المحتوى الرئيسى

بعد 500 عام من الخلاف بين البروتستانت والكاثوليك.. هل آن لجراح حركة الإصلاح الديني أن تلتئم؟

10/30 21:25

فعل بسيط استغرق دقائق معدودات، أشعل فتيل ملحمة من الاضطرابات السياسية والدينية التي غيَّرت وجه أوروبا، خرج راهب يدعى مارتن لوثر في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1517 إلى كنيسة في بلدة ألمانية تدعى ويتنبرغ، وثبّت بمسمارٍ وثيقة تحتوي على أطروحاته الخمس والتسعين على أبوابها الخشبية، ليشعل بذلك فتيل عصر الإصلاح الديني.

يوم الاثنين، أمَّ البابا فرانسيس قداساً مسكونياً بكاتدرائية لوند بجنوب السويد، ليكون بداية لسلسلة من الأحداث التي سوف تستمر حتى حلول ذكرى مرور 500 عام على الحركة التي نتج عنها أكبر انفصال في المسيحية الغربية، وعدد من الحروب الدينية، التي لا تزال أصداؤها الطائفية تتردد اليوم في مدرجات ملاعب كرة القدم في شمال أوروبا، وفق ما ذكرت "الغارديان".

سوف يقضي القادة المسيحيون والأبرشيات المسيحية الشهور الـ12 المقبلة في تعزيز التوجه صوب مزيد من التعاون والحوار، بعد قرون من الانقسام. وسوف يؤم البابا فرانسيس الصلاة، في الزيارة البابوية الأولى للسويد منذ أكثر من 25 عاماً، ليطلب "الصفح عن الانقسامات التي تسبب فيها مسيحيون من الطرفين". كما سوف يقيم البابا قداساً في مالمو بحضور حوالي عشرة آلاف مصل.

وأصدر القادة الكاثوليك بياناً مشتركاً مع الكنيسة البروتستانتية الرئيسية في ألمانيا، دعوا فيه إلى "معالجة جروح ذكريات" انقسامات الماضي. يأتي هذا تزامناً مع انتهاء حج مسكوني إلى الأراضي المقدسة بهدف تسليط الضوء على الجذور المشتركة للكنيستين، بالرغم من الانقسامات بينهما.

هذه الاحتفالات هي أحدث خطوة في عملية التقارب البطيئة بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية، التي يقودها البابا فرانسيس، الذي وضع المسكونية ومعالجة جراح الماضي في القلب من سياسته البابوية.

مع ذلك، فهذه الخطوات لا تخلو من الجدل. فقد قال ديارمايد ماك كولوش، أستاذ تاريخ الكنيسة بجامعة أكسفورد ومؤلف كتاب (تاريخ عصر الإصلاح الديني): "هناك جناح يميني في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية يجد ذلك الأمر برمته بغيضاً جداً، لكنهم من هذا النوع من الناس الذين يكرهون البابا الحالي على كل حال".

وقال ماك كولوش: "من ناحية أخرى لا تزال هناك بقايا البروتستانتية المتشددة، ففي شمال أيرلندا على سبيل المثال، سوف تجد وعاظاً يتكلمون عن بشاعة هذا التقارب".

المسائل التي أدت لميلاد الإصلاح الديني منذ 500 عام، لا تزال موجودة

وتقول وثيقة حديثة وقَّعها عشرات البروتستانت الإنجيليين بعنوان: "هل انتهى عصر الإصلاح؟"، إنه على الرغم من أن التعاون بين الكنيسيتين ينبغي تشجيعه في المجالات ذات الاهتمام المشترك، فإن "المسائل التي أدت لميلاد الإصلاح الديني منذ 500 عام لا تزال موجودة إلى حد كبير في القرن الحادي والعشرين، بالنسبة للكنيسة ككل".

بحسب مؤرخين، فإن لوثر لم ينو أبداً أن تؤدي أطروحاته الـ95 -التي ربما يكون قد علقها على أبواب الكنائس فعلاً وربما لا يكون قد فعل ذلك- إلى إشعال ثورة. فقد قال المطران ويليان كيني، الرئيس الكاثوليكي المشارك في الحوار الدولي بين اللوثريين والكاثوليك، الذي سوف يصحب البابا إلى السويد: "لقد بدأ لوثر بطلب الإصلاح، لم يخطط أبداً للانفصال عن الكنيسة اللاتينية، لم يكن هذا ما بدأ الأمر به".

البيع المربح جداً لصكوك الغفران

ومع ذلك، فإن أطروحات لوثر، التي كتبها باللاتينية، تحدَّت بعمق سلطة ونخبوية الكنيسة الكاثوليكية. كانت أطروحاته ردَّ فعل على الفساد المتزايد، وخصوصاً البيع المربح جداً لصكوك الغفران، التي روَّج لها باعتبارها تذكرة للدخول السريع للجنة، من أجل تمويل بناء كاتدرائية القديس بطرس في روما. أعلن لوثر أنه عندما يتعلق الأمر بنيل "التبرير" -تجنب الجحيم ودخول الجنة- فلا يمكن وجود أية واسطة، أو سمسرة من قِبَل الكنيسة، فالخلاص أمر بين الفرد والله.

هكذا أشعلت ثورة دينية وفكرية

كان ذلك أمراً ثورياً بحق. أصبحت أفكار لوثر التي سرعان ما ترجمت إلى الألمانية ولُغات أوروبية أخرى، حديث أوروبا، في غضون أسابيع، بفضل المطابع حديثة الاكتشاف، التي كانت بمثابة غوغل وتويتر في العصور الوسطى، ما أدى إلى إشعال انتفاضات دينية وسياسية وفكرية وثقافية.

أدانت روما الراهب لوثر بوصفه مهرطقاً، وعزلته من الكهنوت، وحظرت كتاباته. ورداً على ذلك، أحرق لوثر المرسوم البابوي علناً. تراجعت مبيعات صكوك الغفران وبدأت أفكاره في السيطرة.

وقال ريتشارك هالواي، الأسقف الأسبق لأبرشية إدنبرة الإنجيلية، الذي يعتنق اللاأدرية حالياً، ومؤلف كتاب (قليل من تاريخ الدين) الذي نُشر خلال الصيف الماضي: "لقد أدى ذلك لإطلاق شيء جيد: تحدي السلطة، وهو الأمر الذي لطالما كان جيداً للمجتمع الإنساني".

وقال هالواي: "لتلك الحركة جانب مظلم، لكنها حرَّكت الجدلَ الديني مع السلطة المقدسة المفروضة من أعلى، وأدخلت إلى النقاش نوعاً من الاعتراض على تلك السلطة. أظن أن الأمر كان سوف يحدث بطريقة أو بأخرى، حتى لو لم يبدأه لوثر. إن البشر كائنات ثورية، تُراجِع مؤسساتها وتتحداها باستمرار".

قام آخرون، منهم جون كالفين، بتكرار التحدي الذي بدأه لوثر ضد الكنيسة الكاثوليكية، التي كانت منيعة يوماً ما. انتشرت أفكارهم من جنيف إلى اسكتلندا وفرنسا وهولندا، ألهمت تلك الأفكار الجديدة حرب الفلاحين في ألمانيا، التي استمرت من 1524 حتى 1525. أما في إنجلترا، فقد بدأ هنري الثامن، مدفوعاً بالشبق والرغبة في ولي للعهد أكثر من أي شيء آخر، بدأ انفصالاً أقل وضوحاً عن الكنيسة الكاثوليكية.

أطلقت روما حركة إصلاح مضادة، لكن بحلول نهاية القرن السادس عشر كانت كل أوروبا الشمالية تقريباً قد أصبحت بروتستانتية، وإن كان على هيئة جماعات متحاربة.

أطلقت حركة الإصلاح الديني -فضلاً عن سفك الدماء- تدميراً رهيباً للتراث الديني والفني. ففي إنجلترا تم الاستيلاء على أكثر من 800 دير وكنيسة وأديرة للراهبات وأخرى للرهبان، ودُمرت مكتبات، وفُقدت مخطوطات، ونُهبت كنوز وأعمال فنية. لكن عصر الإصلاح أدى أيضاً إلى بزوغ نجم أشكال جديدة من الفن، وهي الموسيقى والأدب.

وقال هالواي: "كان حل الأديرة مأساة، فقد الكثير من الجمال للأبد، لكنه أطلق أيضاً قوة الفرد، وقوة المجموعات الكبيرة، في مقابل المؤسسة الضخمة، خسارة ومكسب، هذه قصتنا".

وبحسب نيك بينز، أسقف ليدز، الذي سوف يُلقي غداً خطاباً حول الإصلاح الديني في دير إرفورت، بوسط ألمانيا، حيث عاش لوثر عندما كان راهباً، فإن الراهب والكهنوتي الألماني كان معقداً ومجادلاً ومعتل المزاج.

وقال بينز: "قال لوثر أشياء فظيعة عن اليهود، وقد ترتبت عليها عواقب وخيمة بعد ذلك بأربعة قرون. كما لم يكن لوثر مؤيداً للنسوية، كان مقتنعاً بمفهوم الفضيلة، إلا أنه لم يمارسها تجاه الآخرين. كان شجاعاً جداً، لكن لا بد أن التعامل معه كان أمراً كابوسياً، لكن معظم الناس الذين يغيرون العالم هكذا".

استغرق الأمر من الكاثوليك بعض الوقت، ليروا مزايا التحديات التي واجههم بها لوثر، لكن الكنيسة كانت تحتاج إلى إصلاح بحسب كيني الذي قال: "كانت لدينا مشكلة بيع صكوك الغفران، كان هناك فساد في أجزاء من الكنيسة، أعتقد أن الأمر في النهاية صبَّ في مصلحة الكنيسة الكاثوليكيةـ أعني الإصلاح، لا انقسام الكنيسة، فقد أُجبرت الكنيسة على أن تفكر مرة أخرى، وتجدد نفسها، وهذا أمر إيجابي".

ومع ذلك، فقد استغرق الأمر حتى عام 1999 لكي توافق الكنيسة الكاثوليكية والكنائس اللوثرية على إعلان مشترك يحل الكثير من المسائل اللاهوتية التي كانت في القلب من عملية الانفصال بينهما. وأضاف كيني: "كانت تلك خطوة هائلة للأمام، ونحن الآن نحاول العمل على النتائج المترتبة على تلك الخطوة".

وكان البابا جون بول الثاني، والبابا بينيديكت قد انخرطا في بعض الحوار مع اللوثريين والبروتستانت، لكن فرانسيس هو من مضى قدماً بحق في ذلك الأمر. وقال ماك كولوش: "لخمسمائة عام، كانت أوروبا منقسمة ذلك الانقسام الكبير بين الكاثوليك والبروتستانت. أما الآن فالبابا يذهب إلى دولة لوثرية للتأكيد على أن الانقسام من الماضي. إن هذه الزيارة تتويج لجهود ضخمة من قبل اللوثريين والبابوية خلال العشرين عاماً الأخيرة".

وقال هالواي إن البابا فرانسيس قد "خفف النبرة، وسوف يمضي الحوار بشكل أدفأ وأجمل، ومن يدري إلى أين سوف يقود ذلك الحوار، لكن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تشبه حاملة طائرات شديدة الضخامة، ويستغرق الأمر وقتاً طويلاً لإحداث تعديل بسيط جداً".

وأضاف هالواي: "إن حدسي أننا ننتقل إلى مرحلة سوف نحظى فيها بالمقابل الديني للتعددية الثقافية. لن نسعى للدمج، كما كنا سابقاً، لكننا سوف نسعى لرؤية القيمة في الاختلافات، طالما كانت موزونة بتسامح متعاطف تجاه بعضها البعض".

وقال كيني إنه يعتقد بوجود "احتمال واقعي" من وجهة نظر كاثوليكية، أن الكنيستين سوف تندمجان، لكنه أضاف أن "هناك الكثير من القضايا التي تحتاج إلى حل".

من هذه القضايا قضية المرأة، فعلى الرغم من الدماثة التي يبديها البابا فرانسيس تجاه الأعضاء النساء في الكنيسة الكاثوليكية، واعترافه المتكرر بالدور الذي يلعبنه في القيادة الحياتية، فإنه أصر على أن "الباب مغلق" أمام النساء في الكهانة، على الرغم من تلميحه لإمكانية السماح بشمامسة نساء.

ليس لدى اللوثريين وخز ضمير حيال ذلك الأمر. لقد كان لكنيسة السويد قساوسة نساء لأكثر من نصف قرن، وللدنماركيين لأكثر من ٧٠ عاماً. وسوف يتم التأكيد على هذه الهوة بين الكنيستين حيال ذلك الأمر عندما يلتقي فرنسيس، رأس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وجهاً لوجه مع رئيس كنيسة السويد، رئيسة الأساقفة أنتجي جاكلين، وهي امرأة.

1517 نشر الأطروحات الـ95 للوثر التي جادل فيها بأن الخلاص يعتمد على العقيدة وحدها.

1521: لوثر يرفض التراجع عن أفكاره ويُطرد رسمياً من قبل البابا ليو العاشر.

1522: ترجمة لوثر للعهد الجديد إلى العامية الألمانية يقرب الناس من النصوص المقدسة ويشعل وقود انتقاد الكنيسة الرومانية.

1524: الفلاحون الألمان، بإلهام جزئي من لوثر، ينتفضون ضد الأسياد الإقطاعيين.

1526: نشر ترجمة ويليام تينديل الإنجليزية للعهد الجديد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل