المحتوى الرئيسى

عميد الأدب العربي طه حسين.. أضاء العقول بظلام عينه.. وخَّلد آدابه في قائمة "نوبل" .. "الشعر الجاهلي" أكبر معاركه.. و"سوزان بريسو" صاحبة الفضل في مشواره

10/28 14:01

يراه البعض من أبرز دعاة التنوير، في حين يراه آخرون رائدًا من رواد التغريب في العالم العربي، لكنه في كلا الحالتين انبرى لتغيير الرواية العربية واعتلى بها أرقى المكانات بين صنوف الآداب العالمية، فأدخل الأدب العربي ضمن قائمة "نوبل" للآداب.. إنه عميد الأدب العربي طه حسين الذي تحل ذكرى رحيله الـ43 اليوم.

في بقعة صعيدية صغيرة بالقرب من مغاغة في محافظة المنيا، ولد الأديب الكبير طه حسين في 15 نوفمبر عام 1889، ولم يمر أربعة أعوام من عمره حتى أصيب بالرمد الذي أطفأ النور في عينيه إلى الأبد، وأدخله والده كتَّاب القرية للشيخ محمد جاد الرب، لتعلم العربية والحساب وتلاوة القرآن الكريم، وحفظه في مدة قصيرة أذهلت استاذه وأترابه.

وفي عام 1902، التحق طه حسين بالأزهر للدراسة الدينية، ونال شهادته التي تخوله التخصص في الجامعة، إلا أنه ضاق ذرعًا فيها، ولما فتحت الجامعة المصرية أبوابها عام 1908، كان طه حسين أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعددًا من اللغات الشرقية، ودأب على هذا العمل حتى نال شهادة الدكتوراة عام 1914م.

وفي العام نفسه، أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبيلية بفرنسا، فالتحق حسين بالجامعة الفرنسية ودرس الآداب، وعلم النفس والتاريخ الحديث، ومكث هناك لمدة عام حتى عاد إلى مصر عام 1915، وأقام فيها حوالي ثلاثة أشهر أثار خلالها معارك بين تدريس الأزهر وتدريس الجامعات الغربية، ما دفع المسؤولين إلى اتخاذ قرار بحرمانه من المنحة المعطاة له لتغطية نفقات دراسته في الخارج، إلا أن تدخل السلطان حسين كامل حال دون تطبيق هذا القرار، وعاد طه حسين ليدرس في جامعة باريس.

"منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم"، هكذا وصف طه حسين حبه لزوجته الفرنسية"سوزان بريسو" التي تزوجها في أغسطس عام 1917، وكان لهذه السيدة عظيم الأثر في حياته، فقامت له بدور القارئ وقرأت عليه الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تم كتابتها بطريقة بريل حتى تساعده على القراءة بنفسه، كذلك ساعدته على الإطلاع أكثر بالفرنسية واللاتينية، فتمكن من الثقافة الغربية إلى حد بعيد، كما كانت الزوجة والصديق الذي دفعه للتقدم دائمًا، وأحبها طه حسين حبًا جمًا، وأنجب منها اثنان من الأبناء هما: أمينة ومؤنس.

وفي عام 1919، عاد طه حسين إلى مصر، وعين أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية، وكانت حينها جامعة أهلية، وعندما ألحقت بالدولة عام 1925، عينته وزارة المعارف أستاذًا للأدب العربي، ثم عميدًا لكلية الآداب في الجامعة نفسها عام 1928، إلا أنه قدم استقالته بعد يوم واحد من العمادة تحت تأثير الضغط المعنوي من الوفديين خصوم الأحرار الدستوريين الذي كان من بينهم طه حسين.

وفي عام 1930، أعيد طه حسين إلى عمادة الآداب، بعد منح الجامعة الدكتوراة الفخرية لعدد من الشخصيات السياسية المرموقة، إلا أن طه حسين رفض هذا العمل، فأصدر وزير المعارف مرسومًا يقضي بنقله إلى وزارة المعارف، ولكن رفض العميد تسلم منصبه الجديد، الأمر الذي اضطر الحكومة إلى إحالته للتقاعد عام 1932.

وعلى إثر تحويله للتقاعد، انصرف طه حسين إلى العمل الصحفي، فأشرف على تحرير "كوكب الشرق" التي كان يصدرها حافظ عوض، كما اشترى امتياز "جريدة الوادي" وبدأ يشرف على تحريرها، إلى أن ترك العمل الصحفي في عام 1934.

وفي العام نفسه، أعيد طه حسين إلى الجامعة المصرية بوصفه أستاذًا للأدب، ثم عميدًا لكلية الآداب ابتداء من عام 1936، وبعد خلافه مع حكومة "محمد محمود" استقال حسين من العمادة لينصرف إلى التدريس في الكلية نفسها حتى عام 1942، حيث تم تعيينه مديرًا لجامعة الإسكندرية، بالإضافة إلى عمله مستشارًا فنيًا لوزارة المعارف، ومراقب للثقافة في الوزارة عينها، وترك طه حسين الجامعة بعد أن أحيل للتقاعد عام 1944.

وفي عام 1950، صدر مرسومًا بتعيين طه حسين وزيرًا للمعارف بعد أن صار الحكم بيد حزب الوفد، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1952، ومنح لقب الباشوية عام 1951، بعد أن وجه كل عنايته لجامعة الإسكندرية، كما عمل رئيسًا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضوًا في العديد من المجامع الدولية، كذلك عضوًا في المجلس العالى للفنون والآداب، وفي عام 1959، عاد طه حسين إلى الجامعة بصفة أستاذ غير متفرغ، كما عاد إلى الصحافة وتسلم رئاسة تحرير "الجمهورية".

وعلى الرغم من تمرده على الكثير من آراء أساتذته، إلا أن معركة طه حسين الأولى والكبرى تفجرت في عام 1962، عندما أصدر كتابه "في الشعر الجاهلي"، الذي أحدث ضجة سياسية هائلة، وعلى إثرها رُفعِت دعوى قضائية ضد طه حسين، فأمرت النيابة بسحب الكتاب من منافذ البيع وأوقفت توزيعه، فضلًا عن معارك حامية نشبت على صفحات الجرائد بين مؤيد ومعارض لهذا الكتاب.

وطيلة مشواره الأدبي، حاز الأديب الكبير طه حسين، بمناصب وجوائز شتى، منها تمثيله لمصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية في مدينة فلورنسا بإيطاليا عام 1960، وانتخابه عضوًا في المجلس الهندي المصري الثقافي، والإشراف على معهد الدراسات العربية العليا.

كذلك تم اختيار طه حسين عضوًا محكمًا في الهيئة الأدبية الطليانية والسويسرية التي تمنح جائزة بوزان، فضلًا عن ترشيحه من قبل الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل، وفي عام 1964 منحته جامعة الجزائر الدكتوراة الفخرية، وهو ما فعلته جامعة "بالرمو" بصقلية الإيطالية، عام 1965، وجامعة "مدريد" عام 1968.

نرشح لك

Comments

عاجل