المحتوى الرئيسى

الهجرة المؤقتة والهجرة المستمرة في القرآن الكريم

10/25 13:07

إن عبق الهجرة الشريفة ساقني لتذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهجرته الشريف المنيفة، ولكنني حاولت التنقيب عمّا فاح بعطر كتاب الله -عز وجل- لهذه الكلمة التي ذُكرت قُرابة 24 مرة بألفاظها المتعددة.

حاولت أن أتعلم معناها ومغزاها؛ لأننا يجب أن نستشعر أن الله -تعالى- يكلمنا في القرآن الكريم، ويبيّن لنا معاني أعمق من ظنوننا السطحية.

ذكرى الهجرة مرّت علينا مر السحاب، وكذلك موسم الحج، ذهب ونحرنا وصلينا ولبسنا وأكلنا وشربنا.. إلخ ورمضان وغيره من المواسم الدينية، والنفحات الإيمانية، ولكن صدّقوني، إنما لها معانٍ أعمق من ميراثنا الثقافي الموروث، وأدقّ من كونها أياماً ثم ستمر كباقي الأيام. القرآن الكريم يخبئ لنا الكثير والكثير، والمزيد والعجيب والمُثير حقاً.

والهجرة كما هو معلوم، حسية، ومعنوية، ولكن تحت كل نوع نفهم أن هناك نوعين آخرين:

1 - هجرة مستمرة لا تنقطع. 2 - وهجرة مؤقتة بزمان معين.

وذكرت سابقاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُمِر بهجرته الشريفة الحسية من مكة للمدينة المنورة، وأُمر قبلها بهجرة داخل مكة، وهي هجرة أقاويل أهل الكفر والضلال؛ لأنه لو أعطاهم انتباهه، لتغلغلت لقلبه الشريف، ونفسه الزكية، مستقرة هناك، تاركة أثراً كبيراً لا يستحقه هذا النبي القائد.

وهذه تربية من الله -تعالى- له، وتوجيه إياه للحق والخير، وفائدة لنا كمسلمين أن نوقف الأذية اللفظية حيث تبلغ الأذن، ولا نسمح لها بالتسلل للقلب، ثم تنسفنا نسفاً.

فهجرته للمدينة كانت مستمرة، مطلقة، فمات النبي -صلى الله عليه وسلم- ودُفن فيها وشرُفت به هذه الأرض الطيبة، حتى ذهب فقهاء المالكية ومن شاكلهم إلى أن المدينة المنورة هي أفضل من مكة المكرمة لأسباب، منها اختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- لها، وموته فيها.

هنا سنمر على سيرة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- عندما واجهه أبوه بدعوى أنه معرضٌ عن أصنامه التي يعبدها وتوعّده بالهجران، فقط لأنه قال فيها قول الحق، ووصفها بالوصف المنطقي بأنها لا تنفع ولا تضر:

"قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبَراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِياً" (مريم: 46).

يعني: لئن لم تكفّ عن سبّ أصنامي لأرجمنّك بالحجارة، فلا تتكلم معي، وفارقني زماناً ولا تجتمع معي. فجعله كأسلوب عقاب له لتركه عبادة الأوثان.

فنفهم أن "الهجرة" أو "الهجر" هنا إنما يكون أيضاً في زمان، إما طويل أو قصير، مستمر أو منقطع.

وكذلك الأزواج، علّمهم الله -تعالى- كيفية التعامل الصحيح، والعلاج الأمثل للنشوز الزوجي للمرأة:

"وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياً كَبِيراً" ( النساء: 34).

فوجّه الخطاب لصاحب القوامة والقيادة، إن لم تستجب النساء لكم فعليكم بهجرانهن في الفراش، وهو بأن يولي الزوج ظهره لزوجته؛ ليصدّ عنها، وهذه وإن لم تطب لبعض النساء في زماننا طريقة ربّانيّة، فلا يليق الإسرار أو التصريح بالاعتراض على ذلك نهائياً.

فربنا يعلم كيف يربّي الزوج والزوجة، وما يُهذّب النفوس ويزكّيها، ويُعيدها لصوابها ورشدها، وليس الذكر كالأنثى، فالهجر جاء كحل حسي مؤقت مغلّفٍ بمشاعر تربوية خاصة، فإن نفعت هذه الطريقة فبها ونعمت، وإن لم تنفع، فينتقل للحلول الأخرى بالتدريج.

ويروي لنا ربنا -سبحانه وتعالى- في سورة "المؤمنون" سيرة قوم كذبوا على أنفسهم قبل غيرهم، واغتروا بصنيعهم بزعمهم أنهم أهل الحرم الشريف، ينعقون بالحسب والنسب ومجاورة البيت كالغربان التي تظن في صياحها أنها كالديكة!

"مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ" (المؤمنون: 67)، فدافع الله تعالى عن أحقيّة الأهلية للحرم المكي، وإنما الأهلية ليست بالجيرة والتفاخر المقيت، أو أنه مدعاة لعدم الهزيمة من العدو لقدسيته.

وإنما أهل الحرم الحقيقيون هم المتقون الأبرار، الذين يعظّمونه حق التعظيم، وليس الذين يتسامرون حوله في الليل بالسيئ من القول.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل