المحتوى الرئيسى

نحو تحويل الزيادة السكانية وانكماشها إلى وسيلة لدعم التنمية

10/27 19:16

مقالة: محمود محيي الدين، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي، ووزير الاستثمار الأسبق في مصر

تسعى التنمية الطموحة المستدامة إلى القضاء على الفقر، وتعزيز التقدم، وتحسين الاستدامة من الآن حتى عام 2030، لكن  تحويل هذه التنمية إلى واقع يتطلب التغلب على بعض العوائق الرئيسية التي تشمل توفير موارد مالية تكفي لمكافحة التغير المناخي، وإدارة صدمات الاقتصاد الكلي، لكن هناك عائق محتمل واحد قد نتمكن من تحويله خلال الأعوام القادمة ليصبح جالبا للنعمة بدلا من أن يكون جالبا للنقمة،  هو التحولات السكانية المتباينة التي ستحدث خلال السنوات المقبلة.

وسيصل التعداد السكاني العالمي نحو 8.5 مليار نسمة بحلول عام 2030 الذي يعد الموعد النهائي لأجندة أهداف التنمية المستدامة، وبعد 20 عاما من هذا التاريخ، أي بعد 34 عاما من الآن، سيصل عدد السكان إلى 10 مليارات نسمة، وهو عدد يزيد بنحو 2.5 مليار نسمة عن عدد السكان حاليا، ما هو الوضع الذي سيكون عليه العالم في ذلك الوقت؟ وأين سيعيش هؤلاء الناس؟ وكيف سيحصلون على لقمة العيش؟ وهل سيساهمون  في تحسين الاقتصاديات القومية أو الإضرار بها؟

ويمكننا تحديد ما سيحدث في المستقبل لو تأملنا وضع العالم قبل 35 عاما ماضية، في مطلع الثمانينات عندما كان تعداد السكان يقدر بنحو 4.5 مليار دولار، وعندما كانت مبيعات الكمبيوتر الشخصي متدنية للغاية وعندما كان الأطفال يكتفون بالمكعبات كوسيلة للترفيه بدلا من لعبة البوكيمون التي تحاكي الواقع،  ففي ذلك الوقت كانت نسبة 42% من سكان العالم، بما يعادل 2 مليار نسمة، تعيش في فقر مدقع، وكانت تسود مخاوف حيال تسبب النمو السكاني المفرط في تخطي الإنتاج الزراعي والتسبب في تعميق مستويات الفقر.

وخابت توقعات الاقتصادي توماس مالتوس (عام 1798)، فرغم صعود تعداد سكان العالم إلى 7.5 مليار نسمة فإن نحو 750 مليون نسمة، بما يعادل نسبة 10% فقط، تعيش حاليا في فقر شديد، ونجحت الصين والهند بشكل خاص في انتشال مئات ملايين الناس من الفقر خلال العقود القليلة الماضية، وفي زيادة دخول المواطنين وتحسين الرعاية الصحية.

ويمكن إرجاع نجاح الصين والهند جزئيا إلى تقوية المؤسسات واتباع سياسات ساهمت في دعم النمو القوى الشامل نسبيا، واستفادت الصين من جانبها  بمنحة "ضخامة تعدادها السكاني،" فقد هبطت معدلات الخصوبة وتسارعت بوتيرة أكبر معدلات نمو القوى العاملة مقارنة بالفئات غير المستقلة ماليا، وهو ما أدى إلى تحرير الموارد ليتم استثمارها في تنمية البشر وإنشاء رأس المال، وأدى هذا إلى رفع معدلات النمو ومستويات المعيشة.

وسيظل  التعداد السكاني الضخم قابلا للتحول إلى نعمة خلال عقود عديدة قادمة، وهو ما تحقق بالفعل في الصين، وإن كان الأمر قد بلغ منتهاه هناك، وبالنسبة للهند والدول النامية الأخرى فإن التعداد السكاني الضخم يتم البدء حاليا في تحويله إلى نعمة.

وتتركز نسبة 90% من الفقر العالمي في البلدان التي تشهد تزايد أعداد الفئات في سن العمل، وهو ما يخلق فرص مهمة لتحقيق تخفيض سريع في معدلات الفقر خلال العقود القادمة.

وفي المنطقة الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى التي تعاني حاليا من صعود معدلات الفقر، فإن الأطفال تحت سن 15 عاما يشكلون نسبة 43% من إجمالي التعداد السكاني، وعندما يكبر هؤلاء الأطفال ليدخلوا سوق العمل ستزيد بشكل ملموس نسبة الفئات القادرة على توليد الدخل في الاقتصاد، مما يؤدي إلى صعود متوسط دخول الأفراد.

ليست جميع البلدان مؤهلة للاستفادة من "تزايد أعداد الشباب" وخلال الفترة الممتدة من الآن حتى عام 2031 ستعاني العديد من البلدان صاحبة الدخول المتوسطة من تراجع أعداد القوة العاملة كنسبة من التعداد السكاني الإجمالي، ويعكس هذا، ضمن أشياء أخرى، نزوعا  مدعوما بالأدلة الامبريقية نحو زيادة الدخول بقدر يدفع الأسر إلى تأجيل إنجاب الأطفال.

أخبار صعود أعداد السكان ليست جميعها سيئة، على الرغم من أن الانتقال من معدلات الخصوبة الأعلى إلى الأدنى يتوافق مع الانتقال من  الحياة الأقصر زمنيا إلى الأطول زمنيا، ويشير التاريخ إلى وجود نوع ثانٍ من مزايا صعود أعداد السكان، حيث تتسم هذه المزايا باستمرارها  لفترات أطول مقارنة بالنوع الأول، فهي تتولد جراء تراكم مدخرات كبار السن، مما يؤدي إلى انتعاش الاستثمارات، وهناك العديد من الاقتصاديات الأكثر ثراء التي سارت في هذا الطريق.

لكن تحويل نقمة صعود أعداد السكان إلى نعمة يستلزم بذل الكثير من الجهد، وصدر تقرير الرقابة الدولية عن مجموعة البنك الدولي لعام 2015/2016، حيث أكد التقرير أن سياسات البلدان تخلق فروقا مهمة بشأن تأثير التوجهات السكانية على رفاهية السكان، وعندما يتم تبني المدخل الخاطئ يصبح تزايد أعداد السكان من فئة الشباب سببا في اهتزاز الاستقرار، كما يؤدي تزايد أعداد كبار السن إلى تحولهم ليصبحوا سببا لإعاقة النمو الاقتصادي واستنزاف الميزانيات العمومية.

التحدي الرئيسي الذي يواجه البلدان صاحبة النمو السكاني المتزايد هو توليد عدد كبير من الوظائف المنتجة، أما البلدان التي تعاني من تزايد أعداد كبار السن فيتعين عليها تحسين الإنتاجية وتكييف أنظمة الرفاه الاجتماعي، وفي كلا الحالتين يلزم الاستثمار في رأس المال البشري وتهيئة مناخ الاستثمار أمام الأعمال بغرض زيادة التوظيف.

ويتعين أن تستفيد البلدان من الفروق في موقفها السكاني على أن يتم تبني سياسات ملائمة بشأن تدفقات رءوس الأموال العابرة للحدود والهجرة والتجارة، وينبغي السماح بتدفق المزيد من رءوس الأموال إلى البلدان صاحبة الأعداد الأكبر من الشباب حتى يتسنى دعم الاستثمارات وتحفيز نمو التوظيف، كما ينبغي السماح بتدفق المزيد من القوة العاملة إلى البلدان صاحبة الأعداد الأكبر من كبار السن حتى يتسنى سد العجز في القوة العاملة.

نرشح لك

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل