المحتوى الرئيسى

المسكوت عنه فى التوتر المصرى ـ السعودى: الخطر الإيرانى! | المصري اليوم

10/28 22:28

يُقال فى أول درس فى العلاقات الدولية، إنه ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، ولكن فقط مصالح دائمة. وينطبق ذلك بشكل ربما واضح تماماً على ما يبدو أنه توتر مكتوم رسمياً، بين مصر والسعودية فى الشهور الأخيرة، وتحديداً منذ التسوية الأمريكية ـ الإيرانية للملف النووى، وما تبعه من رفع الحِصار الاقتصادى الأمريكى عن إيران، والإفراج لإيران عن عدة مليارات من الدولارات كانت مُجمدة فى البنوك الأمريكية، وكذلك إعادة تشغيل وضخ وتصدير النفط من الحقول الإيرانية التى ظلّت مُعطلة خلال عقود الحِصار.

قد لا يبدو كل ذلك مشكلة بالنسبة للمواطن المصرى، الذى لا تحمل ذاكرته التاريخية خوفاً، أو بغضاً، أو كراهية لإيران أو لثقافتها الفارسية. ولكن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لعرب المشرق عموماً، ولعرب الجزيرة والخليج خصوصاً. كما يبدو أن الذاكرة التاريخية للفُرس الإيرانيين، بدورها، سهلة التحريك والتعبئة والاقتحامية لمُحيطها الجغرافى ـ السياسى. فمنذ معركتى القادسية ونهاوند فى القرن الأول الهجرى (651 ميلادية) اللتين انتصر فيهما العرب، لأول مرة فى التاريخ على الفُرس، ورغم دخول الإسلام وانتشاره فى إيران بعد المعركتين، إلا أن الإيرانيين لم يتعربوا، كما حدث مثلاً فى العِراق والشام ومصر والمغرب.. لماذا؟

لأن الفُرس يعتبرون أنفسهم آريين، والمُنحدرون من الجنس الآرى، مثلهم مثل الألمان، يعتبرون أنفسهم أكثر تميزاً وتفوقاً على جيرانهم العرب الساميين. لذلك تمسك الفُرس بلغتهم وثقافتهم، وتحالفوا مع أى أطراف أخرى ضد جيرانهم العرب، بما فى ذلك المغول، الذين أسقطوا آخر الممالك العربية فى بغداد عام 1258 ميلادية.

هذا فضلاً عن عدم تقدير معظم المصريين، بمن فيهم كبار المسؤولين، لخطورة المشاريع الإيرانية للاختراق والسيطرة على دول الجِوار العربية فى الخليج وبلاد الشام. كما لا يشعر المصريون عامة لا بالتفوق ولا بالغطرسة الفارسية. ربما لأنهم أبعد جغرافياً، وربما لأنهم أنفسهم أصحاب ثقافة وتاريخ وحضارة أقدم من نظائرها الفارسية، وهى الحضارة الفرعونية. بل إن الإيرانيين الفُرس أنفسهم يُرددون أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا توجد بها إلا ثلاثة كيانات جيوسياسية، جديرة بالاحترام والمُعاملة الندّية، وهى: مصر وإيران وتركيا. أما بقية الكيانات فهى تكوينات قبلية بدائية، ترفع «أعلام دول»!، وهذا الادعاء هو انعكاس أمين للاستعلاء والغطرسة الفارسية، تجاه شعوب وبُلدان الجِوار العربية.

إن هذه الخلفية النفسية المجتمعية الفارسية، التى تشعر بها بُلدان الجِوار العربية، فضلاً عن مُمارسات الاختراق العسكرى ـ السياسى الإيرانى لخمس دول عربية، هى البحرين، والعِراق، واليمن، وسوريا، ولبنان ـ تجعل الإخوة الخليجيين، وخاصة فى السعودية، ذوى حساسية مُفرطة من أى تقارب مصرى مع إيران. ومن هنا حرّكت مُقابلة وزير الخارجية، سامح شُكرى، مع نظيره الإيرانى، جواد ظريف، على هامش الاجتماع السنوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، مخاوف الخليجيين، ثم ضاعف من هذه المخاوف تصويت مصر، فى مجلس الأمن، إلى جانب روسيا فى قرار يخص الشقيقة العربية سوريا، وذلك ضد المشيئة المُعلنة للسعودية وبقية بُلدان مجلس التعاون الخليجى، والتى لا ترى حلاً للحرب الأهلية السورية إلا بالتخلص من نظام بشار الأسد.

طبعاً، لا تدرك السعودية وبُلدان مجلس التعاون أن هناك ملفات عديدة لمصالح مصرية ـ روسية مشتركة، أهمها توريد السلاح المُتقدم، الذى لا تسمح به أمريكا لغير طفلتها المُدلّلة فى المنطقة، وهى إسرائيل. هذا فضلاً عن أن روسيا لأسباب جيوسياسية تتعاون مع إيران تعاوناً وثيقاً. وروسيا من جانبها تفعل ذلك لاعتبارات عديدة، منها بالطبع الوجود الإيرانى الراسخ المُمتد فى سوريا، وفى لبنان، من خلال حزب الله.

وهكذا، فإن المواطن المصرى العادى، لا يستطيع بسهولة أن يستوعب الغضب، أو العتاب السعودى، لمصر، وبمُبادرتها بإلغاء، أو تأجيل تنفيذ صفقة بترولية كان البلدان (مصر والسعودية) قد وقعاها منذ عدة شهور.

من جانب آخر، تنقسم مواقف النُخبة المصرية نحو السعودية إلى قسمين، أولهما يحمل ازدراء للسعودية، منذ العهد الناصرى، وكان يُمثله بامتياز، الكاتب الصحفى الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، والذى استمر من خلال جيل جديد يُمثله الصحفى النابه إبراهيم عيسى، وصحيفته المقال، فى الوقت الحاضر.

أما القسم الثانى من النُخبة، فهو الأكثر محبة ومودة للسعودية، بُحكم الوشائح التاريخية والروحية. ويستدعى أفراد هذا الجزء من النُخبة المصرية مواقف نبيلة لملوك السعودية فى لحظات تاريخية عصيبة مرت بها مصر. ربما كان أهمها موقف العاهل السعودى فيصل بن عبدالعزيز، فى أعقاب الهزيمة المصرية المروعة فى حرب يونيو 1967. فرغم التوتر الشديد الذى كان قائماً بينه وبين الرئيس جمال عبدالناصر، بسبب الموقف من الثورة اليمنية (1962)، إلا أن فيصل فى القمة العربية فى الخرطوم، فى أعقاب تلك الهزيمة، هو الذى بادر بالدعم المادى والمعنوى لمصر وسوريا والأردن لمواجهة تداعيات تلك الهزيمة، ولإعادة بناء قواتها المُسلحة للصمود والتحدى.

وموقف قريب من ذلك تكرر من عاهل سعودى آخر، فى لحظة تاريخية فاصلة أخرى قريبة، وهى ثورة يونيو 2013، التى انتفض فيها الشعب المصرى ضد حُكم المُرشد، والرئيس الإخوانى محمد مرسى، حيث بادر العاهل السعودى عبدالله بن عبدالعزيز، بالتأييد والدعم للجيش المصرى الذى وقف مع تلك الانتفاضة.

مع استدعاء تلك الخلفيات المُضيئة فى العلاقات المصرية السعودية، والتى عبّر عنها أبلغ تعبير الكاتب الصحفى الكبير، مكرم محمد أحمد (الأهرام 14/10/2016) فى مقال بعنوان «وقفة مع الشقيق السعودى.. لماذا بات ضرورياً تصحيح مسار العلاقات السعودية ـ المصرية؟».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل