مشيرة بذلك إلى السنوات التي تلت الربيع العربي، وما رافقها من جدل، وما استتبعه من محاولات حصارها وإغلاق مقراتها في عدد من الدول.

"الجزيرة كغيرها، تصيب وتخطئ، وفي السنوات الخمس الأخيرة أيضاً أخطأت وأصابت، ونحن بالتأكيد في الجزيرة نمارس نقداً ذاتياً لأنفسنا باستمرار، ولدينا قسم ضبط الجودة الذي يقوم بذلك، ونحن كموظفين أيضاً نسجل كل انتقاداتنا في نظام مخصص لهذا الغرض يسمى (Talk back)، ومن خلاله يصل صوتنا للمسؤولين."

أقاطعها بسؤالي: وما أبرز ما سجلتموه مؤخراً؟

"بعضنا يخطئ أحياناً، وهذه فطرة بشرية، وطبيعي أن يكون صعباً علينا التجرد من كل انحيازاتنا أثناء ممارسة العمل، خصوصاً في الأمور الإنسانية."

الجدل الذي يثار بشأن الجزيرة وفق ما تراه بن قنة، جزء من الصورة، وليس الصورة كلها، فثمة عنصر آخر أهم، يتعلق بالوضع السياسي وتقلباته، التي أسهمت بشكل كبير فيما وصلت إليه القناة، وتضيف:

"الذي تغير هو المحيط السياسي للعالم العربي وليس الجزيرة، ما جرى هو محاولات شيطنة مورست ضد الجزيرة عبر مضخات الثورة المضادة، المناخ السياسي في نهاية المطاف جعل المتلقي العربي منقسماً على ذاته، العائلة الواحدة انقسمت إلى فريقين، مع أو ضد، وكان طبيعياً إذ ذاك أن ينقسم الجمهور بشأن الجزيرة ورسالتها.""الإعلام هو ظل السياسة، وإذا كان العود أعوج، فكيف تطلب من الظل أن يستقيم؟ الواقع العربي فوضوي بامتياز، لا حياة سياسية ولا اقتصادية سوية فيه، وكل شيء الآن يخضع لقوانين الفوضى، وهي فوضى غير خلاقة، أنا الآن أجري حواراتي بنفس الطريقة التي كنت أجريها قبل عشرين سنة، بنفس التحدي والجرأة، لكن بعض المشاهدين هم الذين أصبحوا يروننا بعين أخرى."

وإذ تضع خديجة إصبعها على حقائق لا خلاف عليها بشأن الاتصال بين الإعلام والسياسة، فإنها في معرض تقديمها لوصفة العلاج تسير على خطى أبو نواس في بيته الشهير "وداوني بالتي كانت هي الداء" قائلة:

"الديكتاتورية سبب رئيسي لما نحن فيه أمة العرب، ولئن كان صحيحاً أن الغرب يُبتلى أحياناً بحكام مجانين، ساركوزي مثلاً كان فيه شيء من القذافي، وبيرلسكووني كان فضيحة، لكن الفرق بين هؤلاء الحكام وحكامنا أنهم يحكمون دولاً لها مؤسسات ديمقراطية، لا تتأثر بغيابهم، ولا بحماقتهم ولا فضائحهم.""الحصار المفروض على الجزيرة الآن لا يفكه قرار إداري، نحن بحاجة إلى تغييرات جذرية في العالم العربي، الأداء الإعلامي سيستقر حين نوجد مجتمعاً راسخاً وحياة ديمقراطية، وهذا ما كانت تسعى له الجزيرة له، عبر رفع حالة الوعي لدى المواطن العربي، لكن الثورات المضادة أحبطته، وتركت الناس بين خيارين، إما الأمن أو الديمقراطية، والناس تفضل الأمن والخبز طبعاً، وتروح الديمقراطية في ستين داهية، لو نجحت الثورات لما كان هذا الحصار لا للجزيرة ولا لغيرها."

قبل عشرين عاماً قدمت خديجة إلى العاصمة القطرية، بعد رحلة بدأتها في التلفزيون الجزائري والإذاعة السويسرية، فاستقر مقامها بالجزيرة عشرين عاما، في تجربة تراها شديدة الإيجابية على المستويين الشخصي والمهني، وتضيف في هذا الإطار:

"على المستوى الشخصي، اتسع أفقي كثيراً، أصبحت عندي نظرة مختلفة للعالم وللمحيط العربي، فبعض الجزائريين يمكن "يزعلوا"، هذه التجربة قضت على عصبيتي، أدركت أن هناك لوناً رمادياً وليس فقط الأبيض والأسود، حتى تعيش مع الناس ويعيشون معك، وعلى المستوى المهني، صقلت الجزيرة الكثير من أدائي."

وإذ تدشن الجزيرة احتفالها العشرين، فإن جرحاً لا يزال غائراً لدى نحو 500موظف لديها، كانت الشبكة قد اتخذت قراراً العام الماضي بالاستغناء عنهم (إنهاء خدماتهم)، في خطوة ألقت بظلال سلبية على السمعة التي اكتسبتها ردحاً من الزمن، باعتبارها "بيت أبي سفيان" في إشارة إلى درجة الأمان الوظيفي التي يتمتع به موظفوها، وهو قرار تبدي بن قنة تفهماً إدارياً له، بالنظر إلى أسبابه الاقتصادية الموضوعية، وبالنظر إلى تجارب مؤسسات إعلامية مماثلة، لكنها لا تخفي تعاطفها الإنساني مع زملائها.

"الآن بحكي كإنسانة، الحس الإنساني عندي هو ما يتحدث، كان لي زملاء عندهم أولاد وعائلات، أتعاطف طبعاً مع الزملاء، وبعضهم قد يكون قادماً من دول تعيش اضطرابات سياسية، ولا يمكنه العودة إليها، والحقيقة أن الجزيرة راعت هذه الأمور، وقسم الحقوق والحريات لدينا عمل على ترتيب وتوفيق أوضاع عدد كبير منهم لتجاوز أزمتهم."

وهذا التفهم الذي تبديه بن قنة لقرار التفنيش إدارياً، رغم تعاطفها مع مأساته إنسانياً، يكشف عن أحد جوانب شخصيتها التي تجعلها -حسب قولها- غير صالحة لأي مهمات إدارية:

"أنا الحس الإنساني عندي عالي، والمدير الناجح هو الذي يتمكن من الموازنة بين الإنساني والإداري، لا أصلح للموقع الإداري بصراحة، ولو عرض علي لن أقبل، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه."

لا تخجل خديجة من الاعتراف بنقاط ضعفها، وتعتبر ذلك علاجاً ناجعاً لمرض الإيجو الذي ينخر في عقول وقلوب أصحاب الشهرة.

"خلي رجلك ثابتة على الأرض، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً، دائماً يعجبني كتاب مذيع فرنسي شهير هو (Bruno Mazure)، أقيل من عمله بالقناة الفرنسية الثانية، فكتب بعد الإقالة كتاب (التلفزيون يصيب بالجنون، لكنني أتعالج)، أنا أقول إنه يوماً ما ستنتهي رحلتنا بشكل من الأشكال، هذه هي الحقيقة التي يجب أن ندركها، اليوم نظهر على الشاشة، ويلتف الناس حولنا، لكن هذا لا يدوم، الأهم هو إلى أي مدى يكون الإنسان منسجماً مع نفسه، بعيداً عن الجمهور، درجة الصلح بينك وبين ذاتك، هي التي تحدد قيمتك، لا الجمهور من حولك"

انقطع حديثنا هنا، مع إصرارها على طلب فنجانين من القهوة، إعمالا لقواعد الضيافة، وهو موقف أظهر مع مواقف أخرى صدقية ما تصف به خديجة نفسها، بأنها شخصية كلاسيكية رصينة، وهي صفات تجعلها على يقين بعدم صلاحيتها لإدارة منصات إعلامية شبابية، كمشروع AJ+PLUS مثلاً، الذي أطلقته شبكة الجزيرة مؤخراً، وحقق تميزاً في منصات الإعلام الرقمي الجديد، بقيادة زميلتها ديما الخطيب.

وتعلق بن قنة على شخصية الخطيب:

"شخصية ديما تتماشى مع إدارة مؤسسة شبابية، ديما مخها شبابي، وهي أصغر مني سناً، هذا يتلاءم تماماً معها، أنا شخصيتي مختلفة، شخصيتي لا تتواءم مع هذا الستايل الخفيف، أنا رصينة وكلاسيكية، ولا أجد نفسي في مثل هذا الموقع، لكني أتعامل مع الشباب من نافذة أخرى هي التدريب".

ونافذة التدريب التي تطل خديجة من خلالها على الشباب، بدأتها قبل اثني عشر عاماً، في مركز الجزيرة، وهي تجربة زادتها يقيناً -كما تؤكد- بأن العالم العربي، غني بالكفاءات الرهيبة، لكنها تتحطم يومياً على صخرة المحسوبية.

بن قنة بين مجموعة من المتدربين في مركز التدريب

"في سرطان في العالم العربي اسمه المحسوبية، سرطان يدمر الكفاءات، وينشر الإحباط، أرى شباباً لو كان القرار بيدي لقدمتهم على الهواء مباشرة، في حين أرى من هم أقل منهم خبرة وكفاءة تتاح لهم الفرصة بالواسطة، والمعارف الشخصية"

"أرى بعض الفتيات المتميزات المتعلمات يتمتعن بكفاءة عالية، لكن يقف هذا المنديل (الحجاب) حائلاً بينهن وبين الظهور على الشاشة".

"لاحظت أيضاً أن كثيراً من المتدربات يملن إلى الاهتمام الزائد بالشكل والصورة، على حساب الاهتمام بالمحتوى والمضمون، وبناء بالنفس والثقافة والمعرفة".

توقفنا برهة لتناول القهوة، وامتد حديثنا عن أرشيف الذكريات، فأخرجت من هاتفها المحمول صورتين، جمعت كلتاهما بينها وبين أمير دولة قطر، الشيخ حمد بن خليفة، الذي ارتبطت الجزيرة باسمه ارتباطاً وثيقاً، باعتباره صاحب قرار تدشينها.

التقطت الصورة الأولى عام 2001، فيما التقطت الصورة الثانية عام 2006، في الذكرى العاشرة لتأسيس القناة، وهي الصورة التي كتب الأمير الوالد عليها بخط يده، وبلغة إنجليزية (See you in ten years)، نراك بعد 10 أعوام، وها هي عشرة أعوام مرت لتجد خديجة نفسها اليوم على موعد مع الاحتفال بمرور 20 عاماً على الجزيرة، وتترقب لالتقاط صورة ثالثة مع الأمير الذي ترك موقعه في السلطة، لتكوِّن بذلك ألبوماً من 3 صور، تلخص مسيرتها الممتدة مع القناة القطرية.

"لو لم تكن هناك الجزيرة، كنت سأكون بالجزيرة، أنا مؤمنة جداً برسالة الجزيرة، بيني وبين الجزيرة حالة اسمها الوفاء والولاء من الطرفين، هويتي من هويتها، والعكس، وإذا كنت لا أؤمن برسالة الجزيرة، كان يمكن أن أذهب لمكان آخر".

حين طلبت منها ألا تستبق اسمي بلقب الأستاذ، طلبت مني -في المقابل- أنا أناديها بأم رامي، ورامي هو الابن الأكبر، من أبنائها الثلاثة قبل أخته رؤيا، وأخيه الأصغر طلال.

وكنت قد تعرفت على طلال اسماً، حين اعتذرت لي خديجة، عن طلبي بلقائها يوم الجمعة الثامن والعشرين من أكتوبر، نظراً لأن اليوم سيوافق عيد ميلاده الحادي عشر، وهي حريصة أن تكون معه في هذه المناسبة، لكنني أثناء الحوار تعرفت على طلال اسماً وشكلاً، حين دخل في منتصف الحديث، فنادته أمه طالبة منه أن يصافحني، وهو ما استدعى في المقابل سؤالاً مني عن حفل عيد ميلاده؟ وكيف جرت وقائعه؟ فكانت المفاجأة:

"عيد ميلاد طلال.. راح أفاجئك، خرج علي بخرجة مش طبيعية، أنا كنت مفضية نفسي، ومحضراله التورتة، لكن لقيته بيقولي ماما: عيد ميلاد إيه؟!، هذه أشياء تافهة، ورفض يعزم حد من أصحابه، إلا صاحب واحد بس، قال إنه ييجي يلعب معاه وخلاص، ولا نسمي اليوم حفل عيد ميلاد، أنا تفاجأت بنضجه، لكن هو طفل وأنا أفضل أن يستمتع بطفولته".

اعتذارها عن لقاء الجمعة، بدا مؤشراً على قدرتها البارعة في الجمع بين أعباء عملها الإعلامي وواجباتها الأسرية، لكنها على العكس تعترف بالتقصير، وبتغول المهنة بوقتها على حساب الأسرة.

"هكون كذابة لو قلت أنا مش مقصرة معاهم، لأن الوقت القليل اللي مفروض أجلس معاهم فيه، أكون بامسك التليفون، إلى أي مدى يمكن أن أبني جداراً عازلاً بين شغلي وبيتي (بصدق أنا لا أتلفسف)، هذه مهمة صعبة، هما عايشين معايا حياتي المهنية، وهذا يخصم من وجودي أنا معهم".

وإذ تعترف أم رامي بهذا التقصير تجاه أسرتها، تنظر بإجلال لأمها التي كانت لا تقرأ ولا تكتب، وكانت رغم ذلك توحي لخديجة وإخوتها بأنها على دراية تامة بكل شيء، حتى تتمكن من محاسبتهم على واجباتهم المدرسية.

"هي كانت أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة، وكانت تمثل عليا أنها تعرف كل شيء، واكتشفت فقط -وأنا في السنة الخامسة الابتدائي- أنها لا تعرف ماذا أفعل، ولا ماذا أكتب، وهذا من حرصها الشديد على القيام بدورها تجاهنا."

تقاوم خديجة تقدم العمر، بممارسة الرياضة، وهو ما يتجلى بوضوح في احتفاظها المثير للإعجاب بقوام ممشوق ورشيق، وتقاوم كذلك ما تصفه بالشيخوخة المهنية، عبر أحلام تسعى لتحقيقها أمام الشاشة، تتمكن فيها من اكتشاف ما لم يُكتشف فيها بعد.

"أشعر أن داخلي طاقة لم تكن لدي قبل عشرين سنة، لا أستحي أن أقول إن الفرصة لم تواتني بشكل كامل لأقدم كل ما لدي، أحلم بتقديم برنامج جماهيري، فيه احتكاك مباشر مع الناس، على غرار ما كانت تقدمه المذيعة الأميركية السمراء أوبرا وينفري، في برنامجها "مع أوبرا".

تجربتها الطويلة في الإعلام التقليدي، لم تحُل بينها وبين مد جسورها في الإعلام الجديد، فحظيت بحضور بارز على مواقع التواصل الاجتماعي، فوجدت في الفضاء الأزرق فرصة اللقاء بجمهور جديد وبإطلالات أخرى.

"عالم السوشيال ميديا بيخلينا نطل على جمهور جديد، وما بنطل عليهم بـ"قُتل وجُرح وأُصيب"، لكن هنا نطل بآية أو بخاطرة أو دعاء، الإنسان الجميل بداخلنا يظهر على السوشيال ميديا، هذا الجزء الخفي من ذواتنا يظهر هنا"

أنا مقاطعاً، لكنك تعرضتِ لحملات تشويه طالت إحداها ابنتك رؤيا، ألم تشعري في لحظة بحالة ضعف ورغبة في عدم الاستمرار؟

"جالي الإحساس دا، لهذا أنا أختفي أحيانا، أكون منتكسة، أنتكس بسبب المسبات والشتائم والتجريح، التي تطالني على السوشيال ميديا، لكن في النهاية إما أن تساير الجمهور وتعطيه ما يريد، أو تكون وفيا لمبادئك، أنا مهمتي أن أصحح مسار الناس، لا أن أتماشى معهم."

على صفحتك تتناولين بعض الأخبار والموضوعات وتبدين فيها رأياً صريحاً، وهو ما يعتبره البعض خصماً من وقوفك على مسافة واحدة من الأطراف، أليس كذلك؟

"هذا من تحديات السوشيال ميديا، لكن نحن بشكل عام في وضع فوضوي، واحنا ناس من لحم ودم، والله عاتب الرسول الكريم وهو المعصوم في بعض المواقف، ما بالك بينا احنا، إحنا بشر نحزن ونفرح، ونتأثر بما يحيط بنا، واللي حصل في الخمس سنوات الأخيرة يشيب له شعر الرأس، صعب أن تبقى الإعلامي النزيه المحايد، الذي لا يتأثر بما يجري حولك، أتمنى أن يعذرنا الناس في بعض الفلتات، التي قد نقع فيها".

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أغلق مكاتب قناة الجزيرة، وحُبس في عهده عدد من صحفييها، وصدرت أحكام بالسجن وحتى بالإعدام ضد بعضهم، أسألها: ماذا لو أتيحت لك فرصة إجراء حوار معه:

تفكر مليا: "لا أظن هذا سيتاح، لكن لو أتيح، أظن أن أول سؤال سأنطلق منه، سيكون عن شرعيته، عن الطريقة التي جاء بها، هذا هو الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء بعد ذلك، سيكون سؤالي له: إلى أي مدى يزعجك أن يقال عنك إنك رئيس انقلابي، جئت لتحكم 90 مليوناً عبر انقلاب عسكري، هل هذا يؤلمك؟ كيف شعورك حين تسمع هذا الوصف؟"

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل