المحتوى الرئيسى

بيشوي القمص يكتب: هدم الأساطير.. أسطورة سليمان خاطر- ج4 | ساسة بوست

10/27 15:46

منذ 1 دقيقة، 27 أكتوبر,2016

«في حوالي الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء 7 يناير (كانون الأول) 1986 ، وأثناء المرور اليومي للحراس على الرقيب المسجون «سليمان محمد عبد الرحمن خاطر»، المحكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة 25 عامًا في القضية رقم 143/85 جنايات عسكرية السويس، والمحبوس بمستشفى السجن الحربي للعلاج، وجدوا الرقيب معلقًا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك غرفته بالمستشفى. وبالكشف عليه وُجد أنه قد فارق الحياة». من نص بيان السجن الحربي.

في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 1985 وصل فوج مكون من خمس عائلات من السياح المدنيين الإسرائيليين إلى منتجع «رأس برقة» الجبلي، (يطلق عليها البعض رأس البركة والبعض الآخر رأس برجة)، المطلّة على «خليج العقبة» بمنطقة «نويبع»، بمحافظة جنوب سيناء، والذي يبعد نحو 30 كم من خط الحدود الدولي بين مصر وإسرائيل، ونحو 40 كم من طابا، والذي أشتُهر بعد اتفاقية «كامب ديفيد»؛ بصفته منتجعًا سياحيًا جبليًا مميزًا، يقصده السائحون للتخييم بهدف الاسترخاء والاستجمام وممارسة التسلق، وخاصة للإسرائيليين الذين استفادوا من سماح مصر للسياح الاسرائيليين بدخول جنوب سيناء، دون التقيد بإجراءات دخول الأجانب التقليدية، وبدون تأشيرات مسبقة.

وبعد يومين، وفي الثانية من ظهر السبت 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1985 تولى المجند «سليمان خاطر» نوبة حراسته في كشك عسكري تابع للأمن المركزي بالنقطة المكلف بها مع رفاقه، وفي الرابعة والنصف من عصر نفس اليوم بدأ بعض أعضاء الفوج السياحي تسلق قمة الهضبة التي تطل على المخيم، مرتدين ملابس السباحة، وفي الخامسة تقريبًا، وبعدغروب الشمس انتبه خاطر لوجود مجموعة من السياح تتكون من 12 فردًا معظمهم من الأطفال والنساء، عُزل يرتدون ملابس البحر، على بعد نحو 40 مترًا منه، يتحركون باتجاه كشك الحراسة؛ حتى يعبروا الهضبة؛ فطلب منهم الوقوف، لكنهم لم يتوقفوا، وواصلوا السير.

قال خاطر في التحقيقات: إنه قد هتف فيهم بالإنجليزية محذرًا «ستوب نو باسينج»، لكنهم لم يذعنوا؛ ليفقد سليمان أعصابه ويفتح النار عليهم، مطلقًا 49 طلقة دفعة واحدة من سلاحه الآلي؛ ليردي 7 منهم قتلى على الفور، هم القاضي «هامان شيلاك» الذي يبلغ نحو 60 عامًا، وزوجته «إيلينا شيلاك»، وابنتهما «تزليل شيلاك» ذات العشرة أعوام، و«أنيتا جريفل» أستاذة الاجتماع بالجامعة العبرية بالقدس، والتي حمت طفلتها بجسدها، ولولا تضحية الأم لكانت الطفلة في عداد القتلى أيضًا، والأطفال «ديانا باري» 10 سنوات، «عوفري توريل» 13 سنة، «أمير باوم» 10 سنوات، ويصيب 4 آخرين بإصابات بالغة، بينما استطاعت الضحية الأخير الهروب من المذبحة بدون إصابات.

قال في التحقيق «كنت على نقطة مرتفعة من الأرض، وأنا ماسك الخدمة، ومعي السلاح، شفت مجموعة من الأجانب ستات وعيال، وتقريبًا راجل، وكانوا طالعين لابسين مايوهات، منها بكيني، ومنها عري، فقلت لهم: ستوب نو باسينجStop .. No Passing ، ماوقفوش خالص، وعدوا الكشك، وأنا راجل واقف في خدمتي وأؤدي واجبي، وفيه أجهزة ومعدات ما يصحش حد يشوفها، والجبل من أصله ممنوع أي حد يطلع عليه، سواء مصري أو أجنبي، وأنا إيدي كانت محملة على التتك»، «فإيدي لما جت على التتك طلع عدد من الطلقات ما أعرفوش، ولقيت ناس بتجري.. منهم واحد وقع.. جريوا أمام الطلقات، وأنا ساعتها ما درتش بنفسي، وما عرفتش باعمل إيه، ضربت النار تاني، والا ضربت عليهم تاني.. وقفت عامل زي المجنون، ومش داري بنفسي.. وبقيت مرة أضحك ومرة أعيط».

أثارت صوت طلقات الرصاص ذعر رفاقه، قبل أن يخرجوا مسرعين من كشك الحراسة محاولين منعه من الإجهاز على الباقيين ووقف المذبحة، وطبقًا للتحقيقات فإن سليمان لم ينح سلاحه، ويُقال إنه قد قتل أحد زملائه؛ حينما حاول منعه من الاستمرار في إطلاق الرصاص، ويُقال أيضًا إن بيان الحادث الأول ذكر تلك الواقعة، ثم أغُفل الحديث عنها لاحقًا عمدًا، ولم تُذكر الواقعة في تحقيقات النيابة العسكرية.

عندما لم يجد «خاطر» بدًا من الاستمرار، حاول الانتحار بإطلاق النار على نفسه، وقال في التحقيق «أنا حطيت السلاح في صدري، وعايز أضرب نفسي.. وزميلي علي إبراهيم شهد بذلك… وأنا عمري ما تخيلت أني ممكن أفكر أن أضرب نفسي بالنار… وأنا كنت هاضرب نفسي بالنار، ولكن علي قال ليّ: مش حتضرب نفسك بالنار يا سليمان… لو أنت ضربت نفسك أنا حضرب نفسي بعدك»، وهو ما أكده زميله في الخدمة أثناء التحقيق معه قائلًا «حط ماسورة البندقية على صدره، وأنا قلت له: مانتش حاتموت نفسك يا سليمان، لو حتموت نفسك يبقى حرام»، وتم القبض عليه، أو قام بتسليم نفسه كما في بعض الروايات، وتم إيداعه في السجن الحربي، وصدر قرار جمهوري بموجب قانون الطوارئ بتحويل المجند سليمان خاطر إلى المحاكمة العسكرية؛ بصفته مجندًا في الجيش المصري، وقادت صحف المعارضة حملة من أجل تحويله إلى محكمة الجنايات، بدلًا من المحكمة العسكرية، وأقيمت مؤتمرات وندوات وقدمت بيانات والتماسات إلى رئيس الجمهورية، لكن لم يتم الاستجابة لها، كذلك طعن محاميه «صلاح أبو إسماعيل» في القرار الجمهوري، وطلب محاكمته أمام قاضيه الطبيعي، ولكن تم رفض الطعن.

في التحقيق سأل المحقق سليمان عن السبب الذي جعله يطلق النيران على النساء والأطفال، فأنكر سليمان معرفته بوجود أطفال وسط الضحايا، قائلًا «أنا لم أقتل أطفالًا، ولم أر أطفالًا، كانت الشمس قد غابت، وكان الظلام قد حل، ورأيتهم يصعدون التل حزمة واحدة.. لقد كان أصغرهم يقاربني طولًا…هذا ما رأيته».

ناقض سليمان نفسه ونسي أنه قد أكد في سؤال سابق في التحقيق بعلمه بوجود أطفال ونساء ورجل واحد، فعاد المحقق وسأله إن كان قد بدر عن هؤلاء الأجانب أي عمل عدائي يجعله يطلق النار عليهم؟ وهل كان يعلم جنسياتهم من أية عبارة قالوها؟ فأجاب خاطر «لا أعلم جنسياتهم، وما حدش منهم أظهر عمل عدائي، بس أنا باعتبر أي واحد يخش على النقطة يبقى عمل عدائي»، لكن أحد زملاء سليمان في النقطة قال إن الأجانب عندما مروا عليهم قالوا شالوم، أي سلام باللغة العبرية… مما يؤكد أن سليمان قد فهم أنهم إسرائيليون، ونسي خاطر أيضًا أنه صرخ في هيستيريا بعدما اقترف جريمته قائلًا “اقفلوا الطريق أحسن سيارة تبلغ إسرائيل، وإسرائيل تهجم علينا»، أي أنه كان يعلم بجنسية السياح.

استغل أقارب خاطر والمعارضون لاتفاقية «كامب ديفيد» حادثة راس برقة لصنع أسطورة إعلامية وهمية عن سليمان خاطر الذين لقبوه ببطل سيناء وقاهر الإسرائيليين، واعتبره الكثيرون بطلًا ورمزًا لمقاومة التطبيع وتعاطف معه قطاعات واسعة من الشعب المصري وكتب فيه البعض شعرًا.

ولم يخل دفاع خاطر والمتعاطفين معه من إلقاء اللوم على الضحايا، واتهامهم بالتعري وما شابه، وكأن التعري جريمة تستوجب القتل، فقد فسر الشيخ صلاح أبو إسماعيل محامي المتهم قتل السياح الإسرائيليين قائلًا «إنهم لم يبالوا بتحذيراته بعدم المرور، واستمروا، ثم قابلوا تعنيفه لهم بالبصق على العلم المصري، مع سيل من السباب (لاحظ أن الضحايا يتحدثون العبرية التي لا يفهمها سليمان!)، فثار الجندي لكرامة وطنه المستباح لفظيًا من هؤلاء الصيّع؛ فكانت المذبحة»!

وفي سؤال وجه إلى زوج شقيقته في لقاء على قناة الجزيرة ، اعتذر عن إطلاق خاطر للرصاص على المصطافين العزل قائلًا «لأنه كان يحرس جهازًا خطيرًا، ولن يسمح؛ «لأنه كان يحرس جهازًا خطيرًا، ولن يسمح لليهود باختراق الحدود ورؤية الجهاز! أما بعض المواقع الإسلامية فقد شطحت بخيالها بعيدًا، وألقت باللوم على الضحايا «لأنهم كانوا يمارسون الفحشاء».

أما خاطر نفسه، فقد أصر في محضر التحقيق على التأكيد على تعري الضحايا، قائلًا «كانوا طالعين لابسين مايوهات منها بكيني ومنها عرى»، «دي منطقة ممنوعة وممنوع أي حد يتواجد فيها، وده أمر، وإلا يبقي خلاص، نسيب الحدود فاضية، وكل اللي تورينا جسمها نعديها»، وذلك في إشارة منه إلى شائعة كانت سائدة في ذلك الوقت، تقول إن فتاة إسرائيلية قد استطاعت أن تتحايل بالعري على أحد الجنود في سيناء، وتحصل منه على تردد أجهزة الإشارة الخاصة بالأمن المركزي هناك بعد أن أدخلها الشاليه المخصص للوحدة.وتكررت إشارة سليمان في التحقيق إلى «جهاز ما» في نقطة الحراسة، في محاولة ساذجة لإضفاء الشرعية والبطولة على الجريمة، بالرغم من أن طبيعة نقطة الحراسة التي يحرسها خاطر ورفاقه، وتدريبهم، ومستوى تحصيلهم العلمي، ورتبهم العسكرية (أعلاهم سليمان برتبة رقيب)، وطبيعة المكان نفسه أضعف من أن تحتوي جهازًا بهذا القدر من الأهمية، كما حاول خاطر أن يشيع في التحقيق، فقد كانت النقطة رقم 46 عبارة عن كشك من الخشب مغطى بالصاج والبطاطين، مساحته 5×8 متر، يحتوي على جهاز إشارة، وتحويلة تليفون تتصل بالنقطة الأصلية، وصندوق سلاح توجد به فقط بندقيتان طراز آلي، صناعة مصرية عيار 7.62× 9مم، وخزائن ذخيرة لا يزيد عدد طلقاتها على 600 رصاصة (300 رصاصة لكل بندقية) وأمتعة شخصية داخل دواليب الجنود، وعددهم خمسة فقط، ونظرًا لأن سليمان كان الأرقي تعليمًا بين الخمسة (حاصل على الثانوية العامة ومنتسب لكلية الحقوق)؛ فقد تولى منصب حكمدار النقطة، أي أن نقطة الحراسة التي كان يتولى خاطر حراستها لا تحتوي على أي أسرار أو ما شابه، يستدعي قتل الأبرياء؛ بسبب اقترابهم منها بالخطأ، وبتكليف من النيابة العسكرية، عُرض المجند سليمان خاطر على لجنة من الطب النفسي، وأثبتت نتيجة الفحص «أن سليمان مختل نوعًا ما، والسبب أن الظلام كان يحول مخاوفه إلى أشكال أسطورية خرافية مرعبة تجعله يقفز من الفراش في فزع، وخلصوا إلى أنه كان يخاف من الظلام ليلًا، وأن حادث مدرسة بحر البقر أثر عليه»، وأكدت شقيقته ذلك في لقاء مع قناة الجزيرة الفضائية، وقالت إن «سليمان جرى بسرعة لمشاهدة ما حدث، وعاد مذهولًا مما رأى، وظل صامتًا لأسبوع كامل بعد هذه الواقعة.. من الصدمة والحزن والذهول»، واسترسل التقرير النفسي قائلًا «إنه عندما رأى بعض الأشخاص يتقدمون نحوه شعر بالخوف الشديد، ولاسيما أن هذه أول مرة يقترب منه أشخاص في غير أوقات النهار»، أضف إلى ذلك الشحن النفسي والعاطفي والديني الذي يتم شحن مجندي الأمن المركزي ذوي التعليم المتوسط أو الأميين به، عن الأعداء الذين يتربصون بالوطن وما شابه، مع الضغط النفسي والخوف من العقاب من رؤسائه، وبدا واضحًا أن أسطورة السائحة الإسرائيلية التي تسللت إلى كشك أحد المجندين، وحصلت على بعض الأسرار العسكرية كانت مسيطرة على عقله كما ذكر في التحقيق، فتملكته حالة من الهستيريا جعلته يرتكب مذبحته بحق الضحايا الأبرياء.

تمت محاكمة سليمان خاطر عسكريًا، وفي 28 ديسمبر (كانون الثاني) عام 1985 صدر الحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 25 عامًا، وتم ترحيله إلى السجن الحربي بمدينة نصر بالقاهرة، ومنه إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من «البلهارسيا»، وفي اليوم التاسع لحبسه، وتحديدًا في 7 يناير (كانون الثاني) 1986 عثر الحراس على سليمان خاطر معلقًا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك غرفته، ونشرت الصحف خبر انتحار الجندي سليمان خاطر في ظروف غامضة، وفي  8 و9 يناير (كانون الثاني) اشتعلت المظاهرات في جامعة الزقازيق وعين شمس والقاهرة ، وأحبط الأمن مظاهرة كان من المرتب لها أن تخرج من جامع الأزهر، وفي 9 يناير (كانون الثاني) صدر تصريح رسمي للدولة على لسان وزير الدفاع المشير «عبد الحليم أبو غزالة» نافيًا تعرّض سليمان خاطر للقتل، ومؤكدًا انتحاره.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل