المحتوى الرئيسى

خوف نتنياهو من أوباما

10/31 01:25

وصف رئيس الحكومة ووزير الدفاع الأسبق، إيهود باراك، ذات مرة إسرائيل بأنها «فيلا في الأدغال»، ولكن حكومة الفيلا في الشهور القريبة ليست قلقة جدا من الحيوانات في الأدغال. فإسرائيل تتمتع بإحدى الفترات الأهدأ في تاريخها. وليس هناك أي عدو فعلي، جدي ومقتدر يهددها. فاتفاقيات السلام مع مصر والأردن أقوى من أي وقت مضى، والقيادة السياسية والأمنية في الدولتين تتعاون مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. و»حزب الله» في لبنان مرتدع منذ أكثر من عقد وغارق حتى عنقه في الوحل الدامي للحرب الأهلية في سوريا. أما رجال «الدولة الإسلامية» ومجموعة «نصرة فتح الشام» في هضبة الجولان فمنشغلون في معاركهم وهم غير معنيين بإسرائيل. كما أن «ولاية سيناء» من «الدولة الإسلامية»، غارقة في معارك مع الجيش وقوات لأمن المصرية، وإسرائيل ليس على رأس أولوياتها. وحماس في غزة مرتدعة ولا رغبة لها في جولة جديدة.

والمشروع النووي الإيراني تقلص. والحرس الثوري وفيلق القدس غارقون إلى أبعد مدى في الحرب في العراق وسوريا واليمن. والحلبة السياسية والأمنية في إيران غارقة في معارك داخلية وتستعد لانتخابات الرئاسة بعد نصف عام.

والعداء لإيران والخوف منها ومن سعيها للهيمنة الإقليمية تقرب سرا إلى إسرائيل السعودية، والبحرين ودولة الإمارات العربية، وفق ما ينشر في الخارج. وهذه الدول تتطلع للقدرات والتكنولوجيا المتطورة الإسرائيلية في كل الميادين. ومتقاعدي الموساد والشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية وخبراء في التكنولوجيا المتطورة يعقدون صفقات جيدة في دول الخليج. باختصار، مكانة إسرائيل الاستراتيجية في الشرق الأوسط لم تكن أبدا أفضل. ولكن بدلا من التمتع بوضعها الصلب وبدلا من تجييره لتعزيز أمنها وتحقيق تسوية سياسية مع الفلسطينيين، تخشى حكومة فيلا الأدغال تحديدا من حارس الغابات، الصديق الأفضل: الصديق الذي أعانها طوال عشرات السنين في بناء الفيلا وتحصينها، وأغدق عليها السلاح بكل صنوفه وحماها من كل شر.

وحكومة اليمين برئاسة نتنياهو يتملّكها الخوف من إدارة أوباما. وكل اهتمامها ينصب على اليوم التالي لانتخابات الرئاسة الأميركية، التي ستجري بعد أقل من أسبوعين. والفترة بين 9 تشرين ثاني و21 كانون ثاني، حينما يترك أوباما البيت الأبيض وتحل الرئيسة، كما يبدو، مكانه، فترة مصيرية لرؤية وتكتيك واستراتيجية نتنياهو.

فالخوف، التردد، التذبذب والبحث عن أعداء، حقيقيين أو وهميين، أيضا كوسيلة لصرف الأنظار وتجنيد المؤيدين، أسلوب تميز به نتنياهو، وأظهر عبره قدرات في ولاياته الثلاث في الحكم منذ 2009. وهو دائم التمترس في دائرة يرسمها، ولا يخرج عنها. وهو لا ينوي اختراق الدائرة. وكل حياة نتنياهو هي التدحرج من أزمة إلى أخرى، وصد الضغوط وكسب الوقت، على أمل أن لا يضطر لدفع ثمن باهظ.

وقد أثبت هذا الأسلوب نفسه. في بداية ولايته الثانية وولاية أوباما الأولى، حين خاف نتنياهو فعلا من أوباما ألقى خطاب بار إيلان، الذي التزم فيه برؤيا الدولتين، دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وللسبب نفسه اضطر نتنياهو لتجميد بناء المستوطنات لنصف عام ووافق على إدارة مفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ولكن أبو مازن لم يفهم ولم يستغل نافذة الفرص، وضيع احتمالا، ولو ضئيلا، لفحص نيات نتنياهو، أو ربما خدعته.

وقد تصرف نتنياهو في العام 2009 ليس فقط لأنه يخشى أوبما، وإنما أيضا لأنه كان إلى جانبه رجال أقوياء وأصحاب رأي، اضطر للإصغاء لهم، وهم أثروا عليه ولطّفوا مواقفه. وكان بين هؤلاء وزير الدفاع إيهود براك، ورئيس الأركان غابي أشكنازي، ورئيس الموساد مئير داغان ورئيس الشاباك يوفال ديسكين.

في تلك الفترة أيضا احتاج نتنياهو جدا للإدارة الأميركية من أجل دفع الأسرة الدولية، بمن فيها روسيا، لفرض عقوبات اقتصادية وضغوط ديبلوماسية على إيرن. وقد تطلع نتنياهو وبراك لإحداث، ـ وفق شهادة داغان وأشكنازي ورئيس CIA وNSA مايكل هايدن ـ سلسلة خطوات استفزازية (تجنيد قوات احتياطية) بقصد جر أميركا للحرب ضد إيران. وقد منع هذه الحرب أشكنازي وداغان وديسكين وهايدن وقادة آخرون في الاستخبارات والجيش الأميركي وفي الإدارة فهموا مقاصدهم.

ولم يرتدع نتنياهو من كبح كل خططه الخفية في كل ما يتصل بإيران. بل على العكس. تصرفاته في هذه المسألة، سويا مع انجازاته في الانتخابات الإسرائيلية، عززت عزمه، وافتخاره وإيمانه بعدالة طريقه. وهو لم يتردد في التدخل في الشؤون الداخلية الأميركية، ولم يخف دعمه للمرشح الجمهوري ميت رومني في انتخابات 2012، ولم يتضرر. وخرج في حملة صليبية في الكونغرس والرأي العام الأميركي ضد أوباما وضد الاتفاق الذي بلوره مع إيران. وأهان نتنياهو أوباما بشكل لم يتجرأ على فعله أي رئيس دولة صديقة مع الرئيس الأميركي (عدا الرئيس الفليبيني الجديد رودريغو دوتراتا، الذي قال إن أوباما «ابن عاهرة وليذهب للجحيم»). ولكن بدلا من أن يعاقب أوباما نتنياهو، أغدق على إسرائيل 38 مليار دولار في مذكرة التفاهم التي وقعت بين الدولتين للعقد المقبل. صحيح أنه لولا مناكفة رئيس الحكومة لأوباما لحصلت إسرائيل على مبلغ أكبر، ولكن حتى بذلك يستطيع نتنياهو أن يتفاخر بأن العلاقات بين الدولتين لم تتضرر.

وفعلا، رئيس الحكومة يشير إلى ذلك في كل مناسبة. وبحق، وحتى الآن ورغم أن نتنياهو وأوباما لا يطيقان بعضهما، العلاقات على كل المستويات ـ بالتأكيد بين المؤسستين لاستخبارية والعسكرية ـ لم تتضرر. وبوسع نتنياهو أن يبتسم حتى اليوم راضيا وأن يقول لنفسه: تصرفت بنكران جميل وناكفت معيني، ملك الغابة، ولم تسقط شعرة من رأسي. بالمناسبة، تلقيت مرة تلو مرة كل ما أريد.

لكن التشديد هو على عبارة حتى الآن. نتنياهو يعرف أن الخطر بأن ينتقم منه أوباما لم يمر بعد، وربما تعاظم. وهو ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان وكل وزراء المجلس الوزاري يقضمون أظافرهم بقلق كبير. في السبعين يوما بين موعد الانتخابات وأداء الرئيس الجديد اليمين سيكون أوباما محررا من كل الضغوط السياسية، الحزبية أو الانتخابية، والاعتبارات الداخلية، ومن المتبرعين ورجال جماعات الضغط. ويمكنه أن يسمح لنفسه باتخاذ قرارات وفق ضميره ورؤيته، وأن يبقي خلفه تراثا، وأن يرسم للإدارة المقبلة مسارا تمشي فيه.

وخوف رئيس الحكومة، المعروف برؤيته التشاؤمية، هو من أن تدعم إدارة أوباما أو أن لا تستخدم حق النقض (الفيتو) أو أن لا تعارض تقديم فرنسا أو أية دولة أخرى مشروع قرار في مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدانة الاستيطان الإسرائيلي. وفي الماضي عارضت كل الإدارات مشاريع قرارات من طرف واحد ضد إسرائيل وعرقلتها حتى قبل عرضها للتصويت أو استخدمت الفيتو لمنع إقرارها.

ولذلك فإن رئيس الحكومة أيضا يبدو كمن يتصرف بحذر ويتجنب الضجة غير اللازمة. ولهذا السبب تطلب حكومته من المحكمة العليا السماح لها بتأجيل تنفيذ قرار إخلاء عمونه. فالإخلاء سيجلب على نتنياهو غضب المستوطنين والبيت اليهودي. وعدم تنفيذ قرار المحكمة العليا سيلطخ سمعة إسرائيل أكثر في نظر أميركا والغرب واعتبارها دولة تتنصل من القيم الديموقراطية والالتزام بالقانون. وللسبب نفسه، وبغية صد ضغوط المستوطنين وتلطيف موقف الأسرة الدولية، اتخذ المجلس الوزاري المصغر قرارا سريا بالسماح للفلسطينيين بالبناء في المنطقة «ج»، التي لإسرائيل فيها سيطرة أمنية ومدنية. فالمصادقة على البناء محدودة، لكن هذه هي المرة الأولى منذ سنوات طويلة.

وإذا اتخذ مجلس الأمن قرارا معاديا لإسرائيل، فإن ذلك سيمهد الطريق لقرارات أخرى قد ترسخ مستقبلا البنية التحتية لفرض عقوبات على إسرائيل. وطالما ان قرارات كهذه او مشابهة لها تتخذ في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، من دون طابع ملزم، كان بوسع إسرائيل أن تستخف بها، وتهزأ وتتجاهل أو فقط أن تتذمر منها وتواصل بعدها سياستها الاستيطانية وتضلل الأسرة الدولية. لكن قرارا من مجلس الأمن الدولي ليس مزحة.

ولذلك فإن كل القيادة السياسية في إسرائيل تحاول أن تحصل على معلومات، وعلى طرف خيط، كي تفهم اتجاه أوباما. وهي تستخدم كل مصدر ممكن، كل رافعة تأثير أو قرب من البيت الأبيض ـ أشخاص أو منظمات ـ لمعرفة ما ينوي فعله. وحتى الآن من دون نتائج. ولا يعرف رئيس الحكومة ولا مجلسه الوزاري أي شيء عما سيجري في السبعين يوما. بأنهم ا يعرفون إن كان الرئيس الأميركي اتخذ قراره، أم أنه لا يزال يفكر في الأمر. ومن الجائز أن أوباما لم يبلور بعد رأيا.

ولكن بالوسع أيضا الافتراض أنه عند نتنياهو، ومساعدية ووزرائه تتسرب الخشية من أن أوباما، رغم سلوكه المتسامح، وهنك من سيقول: «المسيحي»، الذي يقدم الخد الثانية، قد يكون منتقما وحاملا. ومثل هذا الخوف يتعاظم، إذا حاكمنا وفق تدخله العميق والعاطفي (سوية مع زوجته ميشال التي تجتذب الجموع بخطاباتها) في الأيام الأخيرة. ويبدو أن أوباما لا يرغب فقط في دعم كلينتون وضمان انتصار الحزب الديموقراطي في انتخابات الكونغرس، وإنما يتطلع لإذلال دونالد ترامب وأنصاره. وواحد منهم هو رجل الكازينو شلدون أدلسون، صاحب صحيفتي «إسرائيل اليوم» و «لاس فيغاس ريفيو جورنال» من القلائل في العالم المؤيدين لترامب. ولا داعي هنا للحديث عن علاقات نتنياهو مع أدلسون.

فهل سينتقم أوباما من نتنياهو؟ الجواب يقضّ مضجع الجيش الإسرائيلي والشاباك. هل ستنضم الولايات المتحدة أو لا تمنع قرارا ضد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، الأمر اذي يعزز مكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المعتمد على النضال الديبلوماسي والقانوني (في الحكومة لا حدود للوقاحة، لليأس وللخوف، يسمون ذلك «إرهاب سياسي» و «إرهاب قانوني») وسيمنحه دعما لمواصلة طريقه، في محاولة لأن تفرض على إسرائيل تسوية عبر الأسرة الدولية.

وتعزيز مكانة أبو مازن تعتبر لعنة في نظر نتنياهو وحكومته، لكن تفسيرها أيضا هو إبعاد فرصة تعاظم العنف والإرهاب الفلسطيني المستمر منذ 13 شهرا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل