المحتوى الرئيسى

لا تنتهى الحروب بتوقف القتال

10/28 21:54

هناك ظاهرة تاريخية مفادها أن بناء المدن والمجتمعات والحضارات يحتاج لقرون، بينما لا يحتاج تدميرها إلا لبضعة أيام أو حتى لبضع ساعات فى أيامنا الحالية.

نحن العرب، إذ نشاهد أمامنا ذلك الدمار الهائل الذى حدث ويحدث لمدن ومجتمعات العديد من الأقطار العربية، نحتاج أن نذكر أنفسنا بتلك الظاهرة من جهة، ومن جهة أخرى بقاعدة سياسية – اجتماعية، مفادها أن الحرب لا تنتهى بتوقف القتال وسفك الدماء. ذلك أن الحرب بسبب الدمار الذى أحدثته والفتن التى أحيتها ومشاعر الكراهية التى أيقظتها، تمتد لسنين طويلة أخرى بعد توقف إطلاق النار.

لتأكيد ما سبق فإن المؤرخين يؤكدون بأن الحرب العالمية الأولى لم تنته إلا بعد أن قادت فواجعها ومضاعفاتها إلى قيام الحرب العالمية الثانية، وأن هذه هى الأخرى لم تنته إلا بعد انتقال العالم إلى الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتى ودول الغرب، وأن مضاعفات الحرب الباردة، حتى بعد إعلان نهايتها الرسمية، تعكس نفسها الآن فى شكل حروب وصراعات إقليمية لا تنتهى فى مكان حتى تشتعل فى مكان آخر.

لم نذهب بعيدا! ففى تاريخنا لم تنته معركة الجمل إلا عند بدء معركة صفين، وأن هذه قادت بعد ذلك إلى عدد لا يحصى من الحروب والثورات والصراعات السياسية والمذهبية التى لاتزال معنا إلى يومنا الذى نعيش.

من هنا ستحتاج مجتمعات الأقطار العربية، المنكوبة حاليا بالحروب والصراعات، تحت مختلف الرايات وصيحات القتال، إلى سنين طويلة لتلتئم جراحات حروبها وصراعاتها الطائفية والإثنية العبثية التى تعيش جحيمها فى اللحظة التاريخية الحالية، إضافة بالطبع لبناء ما دمرته الحروب والصراعات من عمران واقتصاد.

من هذين المنظورين لن يكون هناك غالب أو مغلوب، وسيرتكب أبشع البلادات، من بين المحاربين ومن بين انصارهم وأزلامهم، من سيعتقد بأنه سيقطف ثمار النصر الوهمى، فلن تكون هناك ثمار لتقطف وإنما فقط مذاقات المرارة وحسرات الندم.

هذا تذكير يوجُه لكل نظام حكم، لكل جماعة إثنية، لأتباع كل مذهب أو دين، لأفراد كل قبيلة، لكل ممارس لرذيلة الزبونية سواء لقوى الخارج أو لرءوس الفساد فى الداخل، لضباط كل جيش عربى.

لماذا نطرح هذا الموضوع؟ نطرحه لأن حراكات الربيع العربى، التى قامت فى بداياتها لتحقيق أهداف شرعية ونبيلة، قد حرفها البعض، على المستويين الرسمى والمدنى، نحو المسار الكارثى العبثى الذى نتحدث عنه، والذى لن ينتهى بإلقاء السلاح وإعلان هدنة السلام. البعض فعل ذلك بسبب جهل وقلة خبرة والبعض الآخر قصد من وراء ذلك تشويه سمعة تلك الحراكات وإيصالها إلى الفشل واليأس، ومن ثم حرفها عن أهدافها النبيلة التى بدأت بها نضالها.

نطرحه أيضا لأن المظالم التى فجرت حراكات الربيع العربى ستظل معنا لسنين طويلة، وبالتالى فإن الصراعات السياسية، ستستمر فى المستقبل المنظور.

لكن هل سيتعلم المستقبل من فواجع الماضى؟ هل سيجعل الجميع خيار الحرب والصراعات الدموية خيارا لا يطرق إلا إذا فشلت جميع خيارات الأخذ والعطاء والتقابل فى منتصف الطريق وممارسة تراكم المنجزات السياسية والحقوقية عبر الزمن المعقول، وذلك قبل الانتقال إلى طريق ارتكاب حماقات الحروب وإسالة الدماء التى ستمتد، كما ذكرنا، آثارها عبر المستقبل البعيد؟

نحن هنا، بالطبع لا ننفى الحق المقدس للشعوب فى أن تناضل، بل وتحارب، من أجل دحر الظلم والظالمين وترسيخ قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والمساواة فى أوطانها. نحن هنا نعيد التذكير بدروس التاريخ البشرى، عبر القرون، بشأن تجنب الطرق الخاطئة والمسالك الخطرة عند ممارسة ذلك الحق المقدس. إذ إن جعلها ممارسة تعلى من قيمة الموت والأموات على حساب الحياة والأحياء، سيؤدى إلى جعل تلك الحرب المقدسة النبيلة عبثا فى عبث.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل