المحتوى الرئيسى

الإخوان.. والحق المر (١)

10/27 22:08

(١) دائماً وأبداً تحتاج الأحداث إلى توثيق، خاصة ممن عايشوها وكانوا جزءًا منها.. وبقدر ما يكون التوثيق صادقاً وأميناً، صحيحاً ودقيقاً، بقدر ما يكون مادة للدرس والعظة والاعتبار فى مستقبل الأيام.. أحياناً ينسى كُتاب التاريخ بعض الوقائع، أو يسجلون واقعة ما من زاوية واحدة، فيؤدى ذلك إلى تاريخ مجتزأ أو مبتسر، يصعب الاستفادة منه على الوجه الصحيح.. فى هذا المقال، والمقالات التالية سوف أقدم للقارئ الكريم - كنوع من التوثيق - ما عايشته من أحداث داخل جماعة الإخوان، بدءًا من عام ١٩٨٥ وحتى إعلان خروجى من الجماعة فى منتصف عام ٢٠١١.. وقد حاولت قدر الإمكان أن ألمّ بالأحداث من جميع الزوايا، أملاً فى إعطاء صورة أقرب إلى الحقيقة.. ربما أكون قد نجحت فى بعض الأحداث، وربما أكون قد أخفقت فى بعضها الآخر، لذا أرجو الله تعالى أن يغفر لى تقصيرى.. وقد وقع اختيارى على هذا العنوان استلهاماً من وصية النبى (صلى الله عليه وسلم) للصحابى الجليل أبى ذر الغفارى (رضى الله عنه): «قل الحق وإن كان مُراً».. البداية سوف تكون مع إحدى الشخصيات القيادية المهمة داخل جماعة الإخوان، هو المستشار محمد المأمون الهضيبى، وكيف أن هذه الشخصية لعبت دوراً كبيراً فى النأى بها عن مزالق الخطر، ولو أن العمر امتد بهذه الشخصية لكان للجماعة شأن آخر، لكن شاءت إرادة الله تعالى أن يتوفى الرجل بعد عام واحد من توليه منصب المرشد العام، ولله فى خلقه شئون..

(٢) لم ألتق المستشار «الهضيبى» إلا فى يوليو عام ١٩٨٥ بعد أن أصبحنا عضوين بمكتب الإرشاد مع اثنين آخرين من الإخوان هما: الدكتور عبدالستار فتح الله سعيد، والدكتور سالم نجم، وذلك فى أواخر أيام عمر التلمسانى، المرشد العام الثالث للإخوان، الذى وافته المنية فى ٢٢ مايو عام ١٩٨٦.. كان من مآثر «الهضيبى» أنه بعد اختياره عضواً بالمكتب وقبل أن يبايع عمر التلمسانى، اشترط عليه إحاطته علماً بكل ما يجرى داخل الجماعة، وألا يجرى أى شىء من وراء ظهره، وأنه لا يريد أن يأتى يوم يقف فيه أمام محكمة ليقول: لم أكن أعرف، فوافقه «التلمسانى» على ذلك.. كان الرجل على علم وفقه، حصيفاً، ذكياً، واسع الأفق، يمتلك ذاكرة حافظة، صاحب ثقافة قانونية واسعة، وذا رؤية شاملة ونظرة كلية للأمور.. وكان علاوة على ذلك شجاعاً، مقداماً، ذا شكيمة، جلداً، حاسماً، حازماً، لا يدع الأمور تفلت من يده، ولا يترك أحداً من الإخوان يتعدى حدوده أو اختصاصاته.، كان صاحب رأى ومكانة ومنزلة، أهّله لذلك علمه وثقافته.. كان عميق الإنصات لما يقال، لذا كنت تجده فى الغالب الأعم مطرقاً رأسه، مسبلاً عينيه وهو يستمع لمتحدثيه، حتى ليظن من حوله أنه نائم، فإذا تكلم أحاط بالمسألة من كافة جوانبها.. وقد لاحظت عليه كراهيته الشديدة لمقاطعته وهو يتحدث، مخافة هروب الأفكار من رأسه.. ولثقافته القانونية الرفيعة، وحجته القوية الناصعة، تم تعيينه من قبل قيادة الجماعة متحدثاً رسمياً لها، وقد استمر فى هذا المنصب مدة ١٨ عاماً، منذ تولى محمد حامد أبوالنصر موقع المرشد فى صيف عام ١٩٨٦، وحتى وفاته فى يناير عام ٢٠٠٤.. وخلال تلك الفترة الطويلة، دافع المستشار المأمون الهضيبى عن الجماعة ببسالة منقطعة النظير، وأبان عن فكرها ومنهجها ومواقفها وأهدافها بشكل يدعو للإعجاب والدهشة، خاصة فى تلك الظروف الصعبة خلال التسعينات من القرن الماضى، والتى كان المجتمع المصرى يعانى فيها من مخاطر مسلسل العنف الدموى، وكذلك ما تعرضت له المنطقة العربية أثناء غزو العراق للكويت وحرب الخليج الثانية التى عُرفت بـ«عاصفة الصحراء»، فمحاولة تصفية القضية الفلسطينية، ثم غزو واحتلال العراق.. وقد أشرف المأمون الهضيبى على إصدار مئات البيانات، وأدلى بآلاف من التصريحات للصحف والقنوات الفضائية (المصرية والأجنبية)، وحضر عشرات ومئات من المؤتمرات والندوات، داخل مصر وخارجها، وكان فى كل ذلك الفارس الذى لا يُشَق له غبار..

أهم أخبار توك شو

Comments

عاجل