المحتوى الرئيسى

إيمان ريان تكتب: الجنس الآخر «سيمون دي بوفوار» | ساسة بوست

10/27 19:35

منذ 1 دقيقة، 27 أكتوبر,2016

أظهرت العلوم البيولوجية والاجتماعية أنّه لا يوجد جوهر ثابت يحدد نماذج معيّنة، ومثال على ذلك نموذج «المرأة». فنحن لم نعد في عصر القديس توماس الذي حدد خصائص «مزايا الخشخاش» مثلًا!

ولمّا كانت الأكثريّة عبر التاريخ تفرض قانونها على الأقليّة وتضطهدها، نجد أنّ الإنسان عُرّف كـ«مذكّر» في عرف الرجل، وبات هو الإنسان الحقيقي، في حين اعتبروا المرأة هي «الجنس الآخر». لكن، لم تكن المرأة يومًا «أقليّة»، بالإضافة إلى أنّ فكرة «البروليتاريا المضطهدة لم توجد سوى في فترة تاريخيّة معروفة.

فكيف نجح الرّجال في فرض أنفسهم بوصفهم جوهرًا وحيدًا، وجعل المرأة «جنس آخر» بصورة مطلقة؟

من أين أتى المرأة هذا الرضوخ؟ وكيف استطاع فيلسوف كأفلاطون أن يقول بأنّ: «الأنثى هي أنثى بسبب نقص في الصفات»؟

يلوك الرّجل كلمة «أنثى» كما لو كانت إهانة، ويعرّفها البعض كما لو كانت (رحم ومبيض) في حين يتباهى «بذكورته». هنا نرى أنّ أكذوبتهم بربط المرأة في فكرة «الأنوثة» ما هي سوى طريقة لتقييد المرأة بحدود جنسها. لكن إذا اعتبرنا بأن الإنسان هو ليس نوعًا طبيعيًّا بمقدار ما هو فكرة تاريخيّة، وليس ثابتًا بمقدار ما هو صيرورة، فلا يمكننا مقارنة الأنثى والذكر في النوع البشري سوى من الزّاوية الإنسانيّة، فهو ما يصنع نفسه بنفسه، ويقرر ما هو عليه. فإذا ما أنجز مشاريع وأهدافًا حقق الأخلاق الوجوديّة، أمّا إذا ما جمد في مكانه، فهذه هي الخطيئة الأخلاقيّة. وهذه فكرة خطيرة جدًّا، فكلّ ما حاول الرّجال فعله طوال الوقت هو قصر المناظرات في موضوع حريّة المرأة على ما كانت عليه أو ما هي عليه الآن. وإهمال ما قد تصل إليه المرأة إذا نالت حريّتها كـ«إنسان» قبل كلّ شيء، متسلّحين بالدين والفلسفة والقوانين لخدمة مصالحهم طوال الوقت.

وهنا يأتي الردّ على كلّ من يلوم المرأة على جمودها وسلبيتها، فأنت حين تفرض هذا الجمود على المرأة، وتقنعها طوال الوقت بأنّها كائن يحمل نقصًا ما، وتربّيها ضمن هذه المنظومة، هذا يسمّى «اضطهادًا» وليس جمودًا من ناحيتها. فالأشخاص في ظلّ نظام اجتماعي واقتصادي ومعنوي لا يتركون لطبيعتهم، وهذه القرائن تتحوّل لتصبح طبيعة ثانية. والإنسان في هذه الحالة لا يعرّف نفسه وذاته ولا يستكمل نفسه بصفته جسدًا فقط، بل بصفته جسمًا خاضعًا لقوانين ومعتقدات، وهنا يتحوّل الجسم لوسيلة تمكننا من العالم ولكن ليست معطياته البيولوجيّة هي ما تحدد دور الإنسان النهائي. وهذه نقطة مهمّة أيضًا، فالفسيولوجية تعجز عن تأسيس القيم، بل بالعكس، إن المعطيات الفسيولوجية ومن ضمنها جسم المرأة تكتسب القيم التي يضفيها الكائن عليها.

وهنا ينفى زعم أنّ جسم المرأة هو ما جعلها «الجنس الآخر»، ولذلك يجب علينا أن نعرف ما لعبته الظروف المحيطة في هذا المجال.

وجهة نظر علم التحليل النفسي

يرى آدلر أن كل (إرادة قوّة) عند كل فرد تكون مصحوبة بـ(مركب نقص). هذا النزاع يجعله يهرب من تجربة الواقع خشية أن لا يتغلب عليه، فيترك مسافة ما بينه وبين المجتمع. وهنا يظهر مركّب النقص عند المرأة على شكل الرفض المخجل لأنوثتها. فمكانة الأب في الأسرة والأفضلية العامة للذكور هو ما يوطد فيها فكرة تفوق الذكور.

حسب النظرية المادية التاريخية، فالإنسان لا يتأثر سلبًا بالطبيعة بل يحاول التمكن منها، فالتمكن من العالم لم يتحدد بالجسم المجرّد، لكن تلعب الآلة دورًا يضاعف قدرة الإنسان. فالتطور الآلي يلغي الفارق ما بين المرأة والرجل وتصبح معادلة له في العمل (الصيرورة).

قبل مرحلة الزراعة لم تكن المرأة تلعب دور «البويضة»، فالمجتمعات الإنسانيّة لم تكن تهتمّ بالأرض والاستقرار وبالتالي بالنسل. وحتّى عندما كان هناك حاجة للتناسل بكثرة في الأوقات الصعبة، وكان دور الرجل الحربي والغذائي تابع لدور المرأة كأمّ، لم تنجح المرأة في أخذ المقام الأوّل لأنّ الإنسانيّة لم تكن تبحث عن الديمومة ولكن تجنح للمجاوزة والارتقاء. هذا جعل المرأة تتلقى مصيرها البيولوجي تلقيًا سلبيًا، وبات الرّجل يثبت أن الحياة ليست الهدف الأسمى للإنسان ولكنّه بات يغامر بحياته في سبيل الاكتشاف والاستحواذ على ثروات العالم. وكان يحس في هذا العمل بمدى سلطته.

وهنا كانت المشكلة، فالمرأة لم تجابه قيم الرّجال بقيم الأنوثة وكمنت من الناحية البيولوجية لأجل تكرار الحياة رغم أنّ هذا الدور لا يحمل معه أسباب وجودها.

عند الاستقرار في الأرض ظهرت أهمية (الأجيال) ودورها في ربط الجماعات بالماضي وبأهداف المستقبل، ولمّا كان الاعتقاد السائد بأنّ الحمل ينتج من (أرواح الأجداد)، نظر الرّجل لنفسه نظرة سلبيّة وظهرت قيمة المرأة ونسبت الذرية لعشيرة الأم.

نظرتهم للمرأة في ذلك الوقت أدى لظهور الآلهة الأنثى (عشتار) في بابل و(آيزيس) في مصر. لكن هذا التأليه كان مرتبطًا بخوف الرّجل من الطبيعة وبالتالي من المرأة والنظام الزراعي، أما حين بدأ بالصناعة واكتشاف المعادن واختراع المحراث واتساع الاستثمار، فقد ذهبت عبادة الخوف وأصبحت القيم الغيبية في المقام الثاني وأصبح للآلهة الأم إله ولد أو حبيب فظهرت الآلهة المزدوجة (عشتروت وأدونيس) في فينيقيا، و(آيزيس وحوروس) في مصر، حتّى ظهر تدريجيًّا الإله الذكر كأساس. لحق ذلك استبدال الأنساب من الأم إلى الأب فصار بإمكان الرّجل أن يصبح سيّدًا للعبيد والأرض والمرأة.

وهذا هو سبب نظرة العداء للمرأة في الديانات القديمة والقوانين، فقد ظهرت وسجّلت في عهد انتصار حقّ الأبوّة وكان كلّ ما تبقّى في عقل الرّجل هو أنّ وجود «الآخر» هو تهديد وخطر واستحالت المرأة من مقدسة لدنسة. لكن لإدراك الرّجل حاجته للمرأة، قام بضمّها لنظامه المشرّع من قبله شريطة أن تخضع لهذا النظام. وهنا نرى أن اضطهاد المرأة يرجع للرغبة في تخليد الأسرة والمحافظة على الأملاك. وإن كان الزوج وصيًّا على الزوجة في عهد الإقطاع، فإن البرجوازية حافظت في تشكيلها على نفس القوانين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل