المحتوى الرئيسى

أسبوع السكارى

10/28 00:29

قررت دولة العراق وصوّت برلمانها على تحريم صناعة الخمرة واستيرادها، أما الحجة فهي بداهة الدين، ولسنا نعرف ماذا يستتبع هذا التحريم إلا أنه بادرة أولى، قد يلحقها غيرها. ليست دولة العراق دينية فتعدد الأديان والمذاهب فيها يحول دون ذلك. إلا أن تحريم الخمر يعني أنها إسلامية، وهذا الفرض يستبعد أقليات كثيرة في بلد من صفاته انه موزاييك لهذه الأقليات الصغيرة سكانيا. هذا إذا افترضنا ان الأقليات وحدها تشرب في حين ان الشاربين قد يكونون أكبر الأقليات في البلد والحجر عليهم واستبعادهم يفوقان كثيراً عدداً وانتشاراً الأقليات الصغيرة التي تسمح لها أديانها بالشرب.

وعلى كل حال فماذا يحدث في بلد أبي نواس وبشار بن برد ووالية بن الحباب، بلد الخمريات التي هي وردة أدبنا. ألن يصوت البرلمان هذه المرة على إخراجها من الأدب، هذا في الأرجح من توابع التحريم، تحريم الشرب قد يستدعي تحريم التغني بالخمرة، سيكون ذلك حضاً على شربها ودعوة إليه. لن يتساءل أحد بالطبع كيف أمكن تأسيس هذا الغرض من أغراض الأدب والتوسع به إلى هذا الحد، في حين ان الدولة كانت إسلامية وكانت الشريعة دستورها وقانونها.

لكننا بالطبع لا نشفق على هذا الغرض الأدبي، فقد ولّت الخمريات مع التراث الذي أنتجها، لم يبق لها باب خاص فيه، لا لأن تحريماً شملها ولا لأن خطرها زال ومجّها الشاربون، ولكن لأنها داخلت الأكل والشرب وصارت مثلهما عادية مبذولة، فلم يعد الشرب تمرداً ولا خروجاً، ولم يعد التكرس له وحبس اللذات عليه أمراً يستحق التغني والمجاهرة والبوح. انحسرت الخمريات عندما صار الخمر شائعاً ميسوراً.

لا نشفق على هذا الغرض الأدبي وإن كنا لا نزال نستعذبه ونقبل عليه، لكن المسألة ليست مسألة أدب، وليست حتى حقوق أقليات دينية صغيرة. انها مسألة الدولة ومسألة الحقوق والحريات.

لقد صدر قرار التحريم والدولة تتهيأ لمعركة الموصل وإخراج داعش والخلافة من أراضيها، لا بد أن لقرار التحريم هذا صلة بالمعركة. هل هي مزايدة على داعش قبيل المعركة وإذا صح ذلك فمن يقول أن تحريم الخمر هو ختم داعش وشارته. لقد صار التحريم من هوامش داعش، أما شارته وختمه فهما ذلك العنف الذي لم يعف عن الأطفال والرعب الذي أرجف القلوب. إذا كانت المسألة مزايدة على داعش، فإن الفساد المستشري خير نصير لداعش، ولن يحسب أحد للدولة تحريمها الخمر، ولن تتفوق هنا في مسألة صارت وراء داعش وباتت علماً عليها. انما كانت المباراة مع داعش ممكنة ولو أبدت الدولة ما يميزها حقاً عن داعش، مدنيتها وحرصها على أن تكون للجميع، على أن تصون حقوقاً تتعدى داعش عليها، لا أن تقتدي بداعش في انتهاكها.

ثم ماذا يحصل لمجتمع يتجاوز الـ 37 مليوناً، مجتمع كانت جامعاته حتى في أسوأ الأوقات، سبّاقة، وكانت ثقافته رائدة، رغم أن بلداً، ظل عقوداً محمية الغالب ومستعمرة المستبد، بلداً كهذا عرف مثقفوه، على نحو خاص، بإقبالهم على الشرب، ولست أشطح إذا قلت أن هذه هي حال المثقفين على وجه العموم، في العراق وغير العراق. من الـ 37 مليوناً كم تكون نسبة الشاربين، لا بد انهم بالملايين، هل نختط للعراق ما اعتمدته المملكة السعودية، فيهيم الشاربون فيه بحثاً عن الخمر ويدفعون من أجلها الغالي، ويشربون المسمم والفاسد منها، ويتحولون هكذا إلى مرضى بها. هل نحرم هذه الأقلية الكبيرة من لذتها البدئية الداخلة في أكلها وشربها، ونحاصرها في طعامها ومشربها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل