من "الإسكندرية" إلى "رأس غارب" أخطر كوارث السيول في مصر.. الأمطار أخرجت "ثعابين سيناء" من جحورها.. والعريش "مدينة الموت غرقًا"
حاصدة للأرواح لا تبقى ولا تذر، تكشف دومًا عن إهمال متعمد، وتعري حكومات متتالية، لا يدفع ثمنها سوى المصريين والبسطاء من أرواحهم، وجثثهم التي تجرفها المياه، فلم تلبث مصر وتستفيق من كارثة سيول حتى تتعرض لأخرى ضارية، حتى أضحت محافظات المحروسة على موعد دائم مع الموت بسبب كوارث السيول.
26 قتيلًا ولازال العداد في تصاعد، حال منطقة رأس غارب الآن في محافظة البحر الأحمر، والتي تعرضت مطلع الشتاء الحالي إلى سيول وأمطار غزيرة، بدء بها الفصل المرعب أولى نواته القوية، التي تسببت في كارثة إنسانية، وقفت أمامها الحكومة عاجزة مكتوفة الإيدي.
الصحة، أعلنت أمس أن آخر تعداد وصلت إليه هو مصرع 26 شخصًا و72 آخرين؛ بسبب الأمطار الغزيرة والسيول المستمرة منذ يومين في عدة محافظات، على رأسها جنوب سيناء، ومحافظة سوهاج في صعيد مصر، والبحر الأحمر، بوني سويف.
50 مليون جنيه، ثم 100 مليون جنيه، بتلك الأموال الطائلة، استطاعت الدولة أن تغسل يدها من مذبحة السيول، بعدما خصصتها لضحايها من القتلى والغرقى، وإصلاح البنى المتضررة في المحافظات المختلفة، بعد يومين من الكارثة.
تاريخيًا.. تعتبر منطقة وادي العريش، من أكثر المدن التي تتعرض للسيول، حيث شهدت أكثر من واقعة، ولقبت بمدينة الموت غرقًا، وبدأت رحلتها مع السيول خلال عام 1947، حين تعرضت إلى سيل مدمر، استمر لثلاثة أيام، دمر الكثير من السدود والمنشآت والبيوت السكنية، وراح ضحيته الآلاف من المصريين.
شدة السيل، ظهرت في حجم مياهه، التي بلغت أكثر من 21 مليون متر مكعبًا من المياه المتراكمة، التي صعدت للأدوار العليا من المنازل وجرفت كل شيء في طريقها، وقدر متوسط تصريف المياه آنذاك بمقدار 80 مترًا مكعبًا في الثانية الواحدة، ما أضر بالأراضي الزراعية.
وتكرر نفس السيل خلال عام 1975، ولكنه لم يضرب العريش فقط، ولكن طال قطاع الصعيد أيضًا، ودمر وقتها 200 منزلًا ومصرع 17 شخصًا، وتشريد آلاف الأسر، بسبب قوة المياه التي أغرقت قرى بأكملها ودهست مدن كاملة، كان منها بلدة "منيل هاني".
تلك البلدة، اقتحمت مياه السيول بها نقاط ضعيفة في جسور الإحماء ومخرات السيول، وأغرقت 12 قرية كاملة بها، أما محافظة أسيوط فقد لاقت أضرارًا بالغة، وغرق فيها نحو 10 قرى، وهي: "درنكة، الزاوية، بني غالب، البلايزة أبو حرص، الزرابي، عرب مطير، الهمامية، العتمانية، النواورة"، وأدت لتدمير 3200 منزلًا.
وفي الثمانينات وتحديدًا عام 1987، غرق الجزء الجنوبي من محافظة سيناء، بعدما اجتاح سيل عارم مدن شرم الشيخ، ووادي نويبع وطريق طابا ووادي "وتير"، الذي أحاطته المخاطر وقتها وتخوف كثيرون من أن ينتج كارثة إنسانية أكبر بسببه، لقرب منبعه ومصبه وشدة انحداره، وتقطع السفوح المنحدرة تجاهه.
الكارثة في سيناء وقتها، لم تقتصر على الأمطار والسيول التي جرفت كثيرون، ولكنها أخرجت الثعابين والأفاعي من جحورها داخل الجبال ولدغت نحو 27 مصريًا وقتها، وأدوت بحياتهم على الفور، وعقب انتشال المياه ظل سكان تلك المناطق يعانون لدغات الثعابين.
وكانت مدينة مرسى علم، واحدة من المناطق التي تعرضت لسيول غزيرة، خلال عام 1990، أدت إلى غرق مركز تعدين، حيث احتجزت المياه خلف الطريق العام بارتفاع متر تقريبًا وكان هذا الطريق قد أنشئ حديثًا ولم يؤخذ في الاعتبار عند إنشائه ما يمكن أن يتعرض له في حالة هطول الأمطار السيلية.
وللمرة الثانية، تعرضت محافظة أسيوط خلال عام عام 1994، إلى سيول جارفة احتاجت عددًا كبيرًا من المنازل، والمناطق الأثرية، وسميت سيول "درنكة"، بعدما اصطدمت وقتها بالمباني الملاصقة لجبل أسيوط الغربي مما أحدث شرارة بالاحتكاك مع إحدى عربات قطار نقل الوقود.
وشتعلت النيران وقتها ودخلت السيول القرية محملة بنار مُشتعلة، ونتج عن ذلك تدمير أكثر من 15 ألف منزلًا وإتلاف أكثر من 25 ألف فدانًا من الأراضي الزراعية.
كما تسببت السيول في ضياع معالم طرق ممتدة في ما بين قرى الوجه القبلي، إلى جانب أكثر من 500 قتيلًا؛ نتيجة للتدمير السيلي المباشر أو نتيجة لحرائق البترول التي نتجت عن السيول، إلى جانب الخسائر المترتبة على نقص عدد السياح الأجانب القادمين إلى مشاتي الوجه القبلي، صعيد مصر.
ولم تقتصر كوارث السيول على المحافظات فقط، ولكنها ضربت المناطق الأثرية أيضًا، فخلال عام 1996، تعرضت عددًا من المناطق الأثرية، بالجانب الغربي لنهر النيل، لسيول عارمة، شملت وادي الملوك ووادي الملكات ومعبد سيتي الأول، فيما دمر سور مقبرة "خور محب"، ونتج عن ذلك نقص شديد في أعداد السياح، القادمين بالموسم السياحي الشتوي حينذاك.
وظل سقوط الأمطار مستمر من الثامنة صباحًا حتى الرابعة عصرًا وأدت إلى تدمير 24 برجًا كهربائيًا مما أدى إلى تعطيل محطة تحلية المياه بالغردقة، وكذلك تعطيل وصول المياه العذبة من قنا، وفى نفس العام أزيلت قرية القرنة بالأقصر تماما عن الوجود ووصفت الحكومة السيول وما نتج عنها أنها كارثة طبيعية.
Comments