المحتوى الرئيسى

إنطلاقة قوية للعهد ومناخ إقليمي مُساعد

10/31 09:25

منذ تبنّي الرئيس سعد الحريري مدعوماً من المملكة العربية السعودية خيار رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية قبل نحو عام وقيادة حزب الله تدرس في عمق الأسباب الفعلية التي دفعت بالسعودية لتنفيذ انعطافتها الحادة في لبنان.

تراوحت الترجيحات ما بين مروحة من الأسباب: «حرب اليمن»، «ضغوط أميركية تتعلق بحسابات المنطقة والاستقرار في لبنان»، «شراء اتفاق الطائف بورقة رئاسة الجمهورية»، «خلافات سعودية داخلية»… لكنّ «حزب الله» الذي لم يتجاوب مع خيار فرنجية كان واثقاً بأنّ الأمر لن يطول قبل أن يعتمد الحريري ومعه السعودية خيار العماد ميشال عون.

خلال اللقاءات الثنائية التي كانت تعقد دورياً بين مسؤولين من «حزب الله» وعون، تردّد هذا الكلام مرات عدة: «وصولك الى قصر بعبدا أصبح حتمياً، والمسألة هي مسألة وقت وتوقيت ليس أكثر».

ما من شك في أنّ ثمة جديداً طرأ على الواقع الإقليمي سمح بتمرير الصفقة الرئاسية اللبنانية، ولو أنّ هذا الجديد لا يزال في الكواليس وبعيداً عن التداول. وخلال الساعات الماضية تحدثت شبكة «سي أن أن» الاميركية والتي لها تواصل قوي مع دوائر القرار الاميركي عن تحولات جديدة بدأت في الشرق الاوسط وستأخذ مداها الزمني والذي قد يمتدّ لسنة لتترسّخ على أرض الواقع.

الكلام الذي نقلته الشبكة الاميركية عن مسؤولين اميركيين كبار بَدا غريباً في وقت تتصاعد فيه الحماوة في حلب وتستهدف الصواريخ البالستية للحوثيين المدن السعودية الكبيرة، لكنّ معركة طرد «داعش» من الموصل قائمة مع ما يعني ذلك اكتمال التفاهم على المشروع السياسي الذي سينتج من بعدها. هذا المشروع يستوجب حصول اتفاقات عريضة قبل الشروع في المعركة ومن بعدها الاندفاع في المسار السياسي.

مصادر ديبلوماسية اميركية تحدثت عن اتجاهين يتنازعان قيادة الحزب الديموقراطي الاميركي والتي تبدو واثقة من الاحتفاظ بالبيت الابيض: الأوّل مؤلف في معظمه من رجال إدارة الرئيس باراك اوباما الحالية ويقترح الضغط على مجلس الامن لإصدار قرار يعترف نهائياً بقيام دولة فلسطين وفق حدود العام 1967.

والثاني مؤلف في غالبيته من الشخصيات التي تشكل فريق عمل هيلاري كلينتون والذين سيتولّون مواقع أساسية في الادارة بعد فوزها، ويدعو إلى التريّث لأنّ هذا الامر سيؤدي الى خسارة أصوات اليهود المتشددين، ولو أنّ معظم أعضاء اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الاميركية خصوصاً رجال الاعمال والديبلوماسيين يؤيّدون حلّ الدولتين بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

لكنّ أنصار الخيار الأوّل اقترحوا أن تبدأ الخطوة الاميركية فور إغلاق صناديق الاقتراع الاميركية، وأنه من الافضل لكلينتون أن تتولى إدارة اوباما خلال الوقت المتبقّي لها «اقتحام» هذا الخيار، ما يتيح لإدارة كلينتون لاحقاً الشروع في حلول الشرق الاوسط بشكل مريح أكثر بعد أن تكون إدارة اوباما قد تَولّت تفجير بعض الالغام خلال الفترة المتبقية لها.

والاستنتاج هنا يبدو واضحاً بأنّ ثمة مسائل كثيرة وكبيرة جرى التفاهم عليها وتتعلق بالساحات اليمنية والعراقية والسورية، ما يستوجب البدء بالدفع بالحلول المتعلقة بإسرائيل وفلسطين، ذلك أنّ الاعتقاد الذي ساد خلال الاشهر الماضية أنه فور تركيز التسوية خصوصاً في سوريا ينطلق المسار الاسرائيلي – الفلسطيني ومعه المسار الاسرائيلي – العربي.

وتروي هذه المصادر، التي تَتنقّل ما بين العاصمة الاميركية والعواصم الاوروبية خصوصاً باريس، أنّ سلطنة عمان عاوَدت لعب دور التواصل مجدداً بين السعودية وايران بهدف التمهيد لترتيبات معينة خلال الاشهر القليلة المقبلة.

وكشفت أنّ الكويت ستعاود احتضان اللقاءات السعودية- الايرانية لإنجاز تسوية في اليمن بعدما كانت قد توقفت قبل اشهر وذلك في موازاة الاتصالات التي ستتولاها سلطنة عمان بين الدولتين.

ويبدو أنّ التسوية الرئاسية في لبنان استفادت من هذه التحضيرات الحاصلة في المنطقة، ما سمح بإحداث خرق مبكر في الملف اللبناني الذي ما يزال يحتفظ بسقف إقليمي معقول.

وانسجاماً مع وجهة النظر هذه يمكن إدراج الموافقة الايرانية المبكرة على خيار عون، والتي جاءت على لسان مساعد وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان. وكانت بمثابة «تلويح» إيراني من بعيد للسعودية خصوصاً أنه قال بوضوح إنّ خيار الحريري يحظى بموافقة السعودية.

كما يُعتبر تَقَصّد الرياض إيفاد وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان الى لبنان قبل حصول الانتخابات وليس بعدها، بمثابة الاشارة السعودية بمباركة الاتفاق الى حدّ تبنّيه.

صحيح أنّ السعودية لم تختر إيفاد وزير الخارجية او شخصية اخرى تشغل موقعاً أرفع لكنّ الحقيقة أنّ السبهان هو الشخصية السعودية الأولى التي تزور لبنان منذ ما قبل الحرب في سوريا، في إشارة الى أنّ لبنان لا يزال في دائرة اهتماماتها ومصالحها الخارجية.

وما بين «التلويحين» عن بعد ما بين ايران والسعودية، تبدو الرعاية الخارجية حاضرة ولو بخَفر لمواكبة إنتاج سلطة جديدة وفق توازنات معينة. لذلك فإنّ الدعوة إلى الاقتراع اليوم بورقة بيضاء إنما تهدف حقيقة إلى تشجيع نواب إضافيين على الانضمام سرّاً بهدف قطع الطريق على عون من الوصول من الدورة الاولى، من هنا يعمل فريق عون على إجهاض هذا الهدف بهدف الوصول بقوة الى قصر بعبدا من الدورة الاولى. كما أنّ الهدف الثاني هو إظهار وجود كتلة معترضة سيمثّلها الرئيس نبيه برّي لاحقاً خلال عملية التفاوض حول توازنات الحكومة.

وبعد جلسة انتخاب عون رئيساً للجمهورية، ستبدأ المشاورات الملزمة لتكليف الحريري بتشكيل الحكومة يوم الاربعاء المقبل او الخميس في أبعد احتمال. خلال هذ الوقت الضيّق سيحاول الحريري استمالة برّي مجدداً لإقناعه بتسميته لرئاسة الحكومة، وهو في مقابلته الاخيرة مع الزميل مارسيل غانم أظهَر شيئاً من الحنكة السياسية أكسَبته إيّاها ربما سنوات الغربة عن السلطة والتي كانت مرة من دون شك.

فشدّد الحريري على التفاهم مع برّي، مُغدقاً عليه بعض الغَزل «وبيمون أبو مصطفى»، والأهمّ أنه اعتبر أنّ مشكلة برّي هي مع «حزب الله» وليست معه. ويُرجّح البعض أن تسمّي كتلة برّي الحريري في نهاية المطاف على رغم انّ كتلة «حزب الله» لن تسمّي أحداً.

وبعدها يبدأ المسار الصعب لتشكيل الحكومة، وسيتولّى برّي مهمة إدخال كل القوى في حكومة «الوحدة الوطنية»، وسيسعى ضمناً إلى ضمان حصته وفرض نفسه شريكاً ثالثاً الى جانب عون والحريري. أمّا الأهمّ، والذي قد لا يجري تداوله أبداً بشكل معلن، فهو تأمين الثلث المعطّل تحت عنوان أن تضمّ الحكومة كل القوى السياسية.

لكنّ هذه المفاوضات الصعبة لن تطول على عكس اعتقاد الجميع، أولاً لدعم انطلاقة عهد عون بقوة ما سيعني تدخّل «حزب الله» لتدوير الزوايا عندما يحين الأوان وتتأمّن الخطوط العريضة للتشكيلة الحكومية، ثانياً إنصياعاً مع المناخ الآتي في اتجاه المنطقة ومرحلة المفاوضات والتسويات بالجملة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل