المحتوى الرئيسى

الثقافة والفكر الإسلامي من النقل إلى الإبداع

10/25 12:44

كثيراً ما يسألني طلابي، وخصوصاً بعد المحاضرات ذات الطابع الفكري أو في دورات مهارات التفكير.. لماذا نحن خارج التاريخ والحضارة والثقافة؟

ويأتي جوابي لهذا السؤال مؤلماً لبعضهم، وخصوصا -الإسلاميين- منهم وذلك؛ لأن تشخيص المرض هو في طبيعته مؤلم، فلا يستطيع الطبيب أن يحدد العضو المصاب إلا بالضغط عليه وإشعارك الألم منه، وكذلك هو حال (التخلف) الذي نعاني منه على المستوى الثقافي والفكري والحضاري.

عذراً أحبابي دعوني أقل لكم إننا خارج الحضارة، بل نحن نعيش في حضارة غيرنا، في حضارة لم ننتجها، لم نعمل عقولنا فيها، لم نضع لمستنا فيها، وهذا نتيجة طبيعية لنمطية التفكير التي سادت في الأمة خلال القرون الخمسة الماضية (نمطية التسليم للتراث)، ونمطية "إغفال دور العقل"، و"تقديس الأشخاص والأفكار والجماعات والأحزاب"، وأدى هذا الأمر بالنهاية إلى أن يتخذ مثقفونا ومفكرونا نمطين مختلفين -في ظاهرهما- متفقين -في جوهرهما- عند التعاطي مع هذه الأزمة:

- الفريق الأول وهم في معظمهم من "الإسلاميين"، أدرك أنه يعيش في بيئة وحضارة بعيدة عن بيئته وحضارته التي "ادعى" أنها مسلوبة منه، ولذا عاد إلى التراث، وبدأ ينقل منه فكره واجتهادات زمانية معينة، وانغمس في كتب الأقدمين، وحدد بذلك مساحة للعمل العقلي وفقه الواقع بمنطقة ضيقة جداً -مدرسة الإسلام الوسطي- وكان هذا طبيعياً جداً؛ لأنه أي الفكر، حصر نفسه في زاوية ضيقة من القوالب التي لم يسمح لنفسه بمناقشتها، وخصوصاً في ما يتعلق بـ"السياسي/ الديني/ الدنيوي"؛ حيث بقيت مساحة النقل لما هو "سياسي/دنيوي" ضمن دائرة الديني (التعبدي)، فوقع في إشكاليات كبيرة لم يستطِع تجاوزها إلى الآن، ومجموعة أخرى من الإسلاميين لم يعطوا للعقل والواقع أي أهمية، بل جعلوه "خارج قوس"، كما يقال، وهم كل من المدارس الثلاث المتناقضة في ظاهرها، المتفقة في نمطية تفكيرها (الشيعة / الوهابية / الصوفية)، وعند التركيز في هذه المدارس الفكرية نجدها تشترك في منطقة واحدة كبيرة، وهي "النقل والتقليد" لكل ما هو "فكري وثقافي" من الماضي، والابتعاد عن الإبداع والتجديد.

الفريق الثاني، وهم التيارات العلمانية والليبرالية بكل أطيافها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، هي الأخرى عانت من نمطية "التفكير النقلي"، ولكن هذه المرة بطريقة معكوسة؛ حيث فصلت نفسها عن كل تراثها الفكري والثقافي الذي يميز هوية الأمة، ويشكل جزءاً أساسياً من مكونات شخصيتها وخصوصيتها، وانتقلوا بفكرهم إلى هناك إلى حيث "الحضارة والثقافة والفكر" الغربي، واعتبروا كل ما أنتج من فكر وما تشكل من ثقافة وما بني من حضارة إنما هو الأساس الذي يجب أن نأخذه ونتمثله؛ كي نعود مرة أخرى إلى داخل "حركة الحياة الحضارية".

نعم حاول بعضهم أن يدخل للعقل مجالاً في التمحيص والتمييز، ولكنهم قلة قليلة قياساً بالجمهور الكبير منهم، وبذلك أصبحت لهم نمطية تفكير مقاربة للفريق الأول من أنهم "ينقلون" ولا "يبدعون" أفكارهم.

ولكي نخرج من أزمتنا كان لا بد من التوقف عند كلا الفريقين، وأن ننبه إلى أهمية الإبداع الفكري والثقافي والحضاري، وان نتوقف عن النقل، وأن ندخل إلى عالم "إعمال العقل"، وأن ننطلق به إلى "الإبداع"، ويأتي ذلك من خلال عدد من النقاط:

1 - نقد التراث وتمييز البشري عن غير البشري و"السياسي والدنيوي" عن "الديني التعبدي"، من خلال مؤسسات بحثية ووسائل تحول هذه البحوث إلى ثقافة مجتمعية.

2 - نقد الحضارة الغربية وتمييز ما هو "إنساني" بطبيعته وما هو "خصوصي" بأمة معينة في زمان ومكان معينين تفاعلت مع بيئتها وفقاً لرؤيتها الكلية عن الكون والإنسان والحياة، فأنتجت حضارتها، وبنت ثقافتها، وأبدعت فكرها، بأخذ ما هو مناسب منها، والبناء عليه، والإبداع فيه، وترك الخاص لأهله مع احترامنا له وتقديرنا لمنتجيه.

3 - إنشاء مراكز مهتمة بالتفكير الإبداعي وتطبيقاته في مجال "الفكر والثقافة والحضارة"، وليس باعتبارها مهارات فقط.

4 - إنشاء مراكز لعلم المستقبليات ودراساته وتحليلاته ومعرفة التجليات من خلاله؛ كي يكون لإعمال العقول دور في استشراف المستقبل ويتحول الإبداع من "الأفكار" إلى "الأفعال" ثم إلى "الثقافة والتطبيق".

5 - التركيز على الابتكار في مجال العلوم التطبيقية والصرفة وإنشاء مراكز تعلم الشباب التفكير الابتكاري منذ نعومة أظفارهم.

6 - نقد كل الحركات والأحزاب والتيارات لمنتجها الفكري ومراجعته وتطويره وتجديده بما يتلاءم مع معطيات الفكر الإبداعي والثقافة الابتكارية، دون الحجر على أحد في أي فكرة كانت، ومناقشة كل شيء، فلا يوجد "مقدس" في فكر تلك الجماعات أو الأحزاب والتيارات، سواء أكانت إسلامية أو ليبرالية.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل