المحتوى الرئيسى

طه حسين.. بصيرة معرفية ضد التخلف (ملف خاص) | المصري اليوم

10/27 23:49

شاق كان دربه، من عمى البصر وهو بعد صبيًا إلى عمى آخر أشد وطأة متمثل في رجعية عقول تتشبث بمفاصل مجتمع يكافح من أجل تنسم هواء التنوير الباقي من دعوات رفاعة الطهطاوي، إلى مطاردة قضائية بتهمة التفكير والجراءة على نشره في كتاب! إنه ليس بحاجة إلى تعريف، إنه – فحسب – طه حسين.

وفي الذكرى الثلاثة والأربعين لرحيل عميد الأدب العربي، تفرض قسوة المشهد الراهن، من حيث تراجع قضايا التنوير والتحديث، وتدهور التعليم، وانتشار التخلف في شتى مناحي الحياة، ضرورة إعادة قراءة تراث طه حسين، واستعادة نموذج المثقف الفذ الشجاع، المعني بتثوير الثقافة وجعل الكتاب كالخبز في يد كل مواطن، والمعرفة حق لكل إنسان، ذلك المثقف الذي مَثّله باقتدار عميد الأدب العربي.

«المصري اليوم»، تفرد مساحة – مهما اتسعت ضئيلة – في الذكرى الثالثة والأربعين لرحيل صاحب البصيرة المعرفية شديدة الثراء في مواجهة التخلف، للاحتفاء بأحد أهم حملة مشاعل التنوير في تاريخنا الحديث، وتستعرض في الملف التالي مسيرة طه حسين ومدرسته الفكرية، ومعركة كتاب «في الشعر الجاهلي»، وموقفه من القضية الفلسطينة، فضلا عن موقفه من السلطة في العهدين الملكي والناصري، وتنشر رسالة من مي زيادة عقب محنة فصله من الجامعة، وعلاقته فائقة الجمال بزوجته، السيدة سوزان بريسو.

تبدو صفتان ملهمتان في مسيرة طه حسين الفكرية، الشجاعة والإصرار، تلك الصفتين مكنتا صبى القرية القادم من محافظة وسط الصعيد والذي فقد نور عينيه إثر تخلف علمي فادح أورثه عمى لازمه طيلة حياته، من أن يضيء دروب الفكر العربية ويطرق أبواب التحديث والتنوير والوسطية، عبر منهج تفكير ميزانه العقل وعماده المنطق وآفاقه الحداثة ، ليكون قاطرة مجتمعه إلى فضاءات رحيبة من الفكر الإنساني. للمزيد

يضع المفكر أنطونيو جرامشي تعريفا لـ«المثقف العضوي» يوجزه في أنه «صاحب مشروع ثقافي يتمثل في الإصلاح الثقافي والأخلاقي سعيا وراء تحقيق الهيمنة الثقافية»، وينطبق هذا المفهوم على عميد الأدب العربي طه حسين ، الذي شارك بفكره وآرائه ومناصبه الرسمية في زحزحة «جبال التخلف التي جثمت فوق قلوب وأرواح المصريين قروناً طويلة». للمزيد

اعتاد طه حسين خوض المعارك الفكرية منذ بدايات وجوده في الحياة الثقافية، وبدأها مبكرا بانتقاد المناهج الأزهرية ليرحل من أروقة الأزهر حاملا رسالته للماجستير عن أبي العلاء المعري إلى الجامعة المصرية الوليدة آنذاك، وتبدو من تلك الواقعة بدايات ما يمكن تسميته بـ«العداء» بين طه حسين وتلاميذه من بعده من جهة، ورجال الأزهر من جهة أخرى، وهي خصومة فكرية تتعلق بمناهج التفكير والصراع الأزلي الممتد بين «النقل والعقل». للمزيد

«أيّةُ حماقة؟! هل يُمكن أن نجعل من الأعمى قائدَ سفينة؟!»- كلماتٌ أطلقها طه حسين ليلة وفاته ساخرًا في حديثٍ أفضى به إلى زوجته، لكن سخريته قابلتها سخرية القدر، إذ أن ما تركه من أثرٍ في الثقافة والفكر في القرن الماضي، يدل على أنه أحد من قادوا السفينة بالفعل، فعلى مدارِ نصف قرن، استلّ طه حسين قلمه وبصيرته، ليكون أبرز من حملوا لواء الاستنارة والتجديد في الفكر والأدب، وأهم من أسّس مدرسةً فكريّةً تشهد لها معاركها في عصره، ونستجدي إلى الآن بعضًا من بقاياها، لذا يمكننا القول؛ نعم يا طه؛ يُمكن أن نجعل من الأعمى قائدَ سفينة. للمزيد: اضغط هنا

السبت 27 أكتوبر 1973، منزل عميد الأدب العربي طه حُسين، الساعة تقترب من الرابعة عصرًا. أديبُنا مُمدّد الجسد على سريرهِ، بينما يقرأ له طبيبه الخاص رسالة وردت من الأمم المتحدة، تُخبره بفوزه بجائزة حقوق الإنسان، وأن حضوره ضروريًا في العاشر من ديسمبر بنيويورك لتسلّم الجائزة. جرعة من التهنئة الحارّة أعطاها له الطبيب، أتبعها بأُخرى من «الكورتيجين»، وتوصية ببعض المُسكّنات والراحة، وأثناء رحيله طمأن زوجته سوزان على حالته؛ سوزان بدت واجمة، جلست إلى طه بعد رحيل الكُل في الليل. وأثناء حديثهما المُتقطّع، قال في سُخرية «أيّةُ حماقة؟! هل يمكن أن نجعل من الأعمى قائد سفينة؟!»، ثم صمت للحظات، قبل أن يطلب يد زوجته ليُقبّلها.

Comments

عاجل