المحتوى الرئيسى

بروفايل| مصطفى محمود.. «صاحب العلم والإيمان»

10/31 18:37

رحلة فكرية بدأها بالشك، وانتهى فيها إلى اليقين والإيمان المتحقق بالمعاناة والتدبر والبحث عن ماهية الأشياء وجوهرها. لم يمت مصطفى محمود، العالم والطبيب والمُفكر والفيلسوف والأديب والمتصوف ورجل الخير، الذي كان يرى في إنتاجه الفكري «شوية كلام» لا أكثر، كما قال عن نفسه. لم يمت، وإنما رحل جسده فقط في مثل هذه الأيام، قبل 7 سنوات، عن عمر يناهز الـ88 عاماً، فيما تحول بفكره وروحه إلى «أيقونة» للإنسان المفكر والمؤمن عن يقين لا بالوراثة.

كشأن المتدبرين والمجددين والمصلحين المُدققين الذين لا يقبلون الأمور على علاتها، ولا يسلّمون بالمُتشابهات والآراء والموروثات دون تمريرها على فلاتر العقل والمنطق، قامت الدنيا على مصطفى محمود، ولم تقعد منذ أن بدأ سلسلة كتبه التأملية الفكرية بـ«الله والإنسان» في 1950، ثم زاد الهجوم عليه مع إصداره «القرآن.. محاولة لفهم عصري» عام 1969، اتهموه بالتدخل فيما لا يعنيه، ومحاولة تخريب ما رسخ في العقول من فهم دستور الإسلام، وقالوا إن تفسير القرآن لا يقدر عليه إلا المُلم بعلوم الشريعة واللغة، فيما أراد الرجل أن يقدم مُجرد محاولة للفهم، يعمل فيها العقل والفكر والتدبر، الذي هو حقيقة الإيمان وطريقه بنص «الكتاب».

بعدها بعام، أصدر «مصطفى محمود» كتابه «رحلتي من الشك إلى الإيمان»، ثم «حوار مع صديقي المُلحد» يوضح رؤيته وكيف تحول من باحث في قضايا الموت والذات الإلهية والخلق، إلى موقن بالله الخالق الحىّ المُطلق، إلا أنهم أغفلوا تحقُّق إيمانه، وتمسكوا بشكوكه التى أوصلته إلى الدرب.ولد مصطفى محمود في «ميت الكرماء» بالمنوفية عام 1921، وتخرج فى كلية الطب عام 1953، ومارس المهنة 10 سنوات، إلى أن قرر فى النهاية التفرغ للبحث والكتابة، فألف نحو 90 كتاباً تنوعت فى بداياتها بين القصة والرواية والمسرحية، ثم تطورت إلى موضوعات العلوم والتأملات، والفكر الديني والفلسفي والتحليل الاجتماعى والسياسى، وقدّم على شاشة التليفزيون «العلم والإيمان»، أحد أشهر البرامج التليفزيونية فى عصره، يُبسط فيه العلوم وتجارب البشرية وحتى الحيوانات والجمادات، ويتحدث عن الفلك وباطن الأرض، وينطلق من النواة والخلية إلى المجرات العملاقة، فى سيمفونية فكرية تأملية بديعة استمرت على مدار 400 حلقة.

في لقاءاته وجلساته مع أصحابه من الشعراء والمفكرين والمثقفين والفنانين كان دائماً ما يكشف لهم عن قلقه وخوفه من أنه لم يقدم شيئاً ينفعه عند لقاء الله: «هقابل ربنا بإيه؟ ده أنا كل محصولى من الدنيا شوية كلام». فهم «مصطفى محمود»، من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، أن القول غير العمل، وأن الكُتب التى ألّفها، هى ذلك القول، لكن ينقصه العمل، ومن هنا اتجه إلى إنشاء أكبر مشروع خيرى أهلى فى وقته، بدأه بالمسجد فى ميدان «مصطفى محمود» بالمهندسين، وألحقه بمستشفى ومراكز طبية لعلاج محدودى الدخل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل