المحتوى الرئيسى

محمد عبد الوهاب يكتب: أمام تزايد حدة العنف في العالم.. كيف يمكن أن يصنع البُسطاء فارقـًا؟ | ساسة بوست

10/25 11:42

منذ 11 دقيقة، 25 أكتوبر,2016

بعد يوم عمل شاق أو دوام طويل للدراسة، تصل أخيرًا إلى منزلك، أول ما تقوم به بعد أن تجهّز فنجان قهوة ساخن، هو تشغيل التلفاز والاستماع لنشرة الأخبار المسائية، فتسمع عن ضحايا بالمئات إثر برميل متفجر في ذلك الحي أو سيارة مفخخة في تلك المدينة، أو هجوم إرهابي على أحد الملاعب، يكون الخبر عاديًا جدًا ولا تتكفل عناء إلّا لتغيير القناة ومشاهدة ما تبثه التالية.

هذا ما أضحى يعيش عليه معظمنا، وكأن الأمر مفروغ منه ولا دخل لنا حيال الأمر، فهي مسألة تخصّ سياسيين فيما بينهم ومصالح اقتصادية متضاربة؛ شركات عملاقة ترى في النزاعات الطائفية فرصة استثنائية لمضاعفة الأرباح، ودول تنتهز المناسبة لإنعاش اقتصادها عبر تصدير فائض الأسلحة، فيما ترى دول أخرى في جارتها المنكوبة ساحة لتصفية الحسابات.

ويقف المواطن العادي متوسط أو ضعيف الدخل يترنّح ما بين الإعلام والإعلام المضاد أو بين تأييد موقف دولته المتواطئ والأسف لحال أمته المنكوبة.

«كن أنت التغيير الذي تود أن تراه في العالم» المهاتما غاندي

قد تكون النخبة السياسية فاسدة، وقد تكون التكتلات الاقتصادية متلهفة لتحقيق الربح المادي ضاربة عرض الحائط كل القيم الأخلاقية، فهل لا يسعنا سوى الدعاء من أجل العالم، وانتظار دورنا في دوامة العنف؟ ثم الاستسلام لقدرٍ محتوم؟

التنوير العلمي في مواجهة التعصب العرقي- الطائفي في الوطن العربي

لا حاجة للتذكير بما آلت إليه أوضاع العالم العربي من تشتت واقتتال على أساس عقائدي، والتفرقة بين أطياف المجتمع الواحد نتيجة التعصب الأعمى والتحجّر الفكري وعدم قبول الرأي الآخر، الشيء الذي يصرف الأفراد عن تطوير ذواتهم وإبداع حلول لمشكلات مجتمعهم مما يزيد من شدة الانغماس في العنف، وعليه فإن أي بديل نابذ للتطرف لن تقوم له قائمة دون ضرب هذا التطرف في صميمه، والبديل المثالي الذي أثبت جدارته في تجارب الأمم الأخرى هو التفكير العلمي، فتعاطي المنهج العلمي مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية يخلو من التفضيلات كيف ما كان نوعها، ولا يعترف إلّا بالحجج والبراهين العقلية، فآراؤك مرحّب بها ما دامت منطقية، بغض النظر عن انتماءاتك الإيديولوجية، كما أن حق التعقيب مكفول.

وعندما نتحدث عن التفكير العلمي فليس المقصود بالضرورة تفكير العلماء المقرون بتحليل كميات ضخمة من المعلومات، إنما «ذلك النوع من التفكير المنظم، الذي يمكن أن نستخدمه في حياتنا اليومية، أو في النشاط الذي نبذله حين نمارس أعمالنا المهنية المعتادة، أو في علاقتنا مع الناس ومع العالم المحيط بنا، وأن ينبني هذا التفكير على مجموعة من المبادئ التي نطبقها في كل لحظة دون أن نشعر بها شعورًا واعيًا، مثل مبدأ استحالة تأكيد الشيء ونقيضه في آن واحد، والمبدأ القائل إن لكل حدث سببًا، وأن من المحال أن يحدث شيء من لا شيء».(*)

ويمكن أن نُجمل مرتكزات التفكير العلمي في:

ماذا عن استبداد الأنظمة العربية؟

إن أولى خطوات مواجهة الاستبداد هو النهوض بالمستوى المعرفي والعلمي للشعوب العربية، فالتغيير الجذري لا يكون دائمًا بالثورات العنيفة التي قد تخْفُت شعلتها وتختفي، لتعود نسخة متعصبة استبدادية أخرى أكثر بشاعة للنظام السياسي السابق، بل إن من الرجاحة القول إنّ إسقاط نظام الحكم هو آخر خطوة للتغيير، هذه ليست دعوة للاستكانة والخنوع لدكتاتورية الأنظمة، إنما هذا ما أكّده تاريخ الثورات وواقعنا العربي حول مصير أمة غير جاهزة للتغيير.

العلم يشق طريقه عبر الإنترنت!

انتظار الهيئات الحكومية العليا المنشغلة بنهب ثروات أرضها وأرض غيرها، لإصلاح الأنظمة التعليمية المتداعية التي أكل عليها الدهر وشرب لم يعد حلًّا متاحًا بعد الآن.

نحن على أبواب ثورة معرفية عارمة في الوطن العربي، فأعداد المواقع الإلكترونية ذات المحتوى العلمي تزداد بوتيرة متصاعدة، ليصبح بين أيدي المواطن البسيط كميات مهولة من المقالات العلمية، ومقاطع الفيديو عالية الجودة تبسط مفاهيم علمية معقدة، وأوراق بحثية مترجمة، كما لا تكمن الأهمية في الورقة العلمية المنشورة في حد ذاتها، وقد يصعب على الكثير استيعابها، إنما في الأثر الذي تخلفه في أذهان البسطاء، وهذا الأثر الباقي المتراكم هو ما يحفز التفكير العلمي للشخص العادي الذي قد لا يلمّ كليًّا بنظرية علمية واحدة.

أخيرًا، هذه دعوة لباقي الشباب العربي ليلحق بركب هذا التيار العابر لكل الاختلافات العرقية والدينية، وأن يعمل على تنمية قدراته النقدية والمعرفية ذاتيًّا، وإشعاع مكتسباته الثقافية في محيطه، ثم المساهمة ودعم المبادرات الرائدة قدر الاستطاعة.

لست متيقنـًا بأننا سوف نجني ثمار التنوير العلمي غدًا أو بعد غد، لكن ما أنا متيقن منه يقينـًا قاطعًا، هو أن ازدهار وتقدم أية أمة لن يكون إلّا على أساس وعي جماهيري ونخبوي بأهمية العلم والمعرفة، ولو بعد ألف سنة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل