المحتوى الرئيسى

النزاعات في المنطقة العربية.. فهم المشكلة طريق الحل

11/01 14:36

تشهد المنطقة العربية سيلاً من الصراعات التي باتت تسكن عدداً لا بأس به من عواصمها، فمن بغداد إلى دمشق، مروراً بصنعاء وطرابلس، نجد أن النزاعات صارت تتوسع بصورة غير مسبوقة، حتى أصبح الطريق إلى السلام يضيق يوماً بعد يوم، فلا شيء يظهر في الأفق القريب، سواء كان مزيداً من الصراع وقليلاً جداً من فرص الحل.

من وسط ركام الصراع تظهر الفاجعة الإنسانية، مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمهجرين والنازحين واللاجئين، دُمرت مدن وانهارت مجتمعات، وغدت هذه المناطق تستقبل الموت أكثر من الحياة؛ إذ أصبحت المأساة الإنسانية هي النتاج الطبيعي للصراع ولا شيء آخر.

ويبقى السؤال الدائم: لمَ هذا السوء في إدارة النزاع؟ ولمَ طاب بالحرب المقام في منطقتنا العربية؟ وهل من طريق للخروج من هذا التيه الذي أكل الأخضر واليابس؟

إن دراسة النزاعات وتحليلها وطرق إدارتها صارت الطريق الوحيد للتعامل مع هذه المشكلة بطريقة صحيحة وإيجاد حلول جذرية لها؛ إذ إن النزاعات -كما يقول الدكتور عبد الحق بن جديد من جامعة عنابة- ليست مجموعة أحداث منعزلة، إنها تركيب معقد ومتشابك ويضم جوانب وأبعاداً متعددة، وهي لا تحدث في فراغ، بل هي بنت مجتمعها وعصرها، ونتاج ظروفها، بمعنى أنها تحدث ضمن سياق معين.

إذن يبدو جلياً أن النزاع هو إدراك خاطئ لوضعية موضوعية، أي الاعتراف بوجود النزاع؛ لكن الأطراف المتنازعة تركز فقط على الجوانب السلبية لنقاط الاختلاف، ولو تم تغيير رؤية كل طرف للآخر نحو الجوانب الإيجابية لظهرت إمكانية لخلق تعاون يركز على حل النزاع.

يبدو أن الصراعات في المنطقة العربية تعاني من ضعف الفهم، ففي كثير من الكتابات التحليلية لهذه الظاهرة يتم التعامل بسطحية شديدة في تقديم طبيعة النزاعات وأبعادها، ليست هذه الظاهرة لدى كثير من الكتاب العرب فحسب، بل ولدى غالبية الطبقة الأكاديمية الغربية؛ حيث تتم قراءة النزاع في منطقة الشرق قراءة طائفية بحتة رغم وجود الكثير من الدلائل التي تعطينا صورة واضحة بأنه من الخطأ تجيير الصراع والنزاع إلى مربع المعتقد فقط، الذي هو بلا شك واحد من أسباب النزاع؛ لكن ليس جوهر المشكلة، تدل هذه القراءة الخاطئة للنزاع في العالم العربي على وجود ارتباك فكري وعلمي يميل لاستنساخ آلي لصور نمطية وتحليلات مغرضة واستنتاجات مفرطة في التبسيط، حسب توصيف الدكتور توفيق هامل من جامعة بول فاليري.

على سبيل المثال في النزاع الدائر في اليمن، هناك العديد من القراءات للوضع، الأكثر شعبية وتداولاً منها هي أنه صراع "شيعي - سني"، وهذه القراءة قاصرة إذ تعتبر نسخة معدلة أو نموذجاً مصغراً للرؤية الهنتنغتونية المبنية على "صراع الحضارات" بدلاً من صراع المصالح، في اليمن هناك أسباب انقسامات متعددة ومتشابكة، بما في ذلك تضارب المصالح وهياكل السلطة المتنافسة، والتنافس على الموارد.

دولة اليمن هي بناء ما بعد الاستعمار حديث النشأة، حيث تركيبتها السكانية منقسمة ليس فقط على أساس الولاءات الطائفية والمذهبية والدينية، ولكن أيضاً من خلال المطالب المتنافسة على احتياطيات النفط وتوزيع الثروة.

تقودنا دراسة النزاع إلى فهم نتائجه وآثاره التي عادة ما يدفع ثمنها المدنيون، وهذا يحتم علينا البحث عن دراسة السبل الممكنة للعمل الإنساني في مناطق النزاع وكيفية تخفيف وطأة الكارثة الإنسانية على المدنيين، ولعل ما حدث في سوريا يكشف لنا بوضوح حجم الفشل الذريع في استيعاب وإدارة الوضع الإنساني الناجم عن الصراع، الأمر الذي يفرض على المؤسسات والمنظمات العاملة في هذا الحقل أن تقدم مصفوفة متكاملة من أدوات العمل بهدف تطوير العمل الإنساني من حيث الفهم والممارسات أيضاً.

من الأهمية بمكان إدراك أنه لا يمكننا افتراض بيئة مثالية خالية من النزاع، فهذه الظاهرة قائمة؛ لأنها مرتبطة بالسعي للحصول على حاجات أساسية، مثل: الأمن، والاعتراف، والقبول، بلوغ المشاركة السياسية والاجتماعية، وهذا ما يجعل أصل الظاهرة كامناً، لكن يبقى علينا البحث عن آلية للتعامل مع النزاعات، وكيفية تحويلها من الجانب السلبي إلى الإيجابي من الاقتتال إلى التفاهمات التي تفضي إلى مساحات مشتركة بين جميع الأطراف، وتضمن حقوق الجميع، إن خطوة كهذه ستجعل من المنطقة العربية موطن سلام جاذباً لكل البشر، بدلاً من أن يكون طارداً.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل