المحتوى الرئيسى

هي ورهاب المساواة

11/01 14:36

لا أدري لماذا نربط مفهوم المساواة بموضوع التحول الجنسيّ، وكأنّ مساواة المرأة مع الرّجل تعني أن تسترجل المرأة وتخلع هويّتها الأنثويّة، وتذبح حياءها على مقصلة التحضُّر، عجباً كيف نحكم على الأمور من دون البحث عن معاني المفاهيم ودقّتها!

فصديقتي لا تريد أي مساواة، وهي خائفة على أنوثتها من التّغرير والضّياع، وهي مقتنعة بأهمية الحفاظ على دورها النّمطي في إدارة شؤون المنزل الّتي لا تريد لشريكها أن يشعر ولو للحظة أنّها لا تليق بهذا الدّور المتعارف عليه، وهي فخورة حدّ الإسراف بإجادتها لدورها، ولا تريد أن تطالب بحدود أوسع لقدراتها وطاقاتها ومهاراتها.

لكن يا صديقتي التي أسرفتِ على نفسك ظلماً وجوراً، دعيني أخبرك عن معادلة المساواة كما قرأتُ عنها وخبرتها، واعلمي أن لكلّ اعتقادٍ واختيار ثمناً.

حَبيبتي.. إن كنتِ لا تريدين المساواة، فلا تحزني إن كان شريكك الرّجل في العمل يتقاضى راتباً أعلى منك في الوقت الذي تملكين فيه نفس شهاداته وخبراته وقدراته المهنيّة، بل وقد تتفوّقين عليه في كثير من الأحيان، ولا تيأسي لو ترقّى هذا الآخر وتسلم منصباً أعلى بعد حفنةٍ قليلةٍ من السّنين، بينما بقيتِ لقرون في منصبك التّاريخيّ، كيف لا والرّجال أقدر على تولّي المناصب؟! ألا تعلمين يا عزيزتي أنّه "لن يفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة"؟ هذا الحديث النّبوي الشّريف الذي اقتطعوه من سياقه فأساءوا فهمه في ظروفه الحقيقيّة وأبعاده الزمانيّة والمكانيّة، ثمّ كيف يبرر هؤلاء وجود نماذج ناجحة لقيادات نسائيّة؟!

ولا تجزعي إن أرسل والدك إخوانك الذّكور إلى جامعة مرموقة، بينما أنتِ وأخواتك البنات التحقتنّ بجامعة عاديّة بل أقل! كيف لا وهم رجال المستقبل المعيلون الذين يبدون لي في آخر المطاف يبحثون عن زوجاتٍ بشهاداتٍ مرموقةٍ يعملن لإعانتهم في أعباء المنزل المادّيّة.

ويا عزيزتي.. لا تنزعجي لو أشاروا بالبنان في مجلسٍ ما للمتكلّم الرّجل، وصفّقوا له، وأثنوا على ذكائه وحنكته، بينما تجاهلوا صوت الحقّ فيكِ وصمّوا عقولهم عن حججك القويّة والعلميّة، ولم يجرأوا على ذكر اسمك الذي يُخيّلُ إليهم أنّه جزءٌ من عورتك، ولعورة عقولهم أفظعُ وأشنع، ولا تيأسي لو مُنعتِ من السّفر بغرض العلم أو العمل بحجّة أنّكِ فتاة يخافون عليها من الفساد الأخلاقي والانحلال العاطفي والرِّدّة الدّينيّة*، بينما قرينك الرّجل المعصوم بحكم ذكوريّته سُمح له وفُرِشت دروبه بالبساط الأحمر.

أرجوكِ، لا تسخري من القدر، ولا تسخطي على الرجال، وانعمي بحصاد جهلك وخوفك عمراً مديداً من الانصياع للسلطويةّ الذّكوريّة، ألستِ أنتِ من رضيتِ بأن تكوني بشراً درجة ثانية؟ ألستِ أنتِ من ربّيتِ وزرعتِ مفاهيم الذّكوريّة في أطفالكِ؟

المساواة يا صديقتي هي أن يكون للجميع الحقوق ذاتها بغضِّ النّظر عن اختلافهم الجنسي أو العرقي أو الديني أو اللغوي أو المستوى الاجتماعيّ، وذلك حتى لا تنمو أورام التّمييز والعنصريّة والتّهميش بيننا، وتكون نتيجتها أمراضاً مستعصية من الحقد والكراهية، تفتك بمجتمعاتنا من الدّاخل وتفكّكها.

وإيّاكِ ثم إيّاكِ أن تصدّقي أنّ الإسلام يتعارض مع مفهوم المساواة، بل على العكس تماماً، يقول الدكتور طارق رمضان في كتابه عن "الإصلاح الجذري": "... فالخالق سبحانه وتعالى يخاطب المرأة باعتبارها مساوية للرجل..."، ويضيف بأنّ العلماء السابقين قرأوا النّص من خلال واقعهم وذاتهم الذّكوريّة، وأنّ الانسلاخ عن هذه الأمور أمرٌ مستحيلٌ في "عمليات الفهم والتفسير"، كما أن بحثهم الدّيني استند على نماذج النّساء الموجودة في عصرهم، والتي تختلف بداهةً عن هذه الّتي في عصرنا، ويزيدُ على ذلك هاجسنا من كلِّ ما هو غربي، وبحثنا فوراً عن إجابات دينيّة تدحضه وتنفي مزاعمه.

فإلى متى ستبقى المرأة المسلمة ضميراً غائباً في تجديد أمور فقهها الخاصة؟ وإلى متى ستظلُّ ترفع رايةً بيضاء تتّقي بها شرّ مجتمعها المحدود؟ ومتى تتّخذ زمام المبادرة وتفرض وجودها وكيانها كإنسان متساوٍ مع الرّجل تشاركه في نهضة وتقدّم وتحرّر مجتمعها؟

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل