المحتوى الرئيسى

موسكو - واشنطن: مواجهة مباشرة أو تصعيد مضبوط؟

11/02 05:58

روسيا عازمة على مواجهة مع الغرب لإستعادة مجدها الضائع

أسطول روسيا الغى التمون في اسبانيا في طريقه إلى سوريا

استبعاد ناشطين حقوقيين من مراقبة السجون في روسيا

انشغال الاميركيين بالانتخابات يترك الساحة السورية خالية لروسيا

روسيا تطلق الصاروخ العابر (الشيطان 2)

روسيا تنتقد مشروع نشر قوات أميركية في النروج

تريد موسكو أن تستعيد مكانتها العالمية كقوة عظمى، لكن دون ذلك واشنطن وحلفاؤها في الناتو. فهد تحصل المواجهة المباشرة، أم يبقى التصعيد بين الجانبين تحت السيطرة؟

إبتسام الحلبي من بيروت: اعتبارًا من أواخر خريف 2016، تتابع السياسة الخارجية الروسية تركيزها على تعزيز مكانة روسيا قوة عظمى، وتبحث موسكو عن فرص تحويل قدراتها العسكرية المتنامية ومواردها الاقتصادية الكبيرة إلى تنازلات تحصل عليها روسيا من نظيراتها الدولية في ما يخص مجموعة من القضايا تعتبرها موسكو ذات أهمية رئيسة لأمنها ولازدهارها الاقتصادي.

تواصل روسيا البحث عن سبل لتعزيز سلطتها، أي الاعتراف بحقها في ممارسة السلطة حيث ومتى رأت ذلك ضروريًا، والحصول على تقويم إيجابي من نظرائها الغربيين في ما يتعلّق بمساهمة موسكو في التصدي للتحديات الأمنية الدولية.

الكرملين مقتنع بأنّ واشنطن هي عاصمة السلطة في عالمنا اليوم، ومن هذا المنظور الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على تحقيق أمن روسيا واقتصادها ومؤسساتها وتطلعات أخرى أو إنكارها.

لكنّ المثير للاهتمام هو أن روسيا لا تنظر إلى الصين مصدر دعم لمطالبها، على الرغم من أن موسكو تتوقع أن تتطور الصين لتشكّل توازنًا كبيرًا لقوة الولايات المتحدة في العالم. 

وحتى الآن، روسيا ليست راضية عن السلطة والشرعية التي حدّدتها لها الولايات المتحدة وحلفاؤها. ونتيجة لذلك، شرعت بمناورات محفوفة بالمخاطر من أجل إثبات عزمها على التوفيق بين مكانتها ومواردها المادية. وطوال الأعوام الثلاثة الماضية، فاقم ذلك المواجهة بين روسيا والغرب في شأن أوكرانيا وسورية.

ثمة ثلاث مدارس فكرية رئيسة شائعة بين المحللين الروس والدوليين، تتناول وجهات النظر المختلفة حول علاقات روسيا بالعالم الخارجي، وتحديدًا الغرب.

وفقًا للمدرسة الأولى، لن تقوم موسكو مطلقًا بتصعيد فعلي للصراع مع الولايات المتحدة وحلفائها بسبب الترابط الاقتصادي الكبير القائم افتراضيًا بين روسيا والغرب، والأهم من ذلك، لأن عددًا كبيرًا من أعضاء النخب السياسية الروسية ورجال الأعمال الروس يملك عقارات وحسابات مصرفية وأقارب في الغرب.

بالفعل، بحسب بعض التقارير، لاقت محاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لـ"تأميم" النخبة الروسية نجاحًا محدودًا. ووفقًا لوسائل الاعلام الروسية، قام الكرملين أخيرًا بتعميم تعليمات غير رسمية جديدة تلزم الموظفين العموميين الروس قطع ما تبقى من علاقاتهم الشخصية والمالية مع الغرب. ومع ذلك، فلهجة هذه التعليمات تبدو متسامحة وخالية من أي تهديد جدي باتخاذ إجراءات انتقامية ضد من يتجرأون على خرق التعليمات.

وخلافا لتوقعات هذه المدرسة الفكرية، ربما يتصاعد الجدل بين روسيا والغرب في المستقبل، في حين تحافظ الحكومة الروسية على رباطة جأشها في شأن تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية عليها. وبينما ظهر استعداد روسيا لتصعيد الحصار على حلب في وقت أصبح فيه تخفيف نظام العقوبات ممكنًا، لا تعتبر موسكو إلغاء العقوبات أولوية رئيسة بالنسبة إليها.

المدرسة الثانية، وهي على الأرجح الأكثر تأثيرًا في مصادر الأزمة الحالية وآفاقها، فتدّعي أن روسيا تنوي تصعيد المواجهة من منطلق اعتقادها بأن عزم الولايات المتحدة وحلفائها، وفي بعض الحالات، خيارها العسكري، أضعف. واعتبر كثيرون في موسكو بيان الرئيس الأميركي باراك أوباما علامة ضعف، مفاده أن واشنطن ستكون مترددة في الدخول في نزاعات يضع عليها خصمها رهانات أكبر كثيرًا.

تحذّر هذه المدرسة من أن تصعيد التوتر يمكن أن يخرج عن السيطرة في نقطة معينة، وربما يؤدّي إلى اندلاع صراع مفتوح ضد رغبات القادة السياسيين. وتسمى هذه الدينامية أنموذج "فعل ورد فعل" من تصعيد غافل وغير مقصود، حيث يؤدي اختبار عزم خصمك في نهاية المطاف إلى الحد من الخيارات إلى درجة تجعل احتمال وقوع الصراع أكبر. 

غير أن نظرية التصعيد غير المتعمد لا تأخذ القيود المؤسسية القوية داخل الأجهزة الحكومية التابعة للقوتين العظميين النوويتين في عين الاعتبار، فهما ورثتا سياستهما النووية ومؤسسات الطوارئ وإجراءاته من حقبة الحرب الباردة، علمًا أن هذه المؤسسات لا تسمح بالعبث في الأسلحة النووية. فإلى جانب موافقة الرئيس، يتطلب ترخيص إطلاق هذه الأسلحة موافقة من قبل مسؤولين عدة. وتمنع هذه القيود تصعيدًا خارجًا عن السيطرة نتيجة الحوادث المأساوية، كاصطدام الطائرات الحربية في الجو. لذلك، من غير المرجح أن تجد روسيا نفسها متورطة في مواجهة مسلحة غير مقصودة مع الولايات المتحدة أو دول حلف شمال الأطلسي الأخرى.

تنطلق المدرسة الثالثة من افتراض أن روسيا والولايات المتحدة لا تهابان التواجه عسكريًا، لا بل ربما تستعدان لمواجهة مماثلة. يحدث ذلك، على سبيل المثال، إذا كانت موسكو قادرة على اختيار مسرح إقليمي مريح، مثل أوكرانيا أو سوريا، في ظل ظروف معينة، فهي عندئذ لن تتجنّب حربًا مسلحة محدودة (أو حتى شاملة) مع القوى المتنافسة، بما في ذلك الولايات المتحدة. 

طائرات روسية في قاعدة حميميم بسوريا

والحجة لدعم هذا الافتراض هي أن موسكو ربما تكون يائسة للتخلص من الضغط الجسيم الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا من طريق العقوبات الاقتصادية. ويعتبر بعض النقاد الروس هذه العقوبات دليلًا على أن الغرب سبق أن أعلن الحرب على روسيا. في مثل هذه الظروف، ووفقًا لهذا المنطق التحليلي، لموسكو الحق المعنوي في الرد العسكري.

يصعب التحقق من صحة هذا الافتراض، ويبدو أنّه أصبح احتمالًا بعيدًا منذ أواخر خريف عام 2016، نظرًا إلى بطء وتيرة التصعيد الفعلي في خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ولو أرادت موسكو إثارة مواجهة كبيرة أو إجراء اختبار جدي لعزم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لتدخلت على الأقل بقوة أكبر في أوكرانيا. وكان الضغط على بوتين للقيام بذلك كبيرًا في عام 2014 وأوائل عام 2015، في حين كان هناك أكثر من مناسبة وذريعة مؤاتية، إلا أن موسكو امتنعت عن ذلك.

تشير هذه اللمحة العامة إلى المدارس الكبرى للفكر التي تشرح دوافع روسيا في الصراع المستمر مع الغرب إلى أن خطر الأعمال العدائية المفتوحة في أوكرانيا أو سورية سيتراجع خلال الأشهر القليلة المقبلة. وبحسب وجهة نظر شعبية شائعة في موسكو، عبر عنها مسؤولون في وزارة الخارجية، الجزء الأكبر من الضغينة التي تكنّها الولايات المتحدة لسياسات روسيا تنتج من حملة الانتخابات الأميركية الجارية والحاجة إلى أن تبدو إدارة أوباما حازمة وجازمة بوجه التعديلات والمراجعات الروسية. وما أن تستلم إدارة أميركية جديدة الحكم، ستهدأ اللهجة والخطابات القاسية وستصبح واشنطن قابلة لتناقش مع موسكو مسائل الأمن ذات الاهتمام المشترك.

إضافة إلى ذلك، يمكن الملاحظة أن حدة بعض اللحظات الأكثر خطورة في العلاقات بين روسيا والغرب في السنوات الثلاث الماضية قد خفّت بسرعة كبيرة ومن دون أي تصعيد غير منطقي. على سبيل المثال، الخلاف الساخن حول الغارات المزعومة التي شنّها الجيش الأوكراني في شبه جزيرة القرم في أغسطس 2016، وفي ذاك الوقت ظنّ كثيرون أن روسيا ستستخدم هذا ذريعة لغزو أوكرانيا. لكن من يتذكر ذلك الآن؟ وفي سياق مماثل، يرجّح التعتيم على مأساة حلب قريبًا، مهما بلغت شناعتها.

لا يقتصر النزاع بين روسيا والغرب على مجرد تداعيات الحملات الانتخابية. في الواقع، اعتبر كبار المسؤولين الروس أن النهج طويل الأمد الذي تتّبعه الولايات المتحدة في العلاقات مع روسيا، هو نهج عدواني، لافتين على سبيل المثال إلى سياسة الباب المفتوح التي تعتمدها منظمة حلف شمال الأطلسي، وتعهّد واشنطن توسيع أنظمة الدفاع الصاروخي في أوروبا، وكذلك محاولاتها المزعومة لتنسيق تغيير النظام في أوكرانيا وروسيا وكل أنحاء العالم. 

جنود روس في القرم بعد قضمها من أوكرانيا

بدورها، لا تبدي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أي نية لرفع العقوبات عن روسيا أو تخفيفها في الأشهر القليلة المقبلة، نظرًا إلى عدم إحراز أي تقدم في حل النزاع في شرقي أوكرانيا. 

وقد حدثت هذه التناقضات قبل وقت طويل من حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة، وستستمرّ بالتأكيد بعد انتهاء الحملة. 

ما نراه الآن هو أطول فترة متواصلة من التصعيد في العلاقات الروسية الغربية مابعد عام 1991. فالمجتمعات السياسية في البلدان المعنية تقوم بتجريح الخصوم، كما نشهد انعدام الثقة في نفوس صنّاع القرار في الجانبين. فمثلًا، في أكثر من مناسبة، قام الفائز المحتمل في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة بوصف روسيا بـ"المعتدية". وثمة عامل آخر مثير للقلق في الصراع بين روسيا والغرب، وهو التباين في التغطية الإعلامية وأهداف الجانبين. على الرغم من أن روسيا تصدّرت عناوين الصحف في وسائل الإعلام الغربية، واخترقت المناظرات الرئاسية الأميركية، أظهر الإعلام الأميركي انشغالًا أقل بالعلاقات بين البلدين مقارنة بوسائل الإعلام الروسية.

إلى ذلك، تتسم القضايا الحالية التي تثير مخاوف روسيا وتطلّعاتها في العلاقات مع الغرب بطبيعة طويلة الأمد. فموسكو تريد مناقشة عودة الغرب إلى قضايا السياسة الاستراتيجية لتوسيع حلف شمال الأطلسي أو نشر صواريخ الدفاع في أوروبا. وفي الوقت نفسه، ثمة قضايا تتطلب اهتمامًا فوريًا لأنها سبب محتمل للتصعيد، وهي قضايا تكتيكية وقصيرة الأجل تشمل عدم الاستقرار في أوكرانيا والعقوبات والحرب في سوريا، وتدابير بناء الثقة في الجو والبحر، وبالتالي ثمة عدم تطابق خطر بين الأولوية الممنوحة لمواضيع التفاوض من روسيا والغرب.

من الصعب أن نرى مثلًا، كيف يمكن لأهداف القصف في سوريا أن تساعد في تحريك المفاوضات حول إمكان انضمام أوكرانيا إلى الناتو. من وجهة نظر الغرب، ينبغي حل الصراع في سوريا قبل توسيع الناتو، وأصبح الدفاع الصاروخي أو تغيير النظام موضوع المناقشة الثابت بين روسيا والغرب. هذا الانفصال ينشئ حوافز واضحة لروسيا كي تزيد مطالبها في الصراعات الجارية في سورية وأوكرانيا، وللغرب كي يواصل رفض تناول القضايا التي تعتبرها روسيا مصدر قلق أساس.

سنرى على الأرجح في الأشهر القادمة أن روسيا ستواصل اختبار عزم الغرب على إبقاء العقوبات. وفي الوقت نفسه، ستقوم باستكشاف فرص للمساومات أو حتى إيجاد حلول جديدة ربما تترك خلفها جزءًا كبيرًا من الإرث المثير للجدل الذي شهدته في السنوات الثلاثة الأخيرة. ومنطقي أن تستغلّ روسيا عامل الإدارة الأميركية الجديدة لطي الصفحات المتعلّقة بسوريا، إذا كان ذلك سيسمح بإعادة تركيز اهتمام واشنطن على الخلافات الطويلة حول سياسة "الباب المفتوح" التي اتفق عليها أعضاء الناتو، وحول الحد من التسلح.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل