المحتوى الرئيسى

د. عادل عامر يكتب: كيفية مكافحة السوق السوداء 

10/25 13:17

الرئيسيه » رأي » د. عادل عامر يكتب: كيفية مكافحة السوق السوداء

أخطر ما يؤثر في السوق الموازي لصرف الدولار هو الشائعات، التي تخرج من حين إلى آخر عن احتمالية خفض متوقع للجنيه أمام الدولار، “إن استهداف سعر العملة بغرض الحفاظ عليه كان خطأ فادحًا، وكلف الدولة مليارات الدولارات في السنوات الخمس الماضية”، مشيرا إلى أن مصر حصلت على قروض ومساعدات وودائع بنحو 22.5 مليار دولار منذ ثورة يناير أغلبها ضاع بسبب استهداف سعر الصرف”. وهو ما خلق حالة من التكالب لجمع العملة الصعبة من الأسواق، ليس فقط للتجار والمستوردين، ولكن حتى للمواطنين العاديين، فأصبحت المبالغ المطلوب تدبيرها من الموارد الدولارية، لا تقتصر على حاجات الاستيراد فقط، ولكن لحاجات بعض المواطنين الراغبين في استبدال العملة المحلية بالدولار، مع استمرار الحديث عن تراجع قيمة الجنيه.

السوق السوداء تتحرك عكس القرارات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي، باستثناء قرار إلغاء الحد الأقصى للإيداع والسحب، وحجم التعاملات داخل مصر على الدولار بدأ يرتفع ولا بد من معرفة حقيقة أن الجنيه صاحب السيادة في مصر.

تعد التسعيرة الجبرية، هي الصورة التقليدية التاريخية من صور السوق السوداء، وهي المعنى الضيق لمفهوم السوق السوداء. حيث تعرف السوق السوداء بأنها سوق خفية Invisible Market، تباع فيها السلعة، بسعر أعلى من السعر القانوني، المحدد لها بواسطة السلطة الحكومية، وتنشأ بسبب تدخل الحكومة في سياسات التسعير. كما تنشأ السوق السوداء نتيجة الالتفاف حول الاعتبارات غير الاقتصادية. وتهدف السوق السوداء إلى منع تأثير فائض الطلب على السعر. وبتعبير آخر، فإن السوق السوداء تنشأ نتيجة الاختلال بميكانيكية الأسعار، وهي مظهر لحتمية تفاعل قوى السوق.

شعُر المواطن بالقلق عندما يتوجه لشراء وزن أو عدد من سلعة معينة ويجده أقل من وزن أو عدد ما كان يشتريه من نفس السلعة بالأمس وبنفس المقدار من النقود، وهذا المثال البسيط يوضح لنا ما هي ظاهرة التضخم والتي يُطلق عليها عند العامة مسمى ”الغلاء”.

ويمكن القول إن السوق السوداء، قد نشأت تاريخياً، في أثناء الحرب العالمية الثانية حين عاشت دول العالم اقتصاديات الحرب، التي اتسمت بتوجيه الموارد الاقتصادية نحو آلية الحرب، مما قلص من حجم السلع المتاحة للاستهلاك المدني، ونقص المعروض منها. وقد تطلب ذلك تقنين الطلب الفردي، واستخدام نظام الكوبونات “حصص الاستهلاك”، الصادرة من الحكومة على مستوى التجار، وعلى مستوى المستهلكين، حيث يتم التوزيع بنظام البطاقات، والحصص التموينية. ولكن، مع زيادة الطلب الفردي، والحاجة الماسة إلى الاستهلاك، والتخوف من توقف العرض مستقبلاً، بدأت تتكون أسواق سوداء، حيث تباع السلعة خارج نطاق السوق الرسمية، بأسعار أعلى بكثير من الأسعار التي حددتها الحكومة، وساعد التهريب على تكوين السوق السوداء.

تمثل الرشاوى دخولاً خفية، يتحصل عليها موظفون رسميون، نظير تأدية خدمات، وتسهيل إجراءات تراخيص، والحصول على عقود، وتوريدات لأصحاب نفوذ، يمثلون مصالح “جماعات ضغط” في المجتمع، على حساب تجاهل أفرادٍ وشركات أخرى.

وعملية الرشوة “الفساد”، تعد إحدى صور ممارسات السوق السوداء، بل هي الطابع العصري لهذه السوق، من حيث أسلوب الممارسة والآثار التي تحدثها، بل إنها فاقت في أهميتها الصور الأخرى، مثل البيع خارج نطاق التسعيرة الجبرية وغيرها، ويمكن عقد مقارنة بين الصورتين، لتأكيد أن الرشاوى تعمل في نطاق السوق السوداء (انظر ملحق المقارنة بين التسعير الجبري والرشاوى).

أهم الآثار التي تتولد عن السوق السوداء، في مجال الرشاوى “الفساد”: زيادة تكلفة السلع والخدمات، والمشروعات، والتعاقدات، والتوريدات موضوع الرشوة. طرح هذه السلع والخدمات، بأقل من المواصفات القياسية لها، وكذلك انخفاض مستوى الصيانة والضمان.

المتحصلون على الرشاوى، لا ينفقونها بما يخدم التنمية الاقتصادية، ولا يضعون أموالهم على هيئة ودائع ادخارية في البنوك المحلية، وغالباً ما تدور أموالهم في عمليات غسيل الأموال. انتشار الفساد الاقتصادي، متمثلاً في الرشاوى، يؤدي إلى مزيد من الفساد، للميل إلى المحاكاة، واعتبار الرشوة تكلفة لازمة، وإن كانت غير منتجة؛ للحصول على الموافقات الحكومية، وزيادة دخول المرتشين.

   انتشار الفساد بين صغار وكبار المسئولين الحكوميين، يزعزع الاستقرار السياسي، ويفقد الثقة في مصداقية الحكومات الوطنية، وفي مصداقية الأنظمة الاقتصادية، والقانونية، والسياسية، وفي الأحزاب السياسية، وفي التشريعات، والسياسات النقدية، حتى في جزء من مصداقية برامج الإصلاح الاقتصادي.

الرشاوى الدولية، التي تقدمها الشركات متعددة الجنسيات، لكبار المسئولين، نظير إنشاء مشروعات قومية، تمتص جزءاً من المعونات الدولية المقدمة من بعض المنظمات الدولية، لا تعكس الحسابات القومية القيم الحقيقية للتدفقات النقدية، والسلعية، والخدمية.

عدم تضمين الرشاوى في حسابات التكاليف، يفقد مصداقية شفافية قوائم الدخل وقوائم المركز المالي، في ظل نظم الخصخصة، يسهل المرتشون لأصحاب المصالح، بيع أصول مشروعات حكومية بأقل من قيمتها الحقيقية، ثم يخططون لبيعها في المستقبل، واستغلالها بقيم أكبر بكثير مما تم شراؤها به، ويحققون ثروات طائلة من خلال هذه الصورة للسوق السوداء.

 إن السوق السوداء قديمة قدم التعاملات التجارية فالتجار يسعون للربح بشتى الوسائل الممكنة سواء شرعيه أو غير شرعيه ومنذ العقد الأخير من القرن العشرين أي منذ بداية عصر العولمة الذي أصبح العالم محكوما بما يدور في الأسواق المالية العالمية التي تخطت الزمن والحدود نتيجة لثورة الاتصالات والمعلومات مما يجعل ما تسجله تلك الأسواق تلعب بأقدار الشعوب عبر المضاربين والسماسرة الذين جعلوا من السوق السوداء سلطة عالميه تتحكم باقتصاديات الدول وما يترتب عليها من قفزات وانتعاشات أو انهيارات مفاجئة.

ولعل العمالة غير الشرعية هي أحد مظاهر السوق السوداء الأكثر تعبيراً عن استغلال البشر إلى حد الاستعباد. من خصائص هذه العمالة عدم استمرار العمل والصرف الكيفي والعمل لمدة محددة لساعات عمل طويلة قد تصل إلى 16 أو 18 ساعة يومياً، بالإضافة إلى غياب الضمانات الصحية والاجتماعية وظروف سكن غير صحية ونظام عمل صارم وأجور متدنية. وغالباً ما تفرض هذه الشروط غير الإنسانية على عمال أجانب يقيمون في البلد المعني من دون أوراق ثبوتية وتمارس عليهم ضغوط بإفشاء أمرهم للسلطات وترحيلهم من البلاد. وثمة من يحمِّل السوق الشرعية تبعة وجود سوق عمالة سوداء لأن وجودها يعني أن السوق الشرعية تعاني تشنجاً يحول دون نمو العمالة الشرعية. ومن المعوقات التي تؤخذ عليها كلفة العامل الشرعي التي تفوق قدرة صاحب العمل، وفتح الحدود أمام المنافسة غير الشرعية. الاقتصاد التحتي أو السوق السوداء هي السوق التي تتكون من كل التعاملات التجارية التي يتم فيها تجنب كل القوانين الضريبية والتشريعات التجارية. في المجتمعات الحديثة يغطي الاقتصاد التحتي مجموعة واسعة من النشاطات. ويكون حجم السوق السوداء أصغر في الدول التي تكون الحرية الاقتصادية أكبر، ويزداد حجمها في المجتمعات التي يكون فيها فساد أكبر.

الهدف الأول للمشاركين في هذه السوق هو التهرب من دفع الضرائب على المبيعات أو المشتريات أي الاستهلاك، وغالبا ما تكون هذه البضائع مهرَّبة، أي أنها دخلت السوق الوطنية دون تسجليها لدى المؤسسات الرسمية مثل مديرية الجمارك المختصة.

هناك سوق سوداء أخرى تنشأ في حالة عدم قدرة الإنتاج الوطني والاستيراد على تغطية الطلب الداخلي، أي نشوء حالة سوقية يزداد فيها الطلب بشكل كبير على العرض، في هذه الحالة يقوم العارضون ببيع البضائع خفية وبأسعار عالية جدا وذلك للأشخاص أو المنشآت التي تكون على استعداد لدفع الأسعار المرتفعة وتخرق بذلك القوانين الاقتصادية والمالية السائدة.

غالبا ما تلجأ الدولة إلى فرض عقوبات قاسية متنوعة على المشاركين في أعمال ونشاطات السوق السوداء، مثل عقوبة السجن، ومصادرة المواد والبضائع المضبوطة، وغرامات مالية تبلغ أضعاف القيمة الأصلية للبضاعة وذلك بهدف القضاء على هذه السوق.

للسوق السوداء أضرار وعواقب مالية واقتصادية كبيرة على الاقتصاد الوطني للدولة المعنية، من هذه العواقب نقص العوائد الضريبية للدولة وانتشار نوع من الفوضى الاقتصادية المنظمة، مما قد ينعكس سلبا على مستوى الإنفاق الحكومي في المجالات الاجتماعية والإنتاجية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل