المحتوى الرئيسى

نبيل صبحي يكتب: الدولار.. ديكتاتور العالم | ساسة بوست

10/28 16:53

منذ 11 دقيقة، 28 أكتوبر,2016

قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها دعت الولايات المتحدة الأمريكية ممثلي 44 دولة في ولاية «نيو هامبشير» في منتجع «بريتون وودز» في الفترة من 1 – 22 يوليو 1944 لتبحث معهم طرق التي يمكن من خلالها أن تعيد الاقتصاديات للدول التي دمرت في الحرب، وكيف يمكن صناعة نظام مالي عالمي يعيد هيكلة الاقتصادات المدمرة؟ وكيف يتم معالجة الكساد الذي ساد العالم؟ فاستجابت الدول ولبت الدعوة، وقد تم عرض نوعين من الخطط لتجاوز هذا الأزمة.

المكان الذي عقد فيه مؤتمر «بريتون وودز»

الخطة الأولى عرضتها بريطانيا صاحبة الإمبراطورية الكبرى في ذلك الوقت، وعرضها الاقتصادي الإنجليزي الكبير «كينز»، والخطة الثانية عرضتها الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الاقتصاد الأقوى وصاحبة الدعوة والمستضيفة للمُؤتَمِرِين وعرضها «هاري وايت» وكيل وزارة المالية الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت.

فأما الخطة «كينز» فكانت تريد من ورائها بريطانيا أن تضع عملة موحدة للعالم، عملة صورية وتخير لها «كينز» اسم «الباناكور» يكون الغرض منها تسوية جميع الديون، وتكون هي مقياس لقيم العملات لكل دول العالم.

وخطة «هاري وايت» كانت تريد من ورائها الولايات المتحدة أن يكون مقياس العملات العالمية بالذهب أو بالدولار الأمريكي، ويحق لكل مَن يحمل دولارًا أن يستبدله بالذهب طبقـًا لقاعدة الذهب، وعرضت الولايات المتحدة هذا العرض لأن الدولار الأمريكي كان هو العملة الوحيدة في ذلك الوقت المغطاة بالذهب، إذ كانت الولايات المتحدة تمتلك في ذلك الوقت 75 % من ذهب العالم، فكانت الدول تثق في الدولار، حتى إن كثيرًا من دول العالم كانت تتخذ من الدولار الأمريكي احتياطيًا نقديًا، وقد وافق المؤتمر على الخطة الأمريكية، ورُفضت الخطة البريطانية؛ وذلك بسبب النفوذ القوية التي كانت تمثلها أمريكا؛ لأنها في ذلك الوقت كانت هي الأقوى اقتصاديًا وعسكريًا؛ لأنها كانت أقل الدول خسائر في الحرب العالمية الثانية، وذلك لأنها شاركت في الحرب من بعيد عن طريق دعم الدول المتحاربة بالصناعات الحربية مدفوعة الأجر، عكس دول المحور والتحالف الذين طحنتهم الحرب طحنًا، وهذه كانت بداية قصة هيمنة الولايات المتحدة على اقتصاديات العالم وصار الدولار هو العملة العالمية، بعد أن وافق المؤتمر على أن يكون الدولار هو مقياس العملات العالمية؛ فصارت جميع العملات مرتبطة بالدولار، وكذلك خرج مؤتمر «بريتون وودز» بعدة اتفاقيات، من أهمها إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وبذلك صارت الولايات المتحدة الأمريكية هي المسيطرة على اقتصاديات الدول بما فيها الدول الكبار «بريطانيا وروسيا و غيرها، وصارت تتعامل الدول بالدولار ويتخذونه احتياطيًا نقديًا، واتسع جدًا نطاق التعامل بالدولار وهيمن على الأسواق العالمية.

صورة تجمع بين «هاري وايت & كينز» عام 1944

وهي الصدمة التي تعرضت لها الدول التي كانت تسعى حثيثـًا للحصول على الدولار، وقد فعلت وملأت به خزائنها، إلا أن الرياح غالبًا تأتي بما لا تشتهي السفن، ففي عام 1971 أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون تحرير سعر الدولار، وأنه سيتحدد حسب قوى العرض والطلب، ولن تلتزم الولايات المتحدة بأن تبدل الدولارات الأمريكية بذهب «وهذا هدم لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر بريتون و ودز» وهذه الصدمة التي أحدثها نيكسون لاقتصاديات العالم كانت بسبب عدة أمور:

1 – طلب الرئيس الفرنسي «تشارل ديغول» استبدال 191 مليون دولار أمريكي موجودة في البنك المركزي الفرنسي بالذهب حسب ما تم الاتفاق عليه في المؤتمر «بريتون و ودز»

2 – حرب الفيتنامية 1956 التي خاضتها الولايات المتحدة، التي اضطرت فيها إلى طباعة دولارات بدون غطاء ذهبي للإنفاق على تكاليف الحرب.

3 – الضغط من قبل ألمانيا واليابان بفك الارتباط بين الدولار وعملات الدولار؛ لأن سيطرة الدولار على اقتصاديات العالم منعت حتى المنافسة.

وبذلك فإن كل الدول التي حازت الدولار لا تستطيع أن تجبر الولايات المتحدة على تغييره بالذهب.

وبعد أن تحرر سعر الدولار وصار كباقي العملات تتحكم فيه قوى العرض والطلب؛ فإن بعض العملات العالمية تقدمت، إلا أنها لم تستطع أن تصل إلى مكانة الدولار الأمريكي، وظل الدولار مسيطرًا على أسواق التجارة العالمية، وكأن اتفاقيات المؤتمر ما زالت في حيز التنفيذ وذلك بسبب:

1 – «سهولة التحويل» حيث يستطيع حامل الدولار أن يحوله إلى أية عملة في أي وقت وفي أي مكان لأنها عملة مقبولة عالميًّا.

2 – «الثبات» فإن الدولار الأمريكي أكثر العملات ثباتًا على مستوى العالم وتقلباتها بسيطة.

3 – «كثافة التداول» حيث إن الدولار يدخل في 90% من العقود التجارية على مستوى العالم.

4 – «استقرار الاحتياطي» النقدي للدولار على مستوى البنوك المركزية العالمية.

5 – «الثقة العالمية» فإن الدولار له قابلية عالمية تجارية ربما تفوق حتى الذهب.

يرى بعضُهم أنه يمكن لأحد العملات الرئيسية أن تأخذ القيادة من الدولار الأمريكي فيستطيع مثلًا اليوان الصيني أو الروبل الروسي أن يتبوأ هذه المنزلة؛ وذلك لأن روسيا قد حصلت في الفترة الأخيرة كميات كبيرة من الذهب؛ رغبة منها في أن تجعله غطاءً ذهبيًا، وكذلك هي مصدر رئيس للسلع والطاقة، وربما الذي يستطيع هذا هو اليوان الصيني؛ لما يتمتع بها من انتشار واسع بسبب ضخامة التبادل التجاري الصيني على مستوى العالم خاصة بعد أن تم ضم اليوان إلى سلة العملات العالمية.

ويرى فريق آخر أن من الصعوبة بمكان أن تحل عملة مهما كبُرت وصارت منافسة قوية للدولار، فإنها تبقى منافسة ولا تحل محله.

فإن بريطانيا تمتلك اقتصادًا قويًّا وسوقـًا مالية واسعة واستقرارًا سياسيًّا، إلا أنه يصعب عليه أن يوفر الاحتياطي الذي يتوفر من الدولار الأمريكي.

الاقتصاد الياباني قوي ومنتشر وأسواقها المالية تتمتع بميزات كبيرة، إلا أن اليابان تعتمد بشكل أساس على الصادرات، وهذا يجعلها ملزمة أن تخفض قيمة الين لزيادة صادراتها، مما يجعل «الين» قيمته قليلة فيزهد الناس في ادخاره، فلا يمكن أن يصل لقدر الاحتياطي الأمريكي.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل